عاد مشهد طوابير السيارات أمام محطات الوقود إلى الواجهة في لبنان بعد قرار الشركات المستوردة للنفط التوقف عن الاستيراد وتسليم المحروقات ابتداءً من صباح اليوم الأربعاء، بسبب رفضها شملها بالضريبة الاستثنائية الواردة في موازنة العام 2024.
وسارع المواطنون في الصباح الباكر إلى محطات الوقود لتعبئة خزانات سياراتهم بالبنزين في ظلّ مخاوف من نفاد المادة أو إقفال المحطات أبوابها أو ترشيد التوزيع واستغلالهم من قبل التجار، خصوصاً أن شبح الأزمة لا يفارقهم، ولا سيما منذ اشتداد الأزمة الاقتصادية أواخر عام 2019.
وأكد عددٌ من أصحاب محطات الوقود، في شمال بيروت، لـ"العربي الجديد": "المادة متوافرة حتى الساعة، وهناك مخزون يكفي، وموزعو المحروقات أكدوا استمرارهم في توزيعها، لكن طبعاً كلّما طال قرار الشركات اقتربنا من أزمة حقيقية مع نفاد الكميات".
واعترضت الشركات المستوردة للنفط على الضريبة الاستثنائية الواردة في موازنة العام 2024 التي أقرّها مجلس النواب مساء الجمعة الماضي، والتي تشمل الشركات المستفيدة من سياسة الدعم، ومنصة صيرفة التابعة لمصرف لبنان المركزي، خلال الأزمة.
وأوضحت الشركات، في بيان لها أمس الثلاثاء، أنه مع بدء الأزمة المالية في لبنان نهاية عام 2019 وما تلاه من تعثر الدولة اللبنانية عن الإيفاء بالتزاماتها المالية، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، واستمرار وزارة الطاقة والمياه في إصدار جدول تركيب بيع المحروقات السائلة من المستهلك اللبناني، بتسعير ثمن مبيع المحروقات بالليرة اللبنانية من دون الاعتداد بسعر الصرف الفعلي، طلبت الشركات المستوردة من الوزارة تسعير مواد البنزين والديزل والغاز المنزلي "بوتان، بروبان" بالدولار بدل الليرة، لكي تتمكن من الاستمرار بالدفع للموردين الأجانب، وبالتالي الاستمرار في استيراد هذه المواد الحيوية وتأمينها بشكل منتظم للسوق المحلي.
وأضافت الشركات: "رفضت وزارة الطاقة هذا الطلب، وقرّرت الاستمرار بتسعير هذه المواد من المستهلك بالليرة اللبنانية حسب جدول تركيب الأسعار الرسمي، وطلبت الحكومة اللبنانية من مصرف لبنان تأمين الدولار للشركات المستوردة حسب سعر الصرف المعتمد في جدول تركيب الأسعار، ضمن آلية محددة، وذلك من أجل تخفيف عبء ارتفاع سعر صرف الدولار على المستهلك اللبناني".
وإذ ذكّرت الشركات في بيانها بآلية الدعم للمستهلك التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية بالتشاور والتنسيق مع مصرف لبنان، أكدت أن "المستفيد الحصري والوحيد من دعم مواد البنزين والديزل والغاز المنزلي "بوتان، بروبان" كان المستهلك اللبناني ولا طرف آخر سواه، مشيرة إلى أن الشركات المستوردة للنفط كانت تلعب فقط دور الوسيط بين الدولة اللبنانية والمستهلك لتنفيذ آلية الدعم التي اعتمدتها الحكومة ولم تستفد بتاتاً من الدعم.
وقالت إن "المستهلك يشتري المواد بالليرة اللبنانية، والشركات تودع المبالغ بالليرة اللبنانية لدى مصرف لبنان، والأخير يحوّل هذه المبالغ إلى الدولار الأميركي، بموجب سياسة الدعم، لكي تتمكّن الشركات من إعادة شراء المواد من الخارج، حيث لا يدخل أي دولار أميركي في حساب الشركات بالاستناد إلى آلية الدعم".
