الطيران السوري المتهالك نحو الخصخصة وسط معاناة من الخسائر والعقوبات

26 يوليو 2024
إنزال الحقائب من طائرة تابعة للخطوط السورية في مطار دمشق (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن وقت قطاع الطيران المدني في سورية قد حان عليه دور الخصخصة، بعد الخسائر المتتالية والعقوبات الطويلة. ويأتي ذلك في ظل تاريخ من ضياع الشركات السورية الحكومية الكبرى يعيد نفسه، عبر تأجير لعقود طويلة الأمد، كما حدث لميناء طرطوس الذي أجّره نظام بشار الأسد لروسيا لمدة 49 سنة قابلة للتجديد، أو خصخصة قطاع الاتصالات الخليوية، بعد مسرحية عقد الـ"B.O.T"، أو حتى القطاعات التي كانت محرّمة مثل النفط والفوسفات والكهرباء.
ويتزامن ذلك الاتجاه نحو خصخصة هذا القطاع الحيوي مع إعادة علاقات الجوار مع نظام بشار الأسد، وعودة رحلات طيران مباشرة بين سورية ودول عربية.

 

عودة شركة "إيلوما"

وفي هذا السياق، يلاحظ مراقبون عودة الحديث عن دور شركة "إيلوما" الخاصة كمخلص لبنى وتجهيزات الطيران، بل وشراء ما يرفد الأسطول المتهالك، بعد تغييبها عقب الترخيص لها في 24 نوفمبر من عام 2022.
وعادت الشركة هذه الفترة بجدول أعمال، يتعدى الخدمات واستثمار مطار دمشق الدولي، أكبر المطارات السورية. ويصل الطرح حاليا إلى خصخصة قطاع الطيران المدني أو تعهيد إدارته للشركة الجديدة، كما يقول العامل الأسبق في قطاع الطيران، حسين محمد، بهدف الالتفاف على العقوبات الدولية من جهة، وتشغيل أموال القصر الرئاسي من جهة أخرى، لأن الشركة تعود للمكتب الاقتصادي في القصر الرئاسي، تم ترخيصها بأسماء علي محمد ديب ورزان نزار حميرة وراميا حمدان ديب، وهم في الواقع يعملون لدى مشغّل أموال عائلة الأسد.

ويقول محمد، خلال تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن قرار الترخيص لشركة "إيلوما" المساهمة المغلقة، نص على إدارة واستثمار المنشآت العاملة في قطاع السياحة وخدمة المطارات، ولكن بعد تشكيل لجنة برئاسة وزير النقل وعضوية مدير مؤسسة الطيران تم منح الشركة الخاصة عقد استثمار وتشغيل مؤسسة الخطوط الجوية السورية، من خلال تخصيصها لإدارة واستثمار المنشآت التي تعمل في مجال السياحة وخدمات المطارات، ودخول المناقصات والمزايدات مع القطاع العام، وشراء الأسهم والحصص في جميع الشركات المشاركة أو المساهمة في تأسيسها أو الاشتراك في إدارتها.
ويضيف محمد أنه بعد إحالة الموضوع لهيئة تخطيط الدولة ومن ثم عرضه على مجلس التشاركية، صدر قرار بمنح الشركة الخاصة مهام تطوير الخطوط الجوية، من خلال شراء وصيانة الطائرات والمحركات وقطع التبديل والوصول بأسطول الطائرات إلى 20 طائرة، وتتضمن الخطة ضخ استثمارات قدرها 300 مليون دولار خلال 20 عاما.

وحول بقاء مؤسسة الطيران الحكومية وحصتها من العقد، يلفت العامل السابق بمطار دمشق إلى أن الخصخصة تتم على مراحل، فحتى الآن يتم الحديث عن حصول مؤسسة الطيران الحكومية على نسبة 20% من إجمالي الإيرادات خلال مدة العقد البالغة 20 سنة. ولكن التاريخ يعيد نفسه، فكما حصل في شركتي الخليوي ودخولهما على نظام "B.0.T"، أي بناء وتشغيل وإعادة، يعاد اليوم مع قطاع الطيران، مع اختلاف أن عقد الخليوي أُعطي لقطاع جديد، في حين الطيران يوجد له أصول ثابتة وطائرات وكادر وفروع داخل سورية وخارجها.

