أوقفت أنقرة، اليوم الأربعاء، مؤقتاً خططها للتنقيب المشترك عن الطاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأبيض المتوسط وتصدير الغاز إلى أوروبا، في واحدة من حلقات مسلسل الشد والجذب بين الطرفين، في فترة كانت الجهود مركزة فيها على توطيد العلاقات التجارية الاقتصادية، قبل أن تأتي الحرب في غزة لتزيد الأمور تعقيداً.
وانتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الاحتلال الإسرائيلي لارتكابه مجازر في قطاع غزة، على مدار 19 يوماً، تسببت في سقوط أكثر من 6500 فلسطيني.
وألغى الرئيس التركي زيارته التي كان ينوي القيام بها إلى إسرائيل، مؤكداً أن بلاده "ليس لديها أي مشكلة مع دولة إسرائيل"، إلا أنها "لم توافق قط على الفظائع التي ترتكبها إسرائيل".
وتميزت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بالتأرجح بين التعاون والتوتر، ومع ذلك كانت العلاقات التجارية قوية، إذ كانت الدولتان تصدران وتستوردان مجموعة متنوعة من السلع والخدمات، رغم تأثر العلاقة بالعوامل السياسية والنزاعات في المنطقة.
التجارة
والعام الماضي، بلغت صادرات تركيا إلى إسرائيل مستوى قياسياً عند 6.4 مليارات دولار، لتصبح بذلك إسرائيل تاسع أكبر سوق للصادرات التركية، بحصة تصل إلى 2.8% من إجماليها، وفقاً لما ذكرته وسائل إعلام عربية.
وعلى الجانب الآخر، استوردت تركيا من إسرائيل الوقود المعدني ومنتجات التقطير، إضافة إلى الآلات الميكانيكية وأجزائها، وسجلت الواردات أكثر من ملياري دولار العام الماضي.
وخلال السنوات السابقة، كان لمتانة العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل انعكاس مباشر على حجم التبادل التجاري الذي حقق نمواً بأكثر من 52% في الفترة بين 2013 و2021، قبل أن يواصل التصاعد في السنوات اللاحقة، لتكون أحدث التقديرات الواردة على لسان وزير الخارجية التركي، بمبلغ 10 مليارات دولار، تشكل الضعف عن مستوى التجارة بين البلدين في عام 2013.
وحققت الصادرات التركية إلى دول الشرق الأوسط والخليج نمواً بنسبة 17.8% خلال العام الماضي، لتبلغ عائداتها 34.2 مليار دولار. وبحسب بيانات استقتها وكالة أنباء "الأناضول" من مجلس المصدرين الأتراك، جاءت إسرائيل في المركز الثاني بين أكثر الدول استيراداً من تركيا بين دول الشرق الأوسط والخليج، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 3.7 مليارات دولار.
ووفقاً لوزارة الخارجية التركية، تعمل أنقرة على زيادة حجم التجارة الثنائية بين البلدين إلى 15 مليار دولار.
وبعد تفشي وباء "كورونا" في معظم دول العالم، تعطلت الحركة التجارية بين العديد من البلدان، وهو أمر دفع إسرائيل لتغيير وجهتها التجارية في بعض المجالات من الصين إلى تركيا، بحسب ما ذكر رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية (DEIK)، إبراهيم سنان أك.
وقال إك: "بعد أزمة كورونا في الصين تحول رجال الأعمال الإسرائيليون إلى تركيا، حيث يمكنهم التداول بأسعار معقولة، وفقاً لقربها الجغرافي وجودة الإنتاج".
وأكد المسؤول التركي أن الصادرات إلى إسرائيل زادت بنسبة 4.9% في الفترة من يناير إلى مارس 2021، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. وأشار: "في الفترة التي تلت الوباء تحسنت العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل، وسيزداد حجم تجارتنا".
السياحة والطيران
وفي 2022، قالت وزارة النقل الإسرائيلية إن إسرائيل وتركيا ستوسعان حركة الطيران الثنائية، بموجب اتفاق طيران جديد، هو الأول بينهما منذ عام 1951. وقالت الوزارة إنه من المتوقع أن يسفر الاتفاق عن استئناف رحلات الشركات الإسرائيلية إلى عدد من الوجهات في تركيا، إلى جانب رحلات الشركات التركية إلى إسرائيل.
