العرب والصين

15 ديسمبر 2022
القمة العربية الصينية في الرياض (Getty)
+ الخط -

هل كان "علاء الدين" عربياً أم صينياً؟ لا شك أن من يتابع قصص ألف ليلة وليلة سيخرج بنتيجة واضحة مفادها أن اللغة العربية شكلت وعاء حضارياً متميزاً لكثير من القصص التي طورها العرب عن طريق التجارة في الألفية الثانية، خاصة منذ بدايتها وحتى اكتشاف الغرب طرق الوصول لآسيا، عبر رأس الرجاء الصالح بداية، وبعد احتلال البرتغاليين وغيرهم لسواحل عُمان.

 

ومن القصص البديعة مغامرات السندباد البحري، ومدينة النحاس وغيرها  في ألف ليلة وليلة. وكلها في الواقع تعكس أحلاماً للانتقال بحرية من الوطن العربي إلى شرق آسيا وجنوبها.

 

وقد تعلمنا من دراسة التاريخ الاقتصادي للعالم أن الصين في العصور الوسطى قدمت للعالم خمس سلع رئيسية، كان بإمكانها أن تجعل الصين آنذاك أكبر قوة اقتصادية. وهذه السلع هي ملح البارود، وحرير القز، والورق، والحبر، والشاي. وقد اكتشف الرهبان هذه السلع واحتكروا إنتاجها لأغراضهم، فملح البارود استخدم لإنتاج المفرقعات التي توضع داخل هياكل التنين المقدس في الاحتفالات الدينية، والشاي لكي يتمكن الرهبان من السهر طوال الليل تعبداً وتأملاً، والحبر والورق لكتاباتهم الدينية، والحرير للباسهم. ولكن تطورت السلع على أيدي أناس من دول أخرى اطلعوا على سرها، وطوروها إلى سلع شائعة الاستخدام وذات قيمة سوقية عالية. 

ولكن الصين قدمت سلعاً أخرى مثل صناعة الخزف والقيشاني ولا نزال حتى الآن نسمي باللغة الإنكليزية أطقم الصحون والطعام "الطقم الصيني" أو "Chinaware"، وكذلك قدموا للعالم السجاد الصيني، وحتى آلة الحساب المصنوعة من الخرز والتي تسمى الأباكوس "Abacus" لا تزال تستخدم كآلة حاسبة في المحال الصينية الصغيرة، وهي عملياً حاسوب صغير.

 

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

الصين أدركت، بعدما انغلقت على نفسها بعد الثورة الشيوعية عام 1947، أن إمكاناتها لن تنطلق من عقالها إلا إذا غيرت فكرها، وانفتحت على العالم. وأحدث هذا التطور انشقاقاً فكرياً بين الراغبين في الانفتاح والشيوعيين التقليديين، ما أدى إلى الثورة الثقافية التي نكلت بآلاف الشباب الراغبين في التجديد من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني. ولكن الأمور تغيرت بعد موت الرئيس ماو تسي تونغ، وحوصر قادة الثورة الثقافية، ومنهم زوجة الرئيس، وصار يشار إليهم بعصابة الأربعة. وباستيلاء الرئيس دينغ على المقاليد، انفتحت الصين على العالم، وحصلت فيها ثورة حقيقية خلال حكم الرؤساء الأربعة الأخيرين ومنهم الرئيس الحالي شي جين بينغ.

 

وبعد عقود من تحقيق معدلات نمو عز نظيرها، أنجزت الصين نقلتين كبيرتين؛ الأولى هي قيادة العالم في إنتاج سلع الاستهلاك المنافسة نوعاً وسعراً، والثانية التقدم التكنولوجي الإعجازي في جميع المجالات بما في ذلك الاقتصاد الرقمي والفضاء والنانو تكنولوجي وأشباه الموصلات (Semi-conductors) والطاقة المتجددة، والنقل خاصة القطارات السريعة، واستخدامات هندسية وصناعية لا تعد ولا تحصى. وبفضل الفوائض التجارية الكبيرة، سعت الصين للاستثمار الخارجي خاصة في الدول الواعدة بالنفط، لكي لا تبقى مكشوفة للغرب. 