وفي هذا السياق، قالت مصادر إعلامية من دمشق، منتصف الأسبوع الجاري، إن العقد الموقّع بين "السورية للطيران" وشركة "إيلوما" السورية، والذي يشمل الإدارة والتطوير والاستثمار بحجم استثمار يصل إلى 300 مليون دولار، سيبدأ تنفيذه خلال 60 يوما من تاريخ التوقيع، الذي تم قبل حوالي أسبوعين، لتزيد عدد طائرات الأسطول إلى 20 طائرة بنهاية مدة الاستثمار المحددة بـ20 عاما، إضافة لإنشاء مطبخ جديد بطاقة إنتاجية تصل إلى 10 آلاف وجبة يوميا، وتجهيز مركز تدريب وفق المعايير الدولية.
ويشير موقع "بزنس تو بزنس" من دمشق، نقلا عن مصادر وصفها بالمطلعة، إلى أن الأجور ستزيد لكافة العاملين في شركة الطيران بنسبة 100%، مع رواتب مميزة لطاقم الطائرة تبدأ من 6000 دولار، بينما الحد الأدنى لرواتب الفنيين والمهندسين 1500 دولار، أما راتب الموظف الإداري سيصل إلى 400 دولار، وعامل تحميل الحقائب والسائق تتراوح رواتبهم ما بين 160 و250 دولارا.

خطة ابتلاع قطاع الطيران

ولم يبتعد العميد المنشقّ عن النظام السوري، أحمد رحال، في تحليله، إذ يرى أن الالتفاف على العقوبات الدولية على مؤسسة الطيران السورية هو الهدف الأبرز، فضلاً عن استثمار أموال بشار الأسد من خلال يسار إبراهيم وعلي نجيب إبراهيم، كما تم في قطاع الخليوي عبر رامي مخلوف، قبل مصادرة الشركتين وسيطرة القصر الرئاسي عليهما.
ويرى رحال، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الطيران ورغم قدم الطائرات والعقوبات الدولية، إلا أنه قطاع حكومي يراد ابتلاعه من قبل واجهات اقتصادية تتبع لبشار الأسد "جماعة القصر".

ويتساءل رحال عن الخبرة التي يمتلكها مرخصو شركة "إيلوما"، معتبراً أنها شركة وهمية لسرقة هذا القطاع قبل بيعه وخصخصته، ربما للخارج. كاشفا لـ"العربي الجديد" أن أسطول الطيران المدني في سورية يضم تسع طائرات قديمة، معظمها غير جاهزة، بل ولا يمكن أن تطير لساعات طويلة بسبب قدمها وعدم التعمير والإصلاح، بسبب العقوبات المفروضة وإهمال هذا القطاع. ونوه إلى أن البلاد التي تستقبل الطائرات السورية اليوم، تخالف العقوبات الدولية وربما السكوت عنها اليوم لأسباب سياسية، ولكن يمكن معاقبتها في أي وقت.
ويقول الاقتصادي السوري محمد حاج بكري، لـ"العربي الجديد": قريباً ستبدأ شركة "إيلوما" في العمل بمرافق مطار دمشق الدولي، بعد أن ذهبت إدارة "السورية للطيران" إليها، وثمة خطة أعلنتها الشركة، تخص تنفيذ الأعمال وخدمات النقل الجوي والركاب، إضافة إلى شراء واستثمار الطائرات.
ويبيّن حاج بكري أنه بعد الترخيص للشركة، وافقت وزارة التجارة في دمشق، بالإجماع، على تعديل غاية الشركة، بعد أن قدمت "إيلوما" خطتها الاستثمارية.
وأضاف: من اختصاصاتها شراء وصيانة الطائرات والمحركات وقطع التبديل والوصول بالأسطول إلى 20 طائرة، ورفع قدرة العمليات الأرضية لخدمة أكثر من 25 ألف رحلة سنويا لجميع النواقل الوطنية والأجنبية.
ومن الأهداف رفع عدد الركاب إلى أكثر من ثلاثة ملايين راكب سنويا، وتأهيل مركز الصيانة لتقديم خدمات الصيانة وعمليات التعمير، وتأهيل مركز التدريب، وإضافة جهاز محاكاة الطيران لتدريب الطيارين السوريين والأجانب.

