ربما ستتمكن شركات النفط العالمية من حصد سيولة نقدية قياسية خلال العام الجاري مستفيدة من التحسن الكبير في أسعار النفط، وخفض النفقات التشغيلية والتدابير التي اتخذتها خلال العام الماضي، وذلك حسب تحليل لشركة "وود ماكينزي" الأميركية.
وكانت شركات النفط العالمية الكبرى قد تكبدت خسائر ضخمة خلال العام الماضي خاصة في الربع الثاني من العام الماضي الذي شهد عمليات إغلاق الاقتصادات الكبرى وانهيار أسعار الخام بسبب جائحة كورونا.
وقال نائب رئيس شركة "وود ماكينزي"، توم إيلاكوت، في تحليل بهذا الشأن على موقع الشركة، "إن قطاع شركات النفط العالمية مرشح لانتعاش كبير في حجم التدفقات النقدية خلال العام الجاري، وربما تصل تدفقات " الكاش" إلى مستويات قياسية"، وذلك في أعقاب ظروف قاسية عاشتها خلال الثلاث سنوات الماضية، أجبرت شركات النفط العالمية الكبرى على اتخاذ خطوات صارمة في الإنفاق مكنها من التأقلم مع أسعار النفط المنخفضة، خاصة في أعقاب انهيار أسعار خام برنت في أبريل/ نيسان الماضي إلى 20 دولاراً، بينما انهارت أسعار الخام الأميركي في بعض اللحظات من شهر أبريل/ نيسان الماضي إلى أقل من الصفر، مما أجبر شركات النفط الصخري على دفع أموال لتجار ومصارف ووسطاء لتفريغ الشحنات بعد امتلاء مستودعات التخزين بمنطقة كاشينج بولاية أوكلاهوما.
وذكر مسؤول "وود ماكينزي"، إيلاكوت في تحليله، أن شركات النفط الكبرى تمكنت بسبب الظروف القاسية التي مرت بها خلال العام الماضي من خفض السعر المعادل لخام برنت الذي يمكنها من التشغيل بدون خسائر من 54 دولاراً للبرميل إلى 38 دولاراً. ويذكر أن جائحة كورونا ضربت الطلب العالمي على النفط خلال العام الماضي بقوة بينما لم تكن الشركات في وضع مالي جيد.
وحسب البحث التحليلي لـ" وود ماكينزي"فإن سبع شركات نفطية من بين 40 شركة نفط عالمية كبرى، باتت تستطيع تحقيق نتائج دون خسائر، حتى في حال تراجع أسعار خام برنت إلى 30 دولاراً خلال العام الجاري 2021.
وحتى الآن تشير دلائل نمو الاقتصاد العالمي، خاصة الاقتصادات الكبرى إلى استحالة تراجع أسعار النفط إلى أقل من 40 دولاراً تحت أسوأ الظروف بسبب التقدم الذي يحرزه التطعيم في الولايات المتحدة وأوروبا.
أسعار خام برنت تهاوت في أبريل/ نيسان إلى 20 دولاراً، بينما انهارت أسعار الخام الأميركي في بعض اللحظات من الشهر إلى أقل من الصفر
يذكر أن خسائر شركات النفط ارتفعت إلى مستويات قياسية خلال العام الماضي وبلغت أعلى مستوياتها في الربع الثالث من العام الماضي لترتفع في المتوسط إلى نسبة 44%.
وهذه تعد أعلى خسائر تتكبدها الشركات النفطية في تاريخها، وحدثت هذه الخسائر بسبب التخمة الضخمة في النفط المعروض في وقت أدت فيه جائحة كورونا إلى إغلاق النشاط الاقتصادي في كل من أوروبا والولايات المتحدة واليابان وجزئياً في الصين. وهذه الاقتصادات عادة، هي المحرك الرئيسي لاستهلاك المشتقات، وبالتالي تحريك الطلب العالمي على النفط.
وتراجعت أرباح الشركات الكبرى في أوروبا وأميركا بمعدلات أعلى من 70%، حيث خسرت شركة أكسون موبيل، كبرى شركات النفط الأميركية نحو 20 مليار دولار في العام الماضي، بينما خسرت شركة "بريتش بتروليوم ــ بي بي" 5.7 مليارات دولار.
وتراجعت أرباح شركة " كونكو فيليبس" خلال العام الماضي إلى 2.7 مليار دولار مقارنة مع 7.2 مليارات دولار خلال العام 2019. كما تراجعت أرباح شركة توتال الفرنسية بنسبة 66%، حيث بلغت أرباحها الصافية 4.06 مليارات دولار مقارنة بنحو 11.8 مليار دولار في العام 2019.
وكانت شركتا "بريتش بتروليوم " و"رويال داتش شل" قد خسرتا نحو 50 مليار دولار حينما انهارت الأسعار إلى 20 دولاراً للبرميل.
وتوقع تحليل " وود ماكينزي"، أن تواصل شركات النفط التخطيط والتحسب لاحتمالات تراجع الأسعار في المستقبل وإن كانت مستبعدة.