وخلال الفترة من (8-10) من الشهر الحالي ديسمبر/كانون الأول 2022، قام الرئيس الصيني "شي" بعقد ثلاث قمم رتبت لها وقادتها حكومة المملكة العربية السعودية، برئاسة ولي العهد ورئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.

 

وقد عقدت ثلاثة اجتماعات قمم. الأول كان ثنائيا بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية، شارك فيه خادم الحرمين الشريفين وأكد فيه نية السعودية الدخول في شراكة استراتيجية مع الصين. وقد ترجمت هذه الدعوة إلى عقد وثيقة شراكة استراتيجية تشمل جميع المجالات تقريباً.

 

وأما القمة الثانية، فقد شملت دول الخليج، حيث أعطت المملكة العربية إشارة إلى شريكاتها في مجلس التعاون أنها تريد وقفتهم معها في هذا الاتجاه، وتسعى كي يكونوا مستفيدين من ذلك. ولعل دولة قطر التي شاركت بقوة كانت من أكثر دول الخليج حماساً ومعها الكويت. 

أما القمة الثالثة فقد عقدت بحضور ست عشرة دولة عربية تتفهم معنى الشراكة مع الصين، وتريد أن تكون مساهمة في بناء شراكة بمفهوم جديد بين العرب والصين.

وما لا شك فيه أن هذه المؤتمرات الثلاثة مكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق عدد من الأهداف. الأول هو أنها أكدت أهميتها للصين كشريك اقتصادي استراتيجي مقابل إيران التي كانت تسعى للحصول على هذا الدور. 

والأمر الثاني هو أن السعودية حافظت على سوقها النفطية في الصين وما حولها من دول، بدلاً من تحول الصين إلى أسواق بديلة، خاصة روسيا التي تواجه عقوبات اقتصادية غربية وتريد بيع نفطها للحفاظ على قدرتها لمواجهة كلف الحرب في أوكرانيا، وبأسعار مخفضة للصين.

 

والأمر الثالث هو أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى أن تحوز على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. ولكن من الواضح أن عدم الوصول إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب يعتبر تهديداً مباشراً للمملكة، وتريد أن تحيد أي احتمال مهدد لأمنها في هذا المجال.

والأمر الرابع أن الصين ستبقى قوة اقتصادية عظمى في العالم حتى ولو اكتفت بالنمو بمعدل 3% سنوياً، والسعودية تريد أن يكون لها في شراكتها مع الصين موقف تفاوضي أفضل مع الولايات المتحدة وأوروبا.

 

ورغم كل هذا التقارب، فقد سعت الدبلوماسية السعودية عبر وزير خارجيتها إلى القول إنها لا تزال تعتبر الولايات المتحدة دولة صديقة وحليفة، وأن دوافع السعودية في تمتين العلاقات مع الصين ليس لها سوى أهداف اقتصادية يجب على الولايات المتحدة أن تتفهمها.

 

إنني شخصياً أستبعد أن تقوم السعودية بهذا التحرك الهام والحيوي دون السعي لإقناع الولايات المتحدة بأن علاقاتها مع السعودية سوف تبقى قوية ومستمرة. والرئاسة الأميركية قد تتفهم الموقف السعودي، ولكن هناك جهات داخل الولايات المتحدة وأوروبا سوف تغتاظ من هذه العلاقة، وستسعى لابتزاز مزايا سعودية تجاهها.

 

المملكة صارت أكثر ثقة بقدراتها الدبلوماسية وبدأت تسخر المساحات المفتوحة لها للمناورة على المستوى الدولي كلاعب مهم وعضو في مجموعة العشرين، وكدولة ذات مقعد ثابت في صندوق النقد والبنك الدوليين، وكعاصمة للعمل الإسلامي المشترك.

المساهمون