وحول توقعاته بمصير العمالة في المؤسسة الحكومية، يشير حاج بكري إلى أن العقد ينص على التأهيل والتدريب وعدم التسريح، ورفع الأجور وتعويضات الاختصاص، كما في الشركات المماثلة، عربيا ودوليا، ولكن يشك حاج بكري في ذلك "لأن المؤسسة اليوم تعاني من عمالة فائضة، سواء في فروعها داخل القطر أو في المكاتب الإقليمية".
ويختم الاقتصادي السوري أنه "بصرف النظر عن مدى تنفيذ بنود العقد على الأرض، إلا أننا أمام أمرين مهمين: الأول هو احتكار، إن لم نقل اليوم خصخصة، هذا القطاع الحيوي. والثاني أن الاستثمار مضمون الربح، إضافة إلى أنه قطاع محرّض، يرتبط بالسياحة والتصدير والاستثمار، ولا يختص بنقل الركاب فقط".


جرد الممتلكات

وتنقل مصادر خاصة من العاصمة السورية دمشق لـ"العربي الجديد" أن عمليات تسليم الإدارة والعمل للشركة الخاصة سيكون قريبا جدا، لأن مؤسسة الطيران الحكومية تقوم، حسب المصادر، بجرد كافة ما تمتلكه من الطائرات العاملة وغير العاملة القابلة للإصلاح وقطع الغيار ومستودعات ومحركات والآليات المستخدمة لصيانة الطائرات وأثاث، على أن يتم إنجاز العمل خلال شهر.
ونسبت المصادر من دمشق إلى مدير الخطوط السورية السابق، مصعب أرسلان، قوله: إن الخطوط الجوية السورية لا يمكن أن تستمر ولا يجب أن تستمر بوضعها الحالي.
وتكشف المصادر لـ"العربي الجديد" أن السعودية أبلغت، أخيرا، الجانب السوري بنيتها إعادة طائرتي الركاب من نوع بوينغ 747 الموجودتين في السعودية منذ عام 2010، بعد أن احتجزتهما المملكة بسبب توتر العلاقات بعد الثورة عام 2011.
ولكن في المقابل، نفت المؤسسة "السورية للطيران" إعادة طائرتي بوينغ 747 التابعتين لها، والمحتجزتين في السعودية منذ 13 عاماً، إلى مطار دمشق الدولي.
وتأسست شركة الخطوط الجوية السورية عام 1946 بطائرتين مروحيتين من طراز "سيسنامستير"، وبدأت بتسيير رحلات بين المطارات السورية في محافظات دمشق وحلب ودير الزور ثم القامشلي. وفي عام 1961 تم تغيير اسمها إلى "مؤسسة الطيران العربية السورية" لتقدم خدماتها لأكثر من 48 وجهة في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلا عن الرحلات الداخلية داخل سورية.
لكن المؤسسة بدأت بتراجع خدماتها وعائداتها منذ فرضت الولايات المتحدة الأميركية عام 2004، عقوبات على القطاع، بتهمة دعم الإرهاب ونقل جهاديين إلى العراق، الأمر الذي شلّ القطاع، بسبب منع استيراد الطائرات وقطع الغيار، أو حتى تعمير وصيانة الطائرات، إن كانت الشركة المعمّرة أميركية أو للولايات المتحدة حصة فيها.
وأما بعد الثورة السورية عام 2011 وفرض العقوبات العربية والأوروبية والأميركية، فقد تدهور هذا القطاع، ثم بعد توقف لنحو عشر سنوات، استؤنفت أخيرا رحلات جوية تجارية منتظمة بين سورية وعدة دول عربية.

المساهمون