ولفتت إلى أن "لا زيادة على هامش الربح غير الصافي للشركات المستوردة، لكي يؤدي أو يبرر فرض الغرامة أو الضريبة ونسبتها المتداولة أو ضريبة أو غرامة استثنائية، وقد بقي الهامش ذاته قبل وأثناء الأزمة ولغاية تاريخه".
واعتبرت الشركات أن "إقرار ما يتم تداوله من فرض غرامة أو ضريبة استثنائية يؤدي إلى تدمير القطاع والإغلاق الحتمي، وهو في جميع الأحوال في غير محلّه الواقعي والقانوني والضرائبي والدستوري الصحيح، ويستحيل تنفيذه، وهو يخفي استملاكا مُقنّعا للشركات المستوردة، وذلك بإصدار تكاليف ضريبية بمبالغ خياليّة تفوق قيمة الشركات".
وتبعاً لذلك، أعلنت الشركات التوقف عن تسليم مواد البنزين والديزل والغاز اعتباراً من صباح اليوم، والتوقف لاحقاً عن الاستيراد عند نفاد المخزون، في حال عدم إيجاد حلول، وذلك كتدبير تحذيري حتى معالجة الأمر، مع إبدائها استعدادها حينها لفتح أبوابها وتأمين الكميات للسوق المحلي حتى خلال أيام الأحد.
في الإطار، استنكرت نقابة مالكي ومستثمري معامل تعبئة الغاز المنزلي في لبنان، القرار الذي صدر بتوقف تسليم مادة الغاز بسبب فرض غرامات على شركات الاستيراد.
وقالت: "بعد صدور إعلان شركات المستوردة التوقف القسري عن الاستيراد وتسليم مادة الغاز، إننا كنقابة نستهجن ونستنكر هذه الإجراءات التي صدرت من قبل مسؤولين وممثلين عن الشعب بإلزام الشركات بغرامات عن سنين مضت منذ أوقات دعم المحروقات من قبل مصرف لبنان، والذي كان يفرض على الشركات المستوردة أن تبيع حسب الدعم وحسب جدول تركيب الأسعار الصادر عن وزارة الطاقة. ونحن كشركات غاز كانت تقنن علينا الكميات حسب أوامر مصرف لبنان من قبل شركات المستوردة، وكنا نبيع حسب جدول تركيب الأسعار المدعوم على سعر 1500 ليرة، ومصاريفنا كانت تُدفع ونشتريها على سعر السوق السوداء".
وأضافت: "كانت خسائرنا كبيرة من فرق العملة والتسعيرة، ولم يكن يسمح مصرف لبنان بالاستيراد الحر والتسعير بالدولار، إلّا من خلال إجراءاته. وفي ظل هذه الظروف السيئة على هذا البلد وخوفنا من أحداث تجر البلد إلى حرب وتسكير البحر، نُفاجأ بأن التسكير سيكون سببه مسؤولين ليس أمامهم سوى شركات الاستيراد التي لم تقطع البلد من حاجاتها في أسوأ الظروف. ونحن في ظل طقس الشتاء والطلب على الغاز للتدفئة والمستشفيات والمؤسسات كلها تحت رحمة قرارات عشوائية".
وطالبت النقابة بـ"إعادة النظر بهذا الموضوع حتى لا تتوقف الشركات المستوردة عن تأمين البلاد وافتعال أزمة بغنى عنها".
من جانبها، أهابت نقابة المستشفيات بالشركات المستوردة للنفط استثناء المستشفيات من قرارها والعودة إلى تسليمها حاجتها فوراً وذلك حفاظاً على حياة المرضى.
وأقرّ البرلمان اللبناني، يوم الجمعة الماضي، موازنة العام 2024 التي أتت خالية من المواد الإصلاحية والإجراءات اللاجمة للتهرب الضريبي، ومليئة بالمخالفات الدستورية والقانونية، بينما ترمي العبء الضريبي الأكبر على الفئات الأكثر ضعفاً، وفقراً، والموظفين، مع مضاعفة ضريبة الدخل على رواتبهم وأجورهم بنحو 60 ضعفاً، مقابل حرمانهم من أي تقديمات اجتماعية أو تعويضات نهاية خدمة عادلة.