آخر ما يشغل بال واهتمام الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري في السودان هو المواطن وتحسين أحواله المعيشية والمالية المتدهورة منذ سنوات طويلة. وآخر ما يشغله تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، والقضاء على الفساد ونهب المال العام والاحتكارات داخل الأسواق.
وبالتالي فإن حديثه عن تحسين مستوى معيشة المواطن، وهي الكلمة العابرة الواردة في خطاب إعلانه الانقلاب العسكري أمس الاثنين، هو كلام والعدم سواء وللاستهلاك المحلي ليس إلا، وسبق أن وعد به مئات الديكتاتوريين والمستبدين قبله ولم يفعلوا شيئا.
فالرجل لم يساعد المواطن السوداني على الخروج من هاوية الغلاء والفقر والبطالة وتدهور الخدمات العامة والبنية التحتية من طرق وجسور وشبكات مياه وكهرباء.
ولم يمد البرهان يده لحكومة عبد الله حمدوك لمساعدتها على تحقيق أبسط حقوق المواطن ومنها رفع مستوى معيشته، وتحسين دخله، والحد من قفزات أسعار السلع والخدمات، ووقف موجة التضخم التي تعد الأعلى في العالم، وتوفير فرصة عمل لملايين الشباب العاطل، والعثور على مقعد في المدارس للطلبة الجدد، أو سرير في مستشفى لمريض، أو دواء رخيص.
لم يمد البرهان يده لحكومة حمدوك لمساعدتها على تحقيق أبسط حقوق المواطن ومنها رفع مستوى معيشته، وتحسين دخله، والحد من قفزات الأسعار
بل لعب برهان دورا خبيثا ساهم في تفاقم الأزمات المعيشية داخل السودان عبر الاتفاق مع حكومة حمدوك على اتخاذ قرارات عنيفة بحق المواطن، ومنها إلغاء دعم الوقود، ورفع أسعار الأدوية والسلع الأساسية، وتعويم الجنيه السوداني، والانبطاح لتعليمات صندوق النقد الدولي المهينة، والتمهيد لخفض الرواتب وبيع الشركات العامة.
والبرهان الذي يعد المسؤول الأول في البلاد منذ سقوط نظام عمر البشير، لم يقدم على خطوة واحدة لمعالجة أزمة الفقر المدقع المزمن والمستشري في البلاد، ولم يفتتح مصنعا أو مشروعا إنتاجيا يخلق فرص عمل للشباب العاطل، ولم يهتم بتطوير قطاعي الصحة والتعليم الحيويين، بل راح يدعم مركز المؤسسة العسكرية في الهيمنة على الأنشطة الاقتصادية، ويشجع على التطبيع السياسي والاقتصادي مع دولة الاحتلال.
الأمر نفسه يتكرر مع محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس العسكري الذي أصبح في صدارة المشهد السياسي في السودان، فآخر ما يشغل "حميدتي" ويهمه ليس دعم عملية الانتقال الديمقراطية، وصولاً للانتخابات العامة في البلاد كما قال قبل أيام، وليس ملء بطون الجوعى.
هدف حمدوك الأول الصعود لحكم البلاد حتى ولو كلفه الأمر القيام بعدة انقلابات عسكرية وارتكاب مجازر بحق المواطنين، كما فعلت قواته
بل هدفه الأول هو الصعود لحكم البلاد وربما حكمها للأبد حتى ولو كلفه الأمر القيام بعدة انقلابات عسكرية أخرى وارتكاب مجازر بحق المواطنين، كما فعلت قواته في مجزرة القيادة العامة في منتصف شهر مايو/أيار 2019.
والمجلس العسكري الحاكم في السودان لا تعنيه مقاومة موجة الغلاء التي جعلت السودان الدولة الأغلى حسب الأرقام الرسمية حيث تقفز الأسعار بنسب 400% شهريا وربما 700%.
ولا يهم المجلس القضاء على الطوابير الواقفة أمام الأفران ومحطات الوقود والمؤسسات الحكومية الخدمية، فهذا أمر قد يسعده لأنه يشغل الناس عن متابعة الشأن السياسي والعام، وليس على أجندته قضية غاية في الأهمية وهي تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والأغذية، وخفض فواتير الكهرباء والمياه وغاز الطهي والسولار والبنزين، أو زيادة الصادرات وتنشيط قطاعي الصناعة والسياحة، وجذب الاستثمارات الخارجية، وتنشيط تحويلات المغتربين.
ليس على أجندة المجلس العسكري قضية غاية في الأهمية وهي تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والأغذية، وخفض تكلفة المعيشة
فهذه القضايا خارج اهتمامه، فكل ما يهم أعضاء المجلس العسكري في السودان هو السطو على السلطة والإمساك بزمام الحكم للأبد ومعها التمتع بالنفوذ والمال والبزنس وحصد الامتيازات والأموال الضخمة.
وقبلها وأد أحلام المواطن في أن يتمتع بخيرات وثروات بلاده. ,ان يعيش بلا ضغوط اقتصادية وأزمات مالية تجعله يفكر في الهجرة رغم مخاطرها النفسية والاجتماعية على البقاء في الوطن.