العملة التركية تواصل التهاوي فوق 16 ليرة للدولار

17 ديسمبر 2021
عاودت الليرة الهبوط اليوم من 15.9 إلى نحو 16.7 ليرة للدولار الواحد (فرانس برس)
+ الخط -

تراجع سعر صرف العملة التركية إلى أكثر من 16 ليرة للدولار، اليوم الجمعة، لتسجل أدنى سعر لها على الإطلاق، بعد يوم تركي عاصف أمس، بحسب وصف مراقبين، بدأ بخفض سعر الفائدة المصرفية وتدخل المصرف المركزي بشكل مباشر وانتهى برفع الحد الأدنى للأجور بأعلى نسبة تشهدها البلاد.

وتذبذب سعر صرف الليرة التركية أمس، ليقترب من 16 ليرة (15.8)، بعد قرار لجنة السياسات النقدية بمصرف تركيا المركزي تخفيض سعر الفائدة المصرفية 100 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء (الريبو) لأجل أسبوع، ليصبح 14%، قبل أن يتحسن قليلاً ويراوح سعر الدولار بين 15.4 و15.7، وهو سعر إقفال أمس الخميس، جراء تدخل البنك المركزي للمرة الخامسة خلال الشهر الجاري ببيع الدولار بالسوق للجم تدهور الليرة، التي عاودت الهبوط بافتتاح اليوم من 15.9 إلى نحو 16.2 ليرة للدولار الواحد، لتهبط إلى 16.7 ليرة في تعاملات بعد الظهر.

ويقول أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير بإسطنبول فراس شعبو إن مشكلة العملة اليوم تتجلى في تلاشي ثقة المدخرين وحتى التجار والمستهلكين بها، وهذا أمر خطير برأيه، لأنه أنتج ترددا بالبيع والشراء في المحال التجارية، وتعاظم الدولرة، كما أدى بالوقت نفسه لإحجام الرساميل والاستثمارات عن السوق التركية، فمن يقدم على ضخ أموال بسوق تتراجع عملته يومياً؟

ويرى شعبو، خلال تصريح له لـ"العربي الجديد"، أن تدخل المصرف المركزي غير متناسب مع اقتصاد تركيا الحر. ففضلاً على أنه يزيد قلة الثقة والتضخم والمضاربة، فهو يهدد احتياطي مصرف تركيا المركزي. فأن يضخ المصرف نحو 6 مليارات خلال الشهر الجاري من احتياطي لا يزيد عن 118 مليارا، فهذا خطر على الاحتياطي إذا استمر التدخل خلال تراجع الليرة المتوقع، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن التدخل المتردد وبكتلة نقدية صغيرة، يمتصها السوق بسرعة وتعاود الليرة الهبوط إلى أقل مما كانت عليه قبل التدخل.

وتأثرت الأسواق التركية بشكل كبير بعد تهاوي سعر الليرة خلال الأيام الأخيرة، إذ ارتفعت أجور النقل والمياه أمس، وارتفع سعر البنزين اليوم الجمعة إلى 10 ليرات و89 قرشا، كما واصلت أسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية، حتى المنتجة محليا، الارتفاع.

كما زادت الدولرة (التسعير بالعملة الأميركية)، خاصة بقطاعي العقارات والسيارات، بعد التراجع المستمر بالعملة التركية، ما جعل تحديد الأسعار "مزاجيا" وخلق فوضى واحتكارا بتلك القطاعات، بحسب مراقبين.

ويرى مراقبون أن زيادة الحد الأدنى للرواتب والأجور، وعلى أهميتها وضرورتها بعدما أكل التضخم مداخيل الأتراك، لها عاملان سلبيان.

ويتمثل العامل الأول في لجوء أصحاب العمل إلى إضافة نسبة ارتفاع الأجور على تكاليف الإنتاج، ما يؤدي إلى ارتفاع جديد بمستوى الأسعار منذ مطلع العام الجديد، أما العامل الثاني، بحسب مراقبين أتراك، فهو زيادة الكتلة النقدية من العملة التركية منذ أول العام، بسبب تقاضي الأجور الجديدة، ما سيساهم بزيادة تراجع سعر صرف الليرة التركية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد رفع، أمس، الحد الأدنى للأجور والرواتب من 2826 إلى 4253 ليرة، مؤكدا حرص حكومته على تحسين مستوى معيشة المواطنين بواقع ارتفاع الأسعار، وقال: "عاملنا يستحق أكثر من ذلك".

وأضاف الرئيس التركي، خلال خطاب ألقاه بالمجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، برفقة وزير العمل وداد بيلغين، وممثلي نقابات العمال ومانحي العمل، أن حكومته عازمة على وضع حد في أقرب وقت للغموض السائد في الفترة الأخيرة جراء التقلبات في أسعار الصرف وغلاء الأسعار، ملمحا، بعد تدخل المصرف المركزي خمس مرات بالسوق بشكل مباشر لبيع الدولار، إلى إصدار قرارات جديدة، وقال: "أعتقد أننا سنقطع مسافة مهمة للغاية على طريق تعزيز أجواء الثقة والاستقرار من خلال إجراءات اقتصادية جديدة سننفذها".

وحول المضاربات وتراجع سعر صرف الليرة، أضاف أردوغان: "لا المضاربون على أسعار الصرف والفائدة، ولا أعداء تركيا في الداخل والخارج، ولا الطامعون الجشعون بمقدورهم تحديد مستقبل بلادنا وشعبنا".

وتزداد خشية بعض الاقتصاديين من الأثر السلبي لزيادة الأجور. ويرى الاقتصادي التركي مسلم أوزجان أن الزيادة "أكثر من ضرورية"، لأن الوضع المعيشي للأتراك تراجع "بشكل هائل" خلال العام الحالي، مع هبوط سعر الليرة من 7.4 ليرات إلى أكثر من 16 ليرة مقابل الدولار، ما أفقد الأجر أكثر من 52% من قيمته.

ولكن أوزجان يستدرك، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنه قد يلجأ بعض أصحاب العمل لتشغيل عمال غير مسجلين، خاصة أن عرض عمالة اللاجئين كبير في السوق، وذلك للتهرب من الضرائب ومنح العمال الحد الأدنى من الأجر، ما قد يرفع البطالة.

كما قد يلجأ أصحاب العمل والمنشآت إلى زيادة فارق الحد الأدنى للأجور على أسعار المنتج النهائي، "ما يعني أننا سنكون أمام ارتفاع أسعار جديد وعودة ارتفاع التضخم، فيما سيزيد معروض الليرة بعد تقاضي الأجر الجديد، خاصة أنه يوجد 7 ملايين عامل سيستفيدون من زيادة الأجور".

غير أن رفع الأجور، يشرح أوزجان، ضروري للتأكيد على دور الدولة التركية في الوقوف إلى جانب المستهلكين، "في زمن الحرب الاقتصادية العلنية، وذلك مع تعزيز الثقة بالليرة ومحاولة استصدار قوانين جاذبة وفرص مغرية للمستثمرين".

المساهمون