أظهرت بيانات صادرة عن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، أن صندوق الثروة السيادي السعودي قلص استثماره في الأسهم الأميركية بقيمة 3 مليارات دولار في الربع الثالث من العام الجاري، ليصل ما بحوزته إلى حوالي 7.05 مليارات دولار من الأسهم حتى 30 سبتمبر/ أيلول، مقارنة مع حوالي 10.12 مليارات في نهاية يونيو/حزيران.
وأشارت البيانات إلى تسييل (بيع) الصندوق حصصه الكاملة في ست شركات هي: سيسكو المتخصصة في مجال التكنولوجيا، بيركشاير المملوكة من الملياردير الأميركي وارن بافيت، صندوق مؤشرات متداول (XLRE) في المجال العقاري، كانديان ناتشورال (CNQ) بمجال الطاقة، يونيون باسيفيك (UNP) بمجال النقل، وبوكينج المتخصصة في مجال الحجوزات السياحية.
وفي الأشهر الأخيرة، اشترى الصندوق حصص أقلية في شركات في أنحاء العالم، رغم تحذيرات الخبراء من التقلبات الحادة للأسواق بسبب جائحة فيروس كورونا الجديد. ويدير الصندوق، الذي يرأس مجلس إدارته ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أموالاً تقدر بنحو 346.6 مليار دولار، وفق تصريحات صادرة عن بن سلمان في وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وتظهر بيانات متخصصة عن أصول صناديق الاستثمار العالمية أن القيمة الأخيرة التي أعلنها ولي العهد السعودي، ونشرتها وسائل إعلام محلية، تقل كثيراً عن الأرقام التي كشف عنها معهد صناديق الثروة السيادية حول العالم، والتي قدر فيها قيمة أصول الصندوق السيادي السعودي بنحو 390 مليار دولار في نهاية سبتمبر/أيلول، بينما كانت المملكة تستهدف رفع قيمة أصول الصندوق إلى 400 مليار دولار بنهاية 2020.
ويعد معهد صناديق الثروة السيادية منظمة دولية تهدف إلى رصد ودراسة استثمارات صناديق الثروة السيادية والمعاشات وصناديق التقاعد، والبنوك المركزية والأوقاف وغيرها من أجهزة الاستثمار العام حول العالم.
وتأتي تحركات الصندوق السيادي الاستثمارية في الخارج في إطار تعزيز رؤية ولي العهد محمد بن سلمان "2030" لتنويع مصادر الدخل، من خلال تدشين اقتصاد مواز بعيد عن ريع النفط، لا سيما بعد الضربات الموجعة التي تلقاها خلال السنوات الأخيرة بسبب تأرجح أسواق النفط العالمية.
لكن بيانات رسمية أظهرت تكبد الصندوق السيادي خسائر بعشرات مليارات الدولارات في الأشهر الماضية، بينما تتسارع وتيرة استنزاف الأموال الاحتياطية المتراكمة على مدار عقود، من أجل تغطية الخسائر الناجمة عن تهاوي أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا الجديد الذي أطاح استثمارات المملكة في صناديق ومشروعات عالمية تبناها وليّ العهد.
وبحسب بيان صادر عن وزير المالية محمد الجدعان في يونيو/حزيران الماضي، حولت المملكة ما إجماليه 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) لتمويل استثمارات لصندوق الاستثمارات العامة في مارس/ آذار وإبريل نيسان، من دون ذكر مزيد من التفاصيل عن التحويلات التي قال إنها جرت "بشكل استثنائي".
لكن مجموعة سوفت بنك اليابانية ذكرت، في 18 مايو/ أيار، أنها سجلت خسائر تشغيلية سنوية بقيمة 1.9 تريليون ين (18 مليار دولار) في صندوق رؤية العملاق التابع لها، الذي تساهم فيه السعودية بحصة كبيرة تقارب النصف، مشيرة إلى تراجع استثمارات الصندوق في قطاع التكنولوجيا لما دون التكلفة، ما دفع المجموعة إلى تسجيل أكبر خسائر لها على الإطلاق.