وقال التحليل إن من بين الأولويات التي وضعتها شركات النفطية العالمية في خططها المستقبلية، خفض الديون الصافية كما يخطط بعضها لبيع الأصول غير الأساسية في تحقيق الأرباح. كما تعمل الشركات كذلك على استعادة ثقة المستثمرين في أسهمها عبر اتخاذ تدابير استثمارية، على الرغم من التوقعات التي تشير إلى تواصل تحسن أسعار النفط خلال العام الجاري التي تجاوزت حتى الآن 65 دولاراً لعقود برنت المستقبلية في تعاملات بداية الأسبوع الحالي.
لكن التحليل يستبعد أن تزيد شركات النفط من استثماراتها في عمليات التطوير والاستكشاف خلال العام. وفي المقابل يرى الخبير إيلا كوت في تحليله، إن شركات النفط ستستغل التدفقات النقدية القياسية التي من المتوقع أن تحصل عليها في شراء أسهمها من أسواق المال، حيث باتت هذه الأسهم رخيصة بسبب الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها الصناعة النفطية وإفلاس شركات النفط الصغيرة في الولايات المتحدة والإجراءات الجديدة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن بحظر التنقيب في بعض المحميات الطبيعية والولايات الأميركية، وبالتالي بدلاً من دفع أرباح على الأسهم للمستثمرين، يرى محللون أن هذه الشركات ستعمل خلال الشهور المقبلة على شراء الأسهم ورفع جاذبيتها في السوق.
ينظر مستثمرون إلى أسهم القطاع النفطي بنظرة الأسهم الرخيصة التي يمكنهم تحقيق أرباح من الاستثمار فيها وسط التحسن في الطلب الذي تقوده الصين ودول آسيا
وكانت أسهم الشركات النفطية قد تحسنت خلال الشهر الماضي، إذ كسبت جميع أسهم الشركات النفطية المسجلة في بورصتي لندن ونيويورك. وحسب بيانات بورصة لندن، كسب سهم بريتش بتروليوم نحو 3.65 جنيهات إسترلينية في الشهر الماضي ليرتفع إلى 255.6 جنيها إسترلينيا، كما ارتفع سهم شركة سعر سهم رويال شل.
وفي أميركا ارتفعت أسعار أسهم معظم الشركات النفطية الكبرى. وينظر مستثمرون إلى أسهم القطاع النفطي بنظرة الأسهم الرخيصة التي يمكنهم تحقيق أرباح من الاستثمار فيها وسط التحسن في الطلب النفطي العالمي الذي تقوده الصين ودول آسيا.
ويذكر أن أسعار النفط ارتفعت بنسبة 20% منذ يناير/ كانون الثاني من العام الماضي. وسجلت أسعار النفط أعلى انتعاش في الشهر الماضي لتبلغ أعلى مستوياتها في 13 شهراً، حيث ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 1.67% إلى 62.53 دولارا للبرميل في التعاملات الصباحية بلندن، بينما كسب خام برنت لعقود مايو/ آيار أكثر من دولار مرتفعاً بنسبة 1.69 إلى 65.51 دولاراً، وذلك وفقاً للبيانات التي نشرتها وكالة بلومبيرغ الأميركية صباح أمس الإثنين.
وعادة ما تمنح العقود المستقبلية مؤشرات على مستقبل الأسعار. إذ إن المضاربات على الأسعار المستقبلية تأخذ في الاعتبار حسابات دقيقة لعوامل العرض والطلب.
وفي حال تمكن الولايات المتحدة من السيطرة على جائحة كورونا بنسبة كبيرة خلال الصيف المقبل، فإن بعض المحللين لا يستبعدون أن تقترب أسعار النفط من حاجز 70 دولارا للبرميل. ويساهم موسم الصيف عادة في ارتفاع الطلب على البنزين والجازولين بسبب الحركة السياحية.
وحتى الآن هنالك تفاؤل وسط بيوت الخبرة في الطاقة والمؤسسات الدولية إلى أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع مقارنة بما كان الحال عليه في العام الماضي. في هذا الشأن تقول وكالة الطاقة الدولية في تقريرها منتصف الشهر الماضي، إن الطلب العالمي على النفط سيرتفع إلى 96.6 مليون برميل يومياً خلال 2021، بعد أن سجل انكماشاً قياسياً بمقدار 8.8 ملايين برميل خلال العام 2020.
ورجح التقرير تباطؤ نمو الطلب العالمي على الخام هامشياً خلال الربع الأول من العام الجاري، بسبب إجراءات تقييد الحركة في أوروبا وبعض الولايات الأميركية. ولهذا السبب ذكرت الوكالة في تقريرها أنها خفضت توقعاتها لنمو الطلب بالربع الأول من العام الحالي بمقدار 600 ألف برميل إلى 94.1 مليون برميل يومياً.
لكن يرى محللون أن مواصلة منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وحلفائها ستلعب دوراً رئيسياً في امتصاص التخمة النفطية، وبالتالي تحسن الأسعار.