دخلت الحرب على غزة أسبوعها السابع، وكان لها آثار سلبية على الاقتصاد المصري، حيث تفاقمت الأزمة الاقتصادية، وارتفع الدولار الأميركي أمام الجنيه المصري إلى مستويات تاريخية في السوق غير الرسمية، وكشف أصحاب شركات سياحة عن إلغاء ما يصل إلى 90% من الرحلات السياحية.
وجاءت تطورات الحرب لتفاقم أزمة توفير العملة الأجنبية في مصر، المسيطرة على البلاد منذ أكثر من عشرين شهراً، والتي أثرت كثيراً بالصناعات المحلية وجميع نواحي الاقتصاد الحقيقي، ما أدى بالضرورة إلى زيادة حالة عدم اليقين الاقتصادي.
وتقع مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، والتي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة، على الحدود مع كل من غزة والأراضي المحتلة، وهي المناطق التي شهدت تصاعد حدة الحرب بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، بالقرب من أهم المعالم السياحية الشهيرة على البحر الأحمر، في شبه جزيرة سيناء.
وعانت مصر من أسوأ أزمة اقتصادية في الذاكرة الحية عندما اندلعت الحرب الشهر الماضي، مع ديون خارجية تبلغ 165 مليار دولار، وفاتورة واردات سنوية تبلغ 90 مليار دولار.
وسجلت مصر انخفاضاً بأكثر من 50% في قيمة عملتها منذ مارس/آذار 2022، بينما ارتفع معدل التضخم الرئيسي إلى ما يقرب من 40%.
وفي الفترة الأخيرة ألقت الحكومة باللوم على جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، لتبرير حالة الفشل الاقتصادي التي وصلت إليها، بعد وقوعها في ثنائية الاقتراض غير المبرر والانفاق غير الرشيد.
ويقول المحللون إن عوامل مثل الاقتراض المفرط، والمشاريع الضخمة المكلفة غير ضرورية أو سابقة لأوانها، والاعتماد الكبير على تدفقات استثمارات المحافظ قصيرة الأجل مما يعرف باسم "الأموال الساخنة"، ساهمت في تفاقم الأزمة.
وجرى تداول الدولار الأميركي مطلع الأسبوع الحالي بسعر 51 جنيهاً في السوق الموازية، أو السوق السوداء النابضة بالحياة، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، كذلك فإنه أعلى بنحو 20 جنيهاً من سعر البنك، وفقاً لتجار العملات الأجنبية.
وتشكل أزمة العملة الأجنبية في مصر مصدر قلق بالغ بالنظر إلى أن البلاد تحتاج إلى أكثر من 28 مليار دولار لسداد أقساط الديون في عام 2024، الأمر الذي يدعم توقعات حدوث تعويم/تخفيض جديد للعملة المصرية.
وأدت هذه الأزمة إلى تراكم واردات بقيمة 5 مليارات دولار في الموانئ، وأدت إلى مواجهة الشركات الأجنبية صعوبات في استعادة أرباحها، وبحسب أحد رجال الأعمال المقيمين في القاهرة، الذي تحدث مع "العربي الجديد" بشرط عدم ذكر اسمه، فإنهم يلجأون إلى" شراء الدولارات من السوق السوداء ثم بيعها للبنك لبدء عملية تخليص المواد المستوردة العالقة في الموانئ، إلا أن البنك يطبق سعر الصرف الرسمي، ما يسبب خسائر مالية كبيرة للشركة".
وأضاف: "أحياناً يطلبون منا توفير مبلغ يتجاوز ما نحتاجه، ليستخدموه في مقابل التزاماتهم هم".
ويرى أصحاب الشركات أن كل شيء أصبح أكثر تكلفة وأقل ربحية، وأنهم يشعرون بأنهم مجبرون على مواصلة أعمالهم في المقام الأول، لتوفير سبل العيش لموظفيهم خلال هذه الفترة الصعبة.
ورغم أنه قد يكون من السابق لأوانه رؤية انعكاس إلغاء الحجوزات السياحية على المواقع السياحية الشهيرة في القاهرة مثل أهرامات الجيزة أو المتحف المصري، التي لا تزال مكتظة، إلا أن أصحاب شركات السياحة يقولون إن الإلغاءات واضحة في وجهات سيناء الشهيرة مثل طابا، المتاخمة لمدينة إيلات الساحلية الإسرائيلية على خليج العقبة، ونويبع ودهب وشرم الشيخ.
