الشركات العقارية في دبي تهوي إلى القاع بعد صعود قمة الناطحات

07 أكتوبر 2020
مؤسسات دولية ترجح استمرار الركود العقاري في دبي لسنوات (Getty)
+ الخط -

ذات يوم كانت أسهم العقارات في دبي كالنجوم بالنسبة للمستثمرين، الذين راهنوا على اقتصاد الإمارة المزدهر، لكن الأمر تبدل بعدما سقط المطورون العقاريون الكبار من قمة ناطحات السحاب إلى قاع سحيق في ظل تخمة المعروض من المنازل بسبب الانكماش الاقتصادي الناجم عن تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد وأزمة الديون والتوترات السياسية في منطقة الخليج.

فقد هوت أسهم شركة إعمار العقارية، المطور لبرج خليفة، أطول برج في العالم، بنسبة 80% تقريباً عن ذروتها عام 2014، عندما كان متوسط ​​أسعار العقارات في الإمارة أعلى بنحو 30% من المستويات الحالية، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، اليوم الأربعاء.

كما سجلت شركة داماك العقارية المنافسة في دبي، انخفاضاً مماثلاً منذ ارتفاعها في 2017، بينما اللاعب الأصغر وهو شركة الاتحاد العقارية، التي تجري محادثات لإعادة هيكلة ديونها، يتم تداولها بأقل من 90% من مستويات عام 2005.

حتى غالبية توصيات الشراء من المحللين، بفضل تدني قيمة الأسهم وتوقعات الدعم الحكومي للشركات العقارية، لا تكفي لتحفيز التغيير في معنويات المستثمرين، لا سيما في ظل تخمة المعروض من العقارات التي أنشأتها الشركات، بينما يزداد الأمر سوءاً بسبب رحيل الكثير من العمال الأجانب الذين يمثلون معظم سكان الإمارة في ظل الانكماش الاقتصادي وتداعيات كورونا.

أرابتك القابضة تعلن حل الشركة والتقدم بطلب لإشهار الإفلاس والتصفية بعد خسائر فادحة خلال النصف الأول من العام الجاري بقيمة 216.3 مليون دولار. 

وقالت إيكاترينا إليوشينكو، وهي مديرة محفظة مالية في صندوق استثمار في فرانكفورت: "نظرت إلى العقارات في دبي عدة مرات في الماضي، لكن الصورة لم تتغير في كل مرة بسبب المشكلات نفسها، فلا تزال مستويات المخزون الضخمة غير مباعة" .

وعمق إعلان شركة أرابتك القابضة، أكبر شركة مقاولات في دبي، يوم الأربعاء الماضي، حل الشركة والتقدم بطلب للمحكمة المختصة لإعلان الإفلاس والتصفية، مخاوف المستثمرين حيال أسهم شركات العقارات في الإمارة المثقلة بالديون والتي تئن بسبب تداعيات الركود.

وسجلت أرابتك خسائر بقيمة 794 مليون درهم (216.3 مليون دولار)، خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، 2020، ليقفز إجمالي خسائرها المتراكمة إلى 1.45 مليار درهم، ما يشكل 97.2% من رأسمالها البالغ 1.5 مليار درهم.

وقالت الشركة التي ساعدت في بناء برج خليفة، في بيان لسوق دبي المالي، إنّ الأسباب الرئيسية التي أدت إلى بلوغ هذه الخسائر المتراكمة هي محدودية السيولة في قطاع العقارات والإنشاءات، الأمر الذي أدى إلى حالات تأخير في العديد من المشاريع، وبالتالي تكبد تكاليف إضافية متصلة بالتأخير.

وأشارت إلى أن تباطؤ القطاعات العقارية أدى إلى محدودية الفوز بمشاريع جديدة في عام 2020، وحالات تأخير في التسويات واسترداد المستحقات والمطالبات، ما أدى إلى انخفاض التدفقات النقدية.

وأضافت أنّ حالات التأخير الكبيرة والزيادة في الكلفة المتوقعة لبعض المشاريع الرئيسية أدت إلى تكبد خسائر إضافية في النصف الأول من 2020.

وكتبت سارة بطرس، المحللة في صندوق الاستثمار "سي آي كابيتال"، في مذكرة، إن زوال أرابتك يبعث بإشارة تنذر بالخطر بشأن آفاق قطاع البناء في الإمارات العربية المتحدة، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ.

وتزداد أزمة شركات العقارات عمقاً بالآفاق القاتمة لاقتصاد دبي بشمل خاص ومنطقة الخليج بشكل عام، التي تعاني من تراجع حاد في عائدات النفط التي لطالما ظلت لسنوات طويلة ماضية المحرك الرئيسي لمختلف الأنشطة الاقتصادية، عبر الإنفاق الحكومي الكبير.

