فتحت حادثة وفاة ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة من الجنسية الباكستانية تعمل في الأردن، قبل أيام، الباب مجدداً على معاناة العمالة المهاجرة، وخاصة التي تعمل في القطاع الزراعي، وتزايد الانتهاكات لحقوقها، وتكرر الحوادث الأليمة التي تتعرض لها من حين لآخر.
وتوفي الباكستانيون الثلاثة نتيجة نشوب حريق ضخم في الخيمة التي تسكنها العائلة في منطقة الكرامة بمحافظة البلقاء غرب العاصمة عمان، حيث يعيش غالبية عمالة قطاع الزراعة الوافدة في خيام، حتى وإن مكثت لسنوات طويلة لعدم قدرتها على الحصول على مسكن ملائم، وفق تأكيد المرصد العمالي الأردني (مؤسسة مجتمع مدني معنية بحقوق العمال)، كاشفا عن انتهاكات واضحة بحق العمالة الوافدة في هذا المجال.
وقال رئيس المرصد أحمد عوض لـ"العربي الجديد" إنه رغم التحذيرات المتكررة من سوء أوضاع غالبية العمال الوافدين في الأردن، وضرورة العمل على تحسين أحوالهم المعيشية وإحاطتهم بالحماية الاجتماعية اللازمة، إلا أن الانتهاكات بحقهم ما تزال على حالها، بل إنها تفاقمت خلال العامين الأخيرين بسبب جائحة كورونا وتداعياتها.
عمال الزراعة الأكثر معاناة في الأردن
وأضاف عوض أنه من خلال عمليات الرصد الميدانية التي قام بها المرصد مؤخرا، تبين أن العمالة الوافدة العاملة في القطاع الزراعي هي الأكثر معاناة من غيرها، لا سيما أن غالبية العمال وعائلاتهم يقطنون في خيام متواضعة وغير مناسبة، ما يعرضهم دائما لحوادث الحريق كما حدث الأسبوع الماضي بوفاة ثلاثة من عائلة باكستانية، وبقاء طفلة لديها إعاقة من العائلة تكفلت الحكومة الأردنية برعايتها لعدم وجود معيل لها بعد الحادثة.
وقال إنه من الضروري أن يتمتع العاملون والعاملات في الزراعة بأهم متطلب من متطلبات الحياة الكريمة، التي من الممكن توفيرها لهم وتوفير أماكن سكن آمنة توفر لهم الحد المعقول من الحماية من المخاطر التي تهدد حياتهم مثل الحريق والسيول والبرد وغيرها.
ويتعرض العمال المهاجرون في الأردن للكثير من الانتهاكات، أبرزها تدني الأجور وانتهاك حقوقهم العمالية، وما زاد أوضاعهم صعوبة خلال جائحة كورونا، هو عدم إدماجهم في برامج الحماية الاجتماعية التي وفرتها الدولة لمواطنيها، وبخاصة برنامج "استدامة" الذي يغطي جزءاً من أجر العامل أو العاملة في المنشأة، وفق رئيس المرصد العمالي.
ويقدر عدد العمال الوافدين في الأردن بأكثر من 800 ألف، معظمهم يعملون في قطاعي الزراعة والإنشاءات.
وقالت ليندا الكلش، مديرة جمعية تمكين للمساعدة القانونية، إن أوضاع هذه الفئات من العمالة لا تتحسن كثيراً في الأردن، في ظل تمييز الأجور والإجراءات المقيدة المتمثلة بـ "نظام الكفالة" المطبق دون نص صريح في القانون.
وأضافت أن نظام الكفالة الذي يعد نوعاً خطيراً من الانتهاكات موجود في الأردن، رغم عدم النص عليه تشريعياً، فجميع الاشتراطات والتعليمات تضع العامل المهاجر بيد صاحب العمل، فلا يستطيع ترك عمله والانتقال إلى آخر، ولا يستطيع السفر دون موافقة صاحب العمل.
استثناء العمالة الوافدة من الحد الأدنى للأجور
وانتقدت الكلش، ضمن تقرير حديث للمرصد العمالي، التصريحات الحكومية المستمرة، ودعواتها لإحلال العمالة الأردنية مكان المهاجرين، في الوقت الذي لا يتمتع المهاجرون بالحد الأدنى للأجور المقرر لنظرائهم الأردنيين.
ووفق رئيس المرصد، تم استثناء العمالة المهاجرة من رفع الحد الأدنى للأجور الذي يفترض أن يطبق بداية العام المقبل، حيث اقتصرت زيادة الأجور على الأردنيين، ليأتي هذا الأمر ضمن الانتهاكات الحاصلة لحقوق العمال الوافدين.
بدوره، قال حمادة أبو نجمة مدير جمعية بيت العمال للدراسات، إن التشريعات الأردنية بحاجة إلى تعديلات عديدة حتى تتواءم مع المعايير الدولية المتعلقة بالعمال المهاجرين، مؤكدا أهمية مراجعة جميع الإجراءات من لحظة التعاقد مع العامل وقدومه إلى الأردن وحتى انتهاء عمله والخروج منها.
وأضاف أبو نجمة أن العمالة المهاجرة بحاجة إلى إدماجها في منظومة الضمان الاجتماعي، حيث تشير الأرقام إلى أن نحو 12% فقط من هذه الفئة مشتركون في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، رغم تعرض العديد منهم إلى إصابات العمل.
وأكد ضرورة تخفيف الإجراءات في وزارة العمل على العمالة المهاجرة، وبحد أدنى إعطاء حرية الانتقال من صاحب عمل إلى آخر دون الحاجة إلى موافقة صاحب العمل.