ما إن تضع يدك على أي بقعة في العالم، حتى تجدها مليئة بالمخاطر الاقتصادية والمالية التي قد تصاحبها مخاطر أخرى، أبرزها المخاطر الجيوسياسية والتضخم والفقر والبطالة والتفاوت الطبقي والمشاكل الاجتماعية.
في الولايات المتحدة لا يزال التضخم والركود يهددان الاقتصاد الأميركي، ولا يزال إعلان البنك الاحتياطي الفيدرالي انتصاره على التضخم بعيداً وصعب المنال في الشهور المقبلة.
وما زالت أسعار الفائدة على الدولار مرشحة لمزيد من الارتفاع في اطار سياسة التشدد النقدي ومكافحة التضخم، لتتجاوز ربما 6%، وهو أمر يثير القلق في كل دول العالم، وخصوصاً الأسواق الناشئة التي تعتمد على الاقتراض الخارجي في الحصول على السيولة الدولارية وردم الفجوة التمويلية لديها.
ما زالت أسعار الفائدة على الدولار مرشحة لمزيد من الارتفاع في اطار سياسة التشدد النقدي، لتتجاوز ربما 6%، وهو أمر يثير القلق في كل دول العالم
ولا تزال الضغوط قائمة على القطاع المالي الأميركي في أعقاب انهيار بنكين الشهر الماضي، بل وتمثل تهديداً حقيقياً لأسواق المال في "وول ستريت" وتثير فزع المستثمرين.
كذلك فإن أزمة المصارف لم تنته بعد، "وحتى عندما تصبح الأزمة وراءنا، ستكون هناك تداعيات لها لسنوات قادمة، كما يقول جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان" وهو واحد من أكبر المصارف في العالم.
لا تتوقف المخاطر داخل الولايات المتحدة عند هذا الحد، حيث يهددها خطر آخر، وهو تخلفها عن سداد ديونها، وهو احتمال تواجهه البلاد ما لم يُرفع سقف ديونها، وسيكون كارثياً إن حدث، حيث يسبب ضرراً هائلا ودائماً لأميركا، ويمكن أن يدمر مستقبلها وسمعتها كأبرز الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي ومركز صناعة المال في العالم.
تعثّر الولايات المتحدة أمر مؤلم بكل المقاييس، ليس فقط للاقتصاد الأميركي، بل لدول العالم التي تربط احتياطياتها النقدية وعملاتها وتجارتها ومعاملاتها المالية بالدولار.
في أوروبا أيضا هناك عشرات الأزمات الاقتصادية العميقة، أزمات طاقة وتضخم جامح وغلاء أسعار وتعثر مالي وتهاوٍ في القوى الشرائية للأفراد وتفاوت طبقي.
صندوق النقد الدولي يؤكد أن الصراعات الجيوسياسية حول العالم، وبالتحديد بين الولايات المتحدة والصين، قد تؤدي إلى "تفتّت العالم"
ولا تزال حرب أوكرانيا مستعرة، والتي تصنَّف على أنها أكبر تهديد جيوسياسي للاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية في 1945، ولا يوجد أفق زمني لوضع نهاية لتلك المواجهة العسكرية المفتوحة، والحرب التي تستمر لأكثر من عام من المرجح أن تستمر عقوداً، كما يقولون. ولا تزال تلك الحرب تؤثر بشدة في أسواق النفط والغاز والمعادن وأسعار الغذاء والحبوب وغيرها.
وخلال الأيام الماضية صدرت عدة إشارات تؤكد أن القادم ربما سيكون أصعب للاقتصاد العالمي، وأنه رغم انقشاع خطر كورونا، فإن المخاطر الاقتصادية لا تزال قائمة.
من أبرز الإشارات، تلك الصادرة يوم الخميس الماضي عن صندوق النقد الدولي، التي قال فيها إن الصراعات الجيوسياسية حول العالم، وبالتحديد بين الولايات المتحدة والصين، قد تؤدي إلى "تفتّت العالم".
كما حذر صندوق النقد الدولي من أنه يتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي على مدى الخمس سنوات المقبلة لأدنى مستوى في أكثر من ثلاث عقود، وأنه مع تصاعد التوترات الجيوسياسية والتضخم الذي لايزال مرتفعًا، فإن التعافي يعتبر بعيد المنال.
أيضاً هناك الصراع المتنامي بين الولايات المتحدة وروسيا وبين واشنطن وكبار منتجي النفط والغاز، وهناك فقاعة العملات الرقمية التي تطل برأسها من وقت لآخر، وقفزات الدين العام، أيضاً أسعار النفط مرشحة للزيادة، وهو ما يمثل إرهاقاً لشعوب الدول النامية المستوردة للوقود، ويؤجل خروج الاقتصادات الكبرى من التضخم.
ببساطة، العالم في مفترق طرق، إما الخروج بسرعة من المأزق الشديد الذي يعاني منه اقتصاده وأسواقه وسلعه وعملاته، وإما السقوط نحو الهاوية ولسنوات طويلة.