وقالت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية، أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، إن اقتصاد دبي قد ينكمش "بشكل حاد" بنحو 11% في عام 2020، في ظل تضرره من انحسار السياحة والطيران بسبب جائحة كورونا.

وأشارت وكالة التصنيف العالمية إلى أن من المتوقع أن تستمر الأضرار حتى عام 2023 حتى يتعافى الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات عام 2019.

وتضيف التوترات الجيوسياسية عاملا آخر في قائمة مخاوف المستثمرين من العودة إلى أسهم العقارات، وفقا  لما قاله هارشجيت أوزا، رئيس الأبحاث في شركة شعاع للأوراق المالية ومقرها أبوظبي.

فقد تم بيع أسهم إعمار وأسهم أخرى في القطاع العقاري بكثافة في أوقات التوترات المتزايدة في المنطقة، مثلما حصل عندما تعرضت ناقلات النفط للهجوم في خليج عُمان العام الماضي.

وقال أوزا عبر الهاتف: "لا أعتقد أن شهية المستثمرين ستعود قبل تعافي أسعار النفط وتحول الوضع الجيوسياسي.. يبتعد المستثمرون عن شراء الأسهم الأكثر خطورة، خاصة تلك الشركات التي ليست لديها ميزانية عمومية جيدة أو لا تدفع أرباحاً".

وقالت إعمار، في مارس/ آذار الماضي، إنها لن توزع مدفوعات للمساهمين عن نتائجها لعام 2019. كما تخلت داماك عن توزيعات أرباحها لعام 2019، بعدما سجلت أول خسارة سنوية في تسع سنوات.

وانخفض مؤشر سوق دبي المالي للعقارات والإنشاءات بنسبة 28%، مقارنة بانخفاض 20% لمؤشر دبي الرئيسي. وقال أوزا : "لا نرى أي فرص للتعافي الفوري لتلك الشركات ما لم تبدأ في الإبلاغ عن أرقام جيدة".

ووفق بيانات الإفصاح المرسلة لسوق دبي المالي خلال الأسابيع الماضية، أعلنت شركة الاتحاد العقارية عن تكبدها خسائر بقيمة 160.4 مليون درهم (43.7 مليون دولار)، بنهاية النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بخسائر قدرها 82.3 مليون درهم خلال الفترة نفسها من 2019، بزيادة بلغت نسبتها 95%.

وتحولت نتائج شركة داماك للخسائر في النصف الأول أيضا بقيمة 386.7 مليون درهم، مُقابل أرباح بقيمة 81.6 مليون درهم في النصف الأول من 2019. ولا تلوح في الأفق بعد خطوات عملية لإقالة شركات العقارات من عثرتها، لا سيما في ظل معاناة حكومة دبي وكذلك الحكومة الاتحادية من تراجع الموارد المالية.    

وفي يونيو/حزيران الماضي، كشفت مصادر لوكالة بلومبيرغ عن أن شركة مبادلة للاستثمار، وهي صندوق استثمار تابع لحكومة أبوظبي، تدرس بيع مركز تجاري وأصول عقارية أخرى، في الوقت الذي تواجه فيه الإمارة ضغوطاً مالية متزايدة جراء تراجع عائدات النفط والأضرار الناجمة عن تفشي كورونا.

وكانت "مبادلة" قد بدأت، في مايو/ أيار الماضي، محادثات مع بنوك بخصوص إصدار سندات دولارية (أدوات دين) للحصول على سيولة مالية، وسط انخفاض أسعار النفط لمستوى تاريخي وتفشي فيروس كورونا.

واستنزفت الإمارات جزءاً مهماً من سيولتها المالية خلال السنوات الأخيرة على التسلح، وفق بيانات صادرة عن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، في وقت سابق من الشهر الجاري، لتتأثر السيولة المالية بشدة مع وقوع جائحة كورونا التي أضرت بنحو بالغ، إلى جانب النفط، بقطاعات حيوية مثل السياحة والعقارات.

وبلغت واردات الإمارات من السلاح رسمياً 4.98 مليارات دولار آخر خمس سنوات، أي منذ 2015 وحتى 2019، بالتزامن مع دخولها حرباً في اليمن ضمن تحالف دولي. ولا تشمل تلك البيانات أي نفقات إضافية على قواتها العسكرية أو تمويل أي توترات، سواء في ليبيا أو اليمن.

كما دخلت الإمارات في شراكات واسعة مع كيانات إسرائيلية بعد اتفاق التطبيع الذي تم توقيعه في 15 سبتمبر/أيلول الماضي في واشنطن برعاية أميركية، بينما حذر محللون من تدفق رؤوس أموال إماراتية وخليجية في هذه الحقبة إلى إسرائيل، ما يزيد من أزمة هروب رؤوس الأموال وتبعاتها على النمو المتراجع في منطقة الخليج.

المساهمون