الصين: اجتماعات الحزب الشيوعي على وقع تحديات اقتصادية

09 نوفمبر 2021
تراجع الاقتصاد الصيني في الربع الثالث من 2021 (فرانس برس)
+ الخط -

بدأت اجتماعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، أمس الاثنين، وتستمر حتى الخميس المقبل، على وقع تحديات تواجه الاقتصاد الثاني في العالم.
ويمكن أن تدرج إدارة الاقتصاد على جدول أعمال اجتماع الأسبوع الجاري، وفقا لما نقلته وكالة "فرانس برس" عن كريس جونسون، من "مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية" لمدونة "سينوسيزم" الصوتية، وأن القرار الجديد - تولى السلطة لولاية ثالثة - سيمثّل فرصة لشي جين بينغ "لإعادة ترتيب.. بعض أجزاء التاريخ التي لا تروقه"، بما في ذلك المبالغة في الإصلاحات الاقتصادية في تسعينيات القرن الماضي.

الأقوى منذ ماو

وأطلق شي أخيرا حملة "للازدهار المشترك" مصممة للتعامل مع عدم المساواة في الثراء وتشديد الرقابة على عمالقة عالم المال والأعمال في الصين.
وعند تقلد شي منصبه في 2012، كانت قوة الصين، وفقا لوكالة "شينخوا" الرسمية، "قد نمت بشكل كبير بعد نحو 40 عاما من الإصلاح والانفتاح. بيد أن الأمر لم يكن خاليا من المشاكل، بما في ذلك الضغوط النزولية على كاهل الاقتصاد، والتباينات في الثروة، والأضرار البيئية والتوتر الاجتماعي. كما واجهت الإصلاحات بعض المقاومة أيضا".
وصاغ شي، وفقا للوكالة أيضا، نموذجا صينيا للتحديث يستهدف إخراج البلاد من نموذج تنموي يعتمد على النمو الواسع وغير الفعال على حساب الأضرار الإيكولوجية، ونقل البلاد إلى مرحلة التنمية عالية الجودة، وتجنب أوضاع يزداد فيها الأغنياء ثراء والفقراء فقرا".
لكن التحول الأهم هو اعتماد استراتيجية تقوم على أن "نترك السوق يلعب الدور الحاسم في تخصيص الموارد"، كما توسع في سياسات محاربة الفساد ومواجهة البيروقراطية.
تحديات كبيرة
واجهت الصين عددا من التحديات الاقتصادية خلال الأعوام الأخيرة، لعل أبرزها الحرب التجارية مع الاقتصاد الأميركي الذي يحتل الصدارة عالميا، وجائحة كورونا وما ترتبت عليها من تداعيات.
1- جاءت الحرب التجارية مع الولايات المتحدة خلال فترة ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب (2016-2020)، لتضغط على الاقتصاد الصيني بشدة، وخاصة أنها لم تهدأ بعد مع تولي الرئيس جو بايدن الحكم في يناير/كانون الثاني 2021 خلفا لترامب.
وأعلن جيك ساليفان، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، الأحد الماضي، أن المفاوضات مع الصين "غير سهلة وليست مسألة شهر أو نصف عام، بل إنجازها يعتمد على مدى تقدمنا على مساراتها".
ورغم توقيع الطرفين على المرحلة الأولى من الصفقة التجارية في يناير 2020، إلا أنها لم تطبق بالكامل.

وفي يونيو/ حزيران الماضي طالب بايدن بـ"إبعاد" الصين عن تحديد قواعد التجارة والتكنولوجيات في القرن الـ21، مؤكدا عزم الولايات المتحدة على تعزيز التعاون مع حلفائها لكبح جماح بكين في هذين المجالين.

وتضغط الولايات المتحدة أيضا بأوراق أخرى على الصين، مثل الحديث عن السبب أو الأصل الرئيس لتفشي كورونا، واتهام الصين بالإبادة الجماعية لمسلمي الإيغور.
ووصف نائب سكرتير مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف، الشهر الماضي، الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بأنها تحولت في زمن جائحة فيروس كورونا إلى نوع من الحرب الباردة.
2- التحدي الأهم لاقتصاد الصين في 2020 هو تفشي وباء فيروس كورونا عالميا انطلاقا من مقاطعة ووهان الصينية، وهو ما كانت له تداعياته على اقتصادها ولكنها سرعان ما تعافت منه، فكانت أولى الدول التي تعافت من تداعياته الاقتصادية كما كانت أولى الدول التي ظهر الوباء فيها، حيث نما الاقتصاد بنسبة 2.3 بالمئة خلال 2020، بينما تتوقع الحكومة أن يرتفع إلى 6% خلال العام 2021.

3- أزمات ما بعد الجائحة
رغم دخول الاقتصاد الصيني العام 2021 بمعدل نمو في العام السابق وبتوقعات متفائلة لتحقيق معدلات أعلى في 2021، إلا أن استمرار تداعيات الحرب التجارية وكورونا ما زالت مستمرة، كما ظهر عدد من التحديات التي ضربت قطاعات مهمة من اقتصاد الصين.
عقارات إيفرغراند في الصين (فرانس برس)
ومن هذه الأزمات: 
- أزمة ديون مجموعة "إيفرغراند": تجاوزت ديون المجموعة التي تعد إحدى أكبر الشركات العقارية في الصين، عتبة الـ305 مليارات دولار، من إجمالي 5 تريليونات دولار تمثل ديون القطاع بأكمله، الذي يمثل نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد البلاد.
وقامت الشركة بمجموعة من الإجراءت لسداد الديون، مثل بيع بعض الأصول في قطاعات أخرى، وآخرها عرض وحدة السيارات التابعة لها في شركة "بروتيان إلكتريك" في بريطانيا، وكذلك بيع حصة 5.7% في "هينج تن نت وورك غروب" العاملة في قطاع الإعلام.