وافتتح صندوقَ رؤية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 كل من ولي العهد السعودي وماسايوشي سون، رئيس مجموعة سوفت بنك. وفي مايو/ أيار 2017، أصبح الصندوق أكبر صندوق للاستثمار المباشر، بعد أن جمع أكثر من 93 مليار دولار، منها نحو 45 مليار دولار من السعودية، كذلك يساهم فيه صندوق الاستثمار الإماراتي "مبادلة".
وفي تقرير لها في 17 مايو/ أيار، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن لجائحة كورونا وانهيار أسعار النفط تأثيرات سلبية في الطموحات والأحلام الكبيرة التي كان يخطط لها بن سلمان.
واعتبر التقرير الذي نشرته الصحيفة تحت عنوان "رفاهية السعودية وأحلامها الكبيرة تصطدم بالحائط"، أن جائحة كورونا ليست وحدها التي تعيد تشكيل نمط حياة السعوديين، بل إن انخفاض أسعار النفط يسرق من المملكة الثروة الهائلة التي اكتسبتها.
ووصف التقرير الأزمتين بأنهما "ضربتان موجعتان تهددان بإغراق الأجندة الاجتماعية والاقتصادية لمحمد بن سلمان"، في ظل غياب السياحة أيضاً التي ظهرت كحركة جديدة لتنويع مصادر الدخل في المملكة.
ومع الارتدادات العنيفة التي يسببها كورونا، وتهاوي عائدات النفط، اندفعت المملكة إلى إجراءات وصفها وزير المالية قبل نحو خمسة أشهر بـ"المؤلمة"، لكنه أكد أنْ لا مفرّ منها.
وتقرر إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من شهر يونيو/ حزيران، وكذلك رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها من 5% إلى 15%، بدءاً من الأول من يوليو/ تموز.
وحذرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، في تقرير لها في يونيو/حزيران، من تداعيات ما أسمته "المغامرات السعودية المالية في الخارج"، لافتة إلى أن التخوف الأبرز من وراء الهرولة نحو الاستثمارات الخارجية يتمثل في عدم الاستقرار، خاصة في ظل موجات المد والجذر التي تضرب المنظومة الاقتصادية العالمية خلال الآونة الأخيرة.
وأشار التقرير إلى أنه ما كان للمملكة الاعتماد على صندوق الثروة السيادية في ظل ما تواجهه من تذبذب كبير في أسعار النفط، موضحاً أن الرياض لم تنجح بعد في تنويع مصادر دخلها، وهو ما أدى في النهاية إلى تراجع الاقتصاد وتعرضه للعديد من الهزات في ظل الاعتماد على النفط كمورد وحيد للاقتصاد.
وسبق أن تعرض الصندوق السيادي لخسائر بسبب ما وصفه محللون بـ"سياسة الانتهازية في الاستثمار"، من دون أن تكون هناك خطط طويلة الأجل لتعظيم أصول الصندوق.
فقد نقل موقع دويتشه فيله الألماني في فبراير/شباط الماضي عن ألكسندر ديمينغ من صحيفة "هاندسبلات" الاقتصادية، في عددها الصادر في الخامس من ذلك الشهر، إن " صندوق الثروة السيادي السعودي يستثمر مليارات الدولارات في شركات ذات توجه مستقبلي، غير أنه يرتكب في ذلك كل الأخطاء التي يمكن ارتكابها".
وسبق أن ذكرت وكالة بلومبيرغ أن الصندوق السعودي باع معظم أسهمه في شركة "تسلا" الأميركية لصناعة السيارات الكهربائية، حيث أبقت الرياض على حوالي 39 ألف سهم فقط من أصل 8.2 ملايين سهم بنهاية عام 2019، لكن هذه الخطوة كانت أشبه بسكب المياه في الرمال، حيث قفز سعر سهم تسلا من 221 دولارا للسهم الواحد ليصل في ذروته إلى 887 دولارا بعد الخروج السعودي الكبير من الشركة، وهو ما يمثل خسارة للصندوق السعودي تقدر بالمليارات.
وأشارت الوكالة إلى أنه لو باع الصندوق السعودي أسهم تسلا في ذروة ارتفاعها في نهاية سبتمبر/ أيلول 2019، لبلغ الربح الإجمالي حوالي 6.5 مليارات دولار.