وقدرت صاحبة إحدى شركات السياحة المصرية نسب إلغاء الحجوزات في سيناء بنحو 90%، وفي الغردقة بنحو 60%، وفي جنوب مصر (الأقصر وأسوان) بنحو 35%، حتى الآن.
وتشكل السياحة مصدراً رئيسياً للعملة الأجنبية، وتمثل حوالى 15% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.
وحقق القطاع كثيف العمالة لمصر رقماً قياسياً بلغ 13.63 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو/ حزيران، ارتفاعاً من 10.75 مليارات دولار في العام السابق، وفقاً لبيانات البنك المركزي.
ومنذ أيام أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن نقص العملة الأجنبية أزمة "عابرة" ستنتهي قريباً.
ولم يذكر سبباً لتقييمه المتفائل الذي هيمن على البرامج الحوارية التلفزيونية لعدة أيام، حيث رفض الخبراء هذا الرأي، واعتبروه "مجرد كلام".
ووصف الخبير الاقتصادي البارز مدحت نافع في مقابلة تلفزيونية ما ذهب إليه رئيس الحكومة على أنه إعلان شعبوي للاستهلاك المحلي لا يدعمه أي دليل. وأشار نافع إلى أنه يتفق على أن الأزمات تمر، ولكن بأي ثمن.
ومع ذلك، هناك تكهنات متزايدة بأن دول الخليج قد تستعد لتقديم حزمة إنقاذ بمليارات الدولارات لمصر، على الرغم من عدم وجود تصريحات رسمية تؤكد ذلك. يذكر أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، وهي الدول التي هبّت مراراً وتكراراً لإنقاذ الاقتصاد المصري على مرّ السنين، لديها بالفعل ما مجموعه 29.9 مليار دولار من الودائع لدى البنك المركزي المصري، كذلك فإنها وفرت لمصر أنواعاً أخرى من الائتمان، تجاوزت قيمتها 16 مليار دولار إضافية فى السنوات الأخيرة.
وقالت كريستالينا غورغييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي، إن البنك الذي يتخذ من واشنطن مقراً له "يدرس بجدية" زيادة محتملة لبرنامج قروض مصر البالغ حجمه ثلاثة مليارات دولار، بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تفرضها حرب غزة.
وقد خرج البرنامج، الذي وُقِّع عليه في أواخر العام الماضي، عن مساره، مع تأخر مراجعات صندوق النقد الدولي وتحدي مصر للشروط التي وضعها الصندوق لتبني آلية صرف أجنبي أكثر مرونة، وتقليص البصمة الاقتصادية المبالغ فيها للدولة، من خلال خصخصة الشركات المملوكة للحكومة.
وفي الوقت نفسه، يحاول الاتحاد الأوروبي مساعدة مصر على معالجة التداعيات المتزايدة للصراع بين إسرائيل وغزة، وفقاً لما أفصحت عنه بلومبيرغ.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في القاهرة نهاية الأسبوع الماضي، حيث أجرت محادثات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ويريد الاتحاد الأوروبي تسريع العملية بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية للقاهرة، وتصاعد المخاوف بشأن زيادة تدفق اللاجئين من المنطقة، بما في ذلك من دول مثل السودان، الذي تعرض للدمار منذ إبريل/ نيسان بسبب الحرب الأهلية التي بدأت هناك، إلى أوروبا.
وقالت مصادر لبلومبيرغ إن المبالغ المعروضة ستكون مخصصة لعدة أولويات، تشمل الاقتصاد، والاستثمار، والهجرة، والأمن.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يرغب الاتحاد الأوروبي في استكشاف الخيارات مع الدول الأعضاء لمساعدة مصر على التعامل مع عبء ديونها الثقيل.
وبالإضافة إلى ذلك، سيقترح الاتحاد الأوروبي خطة استثمارية تهدف إلى تعبئة 9 مليارات يورو (9.8 مليارات دولار) في قطاعات متعددة، مثل قطاعات الرقمنة والطاقة والزراعة والنقل، التي سيتخللها منتدى استثماري يجري الإعداد لعقده في الربيع المقبل.