وتحتاج الشركة لسداد مدفوعات فائدة متأخرة بقيمة 148 مليون دولار هذا الأسبوع. ووفقا لمصادر خاصة لـ"رويترز"، فإن بعض المستثمرين لم يتلقوا فائدة السندات الخاصة بوحدة الشركة المستحقة في 6 نوفمبر حتى أمس الاثنين.
التأخير المستمر في سلسلة التوريد: وهو ما أدى لارتفاع الأسعار وتعطل الإنتاج في بعض القطاعات خلال العام الجاري، وانعكس أيضا على تعطل سلاسل التوريد عالميا، ما دفع بعض الشركات للتفكير جديا في الانتقال من الصين إلى أسواق ناشئة أقرب لأوروبا، مثل تركيا وبعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

- أزمة الكهرباء: والتي أدت بصفة خاصة خلال الربع الثالث من العام الحالي إلى انخفاض إنتاج المصانع لأضعف مستوى منذ أوائل عام 2020، حيث أغلقت العديد من المصانع أبوابها في كل التخصصات.
وقال المتحدث باسم المكتب الوطني للإحصاء في الصين فو لينغوي، الشهر الماضي، وفقا لوكالة "رويترز"، حول نتائج الربع الثالث من العام 2021، إن "الانتعاش الاقتصادي المحلي لا يزال غير مستقر وغير منتظم".
وأظهرت بيانات، نشرت أمس الاثنين، نمو الناتج المحلي الصيني الإجمالي بنسبة 4.9 في المئة في الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول 2021 من مستواه السابق، في أضعف أداء منذ الربع الثالث من عام 2020، ومخالف للتوقعات.
وأظهرت بيانات صادرة عن جمعية سيارات الركاب الصينية، أمس الاثنين، أن إنتاج سيارات الركاب في الصين انخفض بنسبة 4.1 بالمائة على أساس سنوي في أكتوبر/ تشرين الأول هذا العام، بينما انخفضت مبيعاتها بنسبة 13.9 بالمائة على أساس سنوي.
بينما ارتفعت مبيعات البلاد من سيارات الركاب العاملة بالطاقة الجديدة بنسبة 141.1 في المائة على أساس سنوي إلى 321 ألف وحدة في أكتوبر، حسبما ذكرت الجمعية.
كما ذكرت الهيئة الوطنية للطاقة، يوم الاثنين، أن استهلاك الطاقة في الربع الثالث انخفض 14.3 نقطة مئوية عن الربع الأول و4.7 نقاط مئوية عن الربع الثاني.

مؤشرات إيجابية للاقتصاد الصيني

ورغم التحديات التي واجهت الاقتصاد الصيني خلال الأعوام القليلة الماضية والتي استمر بعضها أو تداعياتها خلال العام الجاري، إلا أنه ما زال هناك عدد من المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الصيني تضمن له استمرارية قوته، ومنها: 
الاحتياطي الضخم من النقد الأجنبي: والذي بلغ في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي 3.2176 تريليونات دولار، بزيادة 17 مليار دولار على أساس شهري، وبنسبة 0.53 بالمئة.
وتملك الصين ضمن أصولها الاحتياطية استثمارات في أذونات وسندات وزارة الخزانة الأميركية بأكثر من 1.047 تريليون دولار حتى نهاية أغسطس/آب الماضي.
ارتفاع الصادرات: بلغ إجمالي الصادرات في أكتوبر نحو 300.2 مليار دولار، مقابل واردات بنحو 215.7 مليار دولار وبفائض تجاري بلغ 84.5 مليار دولار، مقارنة بنحو ـ66.8 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول، وبارتفاع نحو 28.1 في المائة .
معدل النمو: رغم تراجع معدل النمو للاقتصاد الصيني في الربع الثالث من العام الجاري، إلا أنه وفقا لأرقام رسمية حقق معدل نمو خلال الأرباع الثلاثة من العام (9 أشهر) معدلا بلغ نحو 9.8 بالمائة على أساس سنوي على الرغم من الضغوط الهبوطية العالمية.
وفي مارس/ آذار الماضي، حددت الحكومة الصينية مستهدفها السنوي من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 بأكثر من 6 بالمائة، فيما يتوقع صندوق النقد نموا في حدود 8 بالمئة.
ونما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 18.3% في الربع الأول من العام و7.9% في الربع الثاني و4.9 بالمئة في الربع الثالث من 2021 على أساس سنوي، بضغط تأثير أزمة القطاع العقاري وتعطل سلاسل الإمداد عالميا.
وما زال معدل النمو في الصين الأعلى بين دول مجموعة العشرين اقتصادا الأكبر عالميا، ويتوقع أن تستمر مقومات معدلات النمو العالية في ظل تخفيف قيود جائحة كورونا وارتفاع الطلب على الصادرات الصينية في العالم.