لم يعد أمام تونس إلا الاقتراض من السوق الدولية من أجل تجاوز أزمتها المالية الخانقة، ولكن في المقابل تواجه الحكومة تحديات عديدة قد تؤدي إلى إحجام صندوق النقد الدولي عن إمداد البلاد بالقروض، مما يضعها على أبواب كارثة مالية ومخاطر كبيرة.
وحسب مراقبين، فإن أكبر العقبات أمام الاقتراض الخارجي تتمثل في غياب برنامج إصلاح اقتصادي واضح وتواصل تأثيرات الخلافات السياسية على المشهد العام في البلاد وسط حاجة ملحة لمليارات الدولارات من أجل سداد قروض سابقة وسداد عجز الموازنة.
وقالت حكومة هشام المشيشي إن وفدا رفيع المستوى يرأسه وزير المالية علي العكلي، ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي، سيسافر بداية مايو/ أيار القادم إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء وفد من صندوق النقد الدولي وعرض البرنامج الإصلاحي للاقتصاد بهدف توقيع اتفاق تعاون جديد مع مؤسسة القرض الدولية.
وتمثل موافقة صندوق النقد الدولي على إبرام اتفاق جديد مع تونس خطوة أساسية نحو تعبئة موارد بأكثر من 18 مليار دينار (الدولار = 2.74 دينار) تحتاجها البلاد لسداد القروض المستحقة هذا العام، وتمويل عجز الموازنة.
غير أن الخبير المالي، عز الدين سعيدان، يرى أن الحصول على موافقة صندوق النقد على قرض جديد أمر صعب بسبب عدم تطبيق الشروط الأساسية التي أوصى بها الصندوق في تقريره الأخير حول تونس الصادر في فبراير/ شباط الماضي.
وقال سعيدان لـ"العربي الجديد" إن الصندوق طلب من السلطات التونسية مصارحة الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي، والشروع في رفع الدعم وإصلاح المؤسسات الحكومية، لكن حكومة المشيشي لا تزال متعثرة في تطبيق هذه المطالب الأساسية، بحسب تأكيده.
وأكد سعيدان أن الصندوق طلب استراتيجية إنقاذ تصادق عليها الحكومة ومحافظ البنك المركزي ومجلس نواب الشعب والمنظمات الكبرى، غير أن تونس بوضعها السياسي الحالي غير قادرة على جمع مختلف هذه الأطراف حول استراتيجية موحدة، ما يقلص من حظوظ البلاد في الحصول على أي تمويلات.
واعتبر أن كل ما أعلنت عنه حكومة المشيشي من إصلاحات بشأن رفع الدعم وإصلاح الوضع المالي للمؤسسات الحكومية يندرج في إطار النوايا ولم يتحقق بعد، فيما يطالب صندوق النقد بقرارات واضحة تضمن له استرجاع ديونه لدى تونس. وأكد الخبير الاقتصادي أن تونس مهددة بالتخلّف لأول مرة في تاريخها عن سداد أقساط الديون المستحقة وهو ما سيدخل البلاد في دوامة جديدة قد تفقدها سيادية القرار وتضعها تحت الإملاءات الخارجية.
وقال إن صندوق النقد الدولي هو الملاذ الوحيد لتونس لتعبئة القروض الخارجية التي تحتاجها، مطالبا الحكومة بتدارك أمرها قبل السفر إلى واشنطن للقاء خبراء الصندوق. وحول قيمة القرض الذي ستطلبه الحكومة، أكد الخبير الاقتصادي أن حقوق السحب القانونية لتونس لا تتجاوز 2.9 مليار دولار، وهي نفس قيمة القرض الذي وقعت عليه تونس في مايو/ أيار 2016، وهو الأكبر في تاريخ تعاون البلاد مع صندوق النقد الدولي.
ويمثل الاقتراض الجانب الأكبر من التمويل في موازنة 2021، حيث تنوي الحكومة اقتراض حوالي 19.5 مليار دينار (7.22 مليارات دولار) من السوقين الداخلية والخارجية، بما يعادل 37% من إجمالي الموازنة التي صادق عليها البرلمان في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بقيمة 52.6 مليار دينار. ويقدر سداد الديون المستحقة هذا العام بنحو 16 مليار دينار، مقابل 11 مليار دينار في 2020.
وحذر صندوق النقد الدولي مؤخراً من وصول العجز المالي في تونس إلى 9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، مشيراً إلى أهمية تطبيق الإصلاحات للحد من العجز. وتحاول الحكومة البحث عن مساندين خارجيين وازنين لخطتها الاقتصادية قبل التوجه إلى صندوق النقد الدولي، حيث استقبل رئيس الحكومة هشام مشيشي الخميس قبل الماضي سفير الولايات المتحدة الأميركية بتونس، دونالد بلوم.
واستعرض رئيس الحكومة جملة الإصلاحات الاقتصادية التي تنوي الحكومة اعتمادها في الفترة القادمة وسبل تنسيق الجهود مع أصدقاء تونس لحشد الدعم قبل المفاوضات المزمع إجراؤها مع صندوق النقد الدولي وفق بلاغ لرئاسة الحكومة.
وقالت الحكومة إن السفير الأميركي عبّر عن دعم بلاده لتونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي قصد تعبئة الموارد المالية الضرورية، مضيفا أن الإدارة الأميركية على أتم الاستعداد لمساندة مجهودات التنمية في تونس وإنجاح المسار الديمقراطي.
في المقابل، يطالب برلمانيون بإفصاح الحكومة عن خطتها الاقتصادية قبل التوجه لصندوق النقد حتى لا يكون البرلمان المحطة الأخيرة للتصديق على البرامج دون أي دراية.
وقال عضو البرلمان هادي الماكني، إن مهمة البرلمان الرئيسية هي مراقبة العمل الحكومة، داعيا إلى مناقشة أي خطة اقتصادية بشكل مسبق حتى يتسنى لمجلس النواب الشعب مراقبة تنفيذها في مرحلة لاحقة.
وأفاد الماكني في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن البرلمان لم يطلع على خطة الإصلاح التي ستقدمها حكومة المشيشي لصندوق النقد الدولي، لكنه اعتبر أن وضع تونس السياسي والاقتصادي يضعها في خانة الدول ذات المخاطر المرتفعة من حيث قدرتها على سداد القروض.
وطالب عضو البرلمان بوضع خطة لصرف القروض الجديدة التي ستحصل عليها البلاد وإعادة ترتيب الأولويات بإعطاء الأولوية للمشاريع الخالقة للثروة لزيادة نسب النمو وتحسين قدرة البلاد على سداد ديونها السابقة وتجنّب الاقتراض بنسب فائدة مشطة تزيد من إغراق البلاد في دوامة الديون.