وفي إشارة إلى أن الخطوط الجوية التركية (THY) هي شركة الطيران التي لديها أكبر عدد من الرحلات الجوية إلى إسرائيل، قال إك: "خلال تفشي وباء كورونا كانت هناك خسائر فادحة من حيث عائدات السياحة والمنتجات التجارية التي جلبها الركاب". وتابع مستدركاً: "لم يتم إيقاف قطاع البناء في إسرائيل أبدا أثناء تفشي الوباء، لذلك كانت هناك زيارات متكررة بين المسؤولين في البلدين، وأيضاً زيادة في استيراد المواد المطلوبة للبناء".
وكشفت وكالة "ترك برس" أن عدد السياح الإسرائيليين في تركيا قد ارتفع إلى أكثر من 631 ألفاً، محطماً رقماً قياسياً تم تسجيله في عام 2022، بزيادة خمس مرات ونصف مقارنة بالعام السابق.
وبحسب معطيات وزارة السياحة بأنقرة، فقد وصل 115,256 إسرائيلياً إلى تركيا في الفترة من يناير إلى سبتمبر من عام 2021، وهو ما يعني ارتفاعه بنسبة 448% في نفس الفترة من عام 2022.
وأشارت صحف البلدين إلى أنه بين عامي 2007 و2021، جاء أكبر عدد من السياح الإسرائيليين إلى تركيا في عام 2019، حيث زار تركيا أكثر من 569 ألف إسرائيلي، في ظل التحسن في العلاقات. ولكن خلال الأسبوعين الماضيين، بدأت في الظهور توجهات تركية رافضة للعدوان على غزة، ومطالبة بتعليق أنواع التطبيع كافة، ما دعا تل أبيب إلى أن تدعو مواطنيها كافة لمغادرة تركيا في أقرب وقت.
الطاقة
ومع اكتشاف حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، في المناطق الاقتصادية الإسرائيلية والتركية، رأت تركيا في التعاون مع إسرائيل فرصاً جيدة لتنشيط التعاون الثنائي في هذا الشأن، وأيضاً لتخفيف حدة التعاون الإسرائيلي-اليوناني-القبرصي.
ويعد إنشاء خط غاز بين إسرائيل وتركيا، ليصل إلى أوروبا، فكرة قائمة منذ أمد بعيد، وتجددت العام الماضي بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كونه أقل تكلفة وأكثر عملية من أنبوب الغاز "إيستميد" الذي كان مخططاً مده بين إسرائيل وقبرص واليونان، والذي لم يخرج إلى حيز التنفيذ حتى الآن.
ويُعتبر التعاون التركي-الإسرائيلي في مجال الغاز مربحاً للطرفين بسبب الطلب الأوروبي على الغاز، وارتفاع أسعاره في أعقاب الأزمة الأوكرانية.
لكن تركيا أوقفت مؤقتا خططها للتنقيب المشترك عن الطاقة مع إسرائيل في البحر الأبيض المتوسط وصادرات الغاز إلى أوروبا، وفقا لمسؤول مطلع على الأمر. ويأتي هذا التطور بعد الهجمات الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، وما ترتب عليها من انتقاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل اليوم الأربعاء.
وكان وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، قد كشف مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عن نيته زيارة دولة الاحتلال الشهر القادم لتعزيز علاقات الجانبين في مجال الطاقة، ولا يُعرف حتى الآن مصير هذه الزيارة.
الاستثمار
ونقل موقع "الحرة" العراقية عن البنك المركزي التركي (CBRT) في تركيا قوله إن الاستثمارات المباشرة من قبل الإسرائيليين قد بلغت 770 مليون دولار بنهاية عام 2019، وهو ما كان أقل من نظيره في 2010 بنحو 227 مليون دولار.
في المقابل، بلغت أرصدة الاستثمارات المباشرة التي قام بها سكان تركيا في إسرائيل 105 مليون دولار في عام 2019، وكان هذا الرقم صفرا في عام 2002، و3 ملايين دولار فقط في عام 2010.