الشركات الأوروبية تبحث عن مخرج للانفصال عن الصين

10 يونيو 2024
مصنع لإنتاج مكونات السيارات في مقاطعة آنهوي، شرقي الصين، 9 مارس 2021 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أوروبا تسعى لتقليل اعتمادها على الواردات الصينية، خاصة في قطاعات مثل السيارات الكهربائية، وذلك تحت ضغوط أمريكية لمواجهة السوق الصينية، مما يؤدي إلى توسيع التدقيق في السلع الصينية وإمكانية زيادة الرسوم الجمركية.
- الشركات الأوروبية تتجه نحو تنويع مصادرها والبحث عن أسواق بديلة مثل الهند لتقليل الاعتماد المفرط على البضائع الصينية في قطاعات غير غذائية، وسط مخاوف من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على الصين.
- تعقيد العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين يزداد، مع قلق الأوروبيين من السياسات الحمائية الأمريكية وضغوط لمواجهة الزحف السلعي الصيني، لكن هناك تحذيرات من أن جهود تقليل الاعتماد قد لا تؤثر كثيرًا على صادرات الصين.

تتزايد تحركات المستوردين في أوروبا نحو تقليل اعتمادهم على منتجات الصين، مع توسيع الاتحاد الأوروبي إجراءات التدقيق في السلع الواردة من العملاق الآسيوي، وذلك وسط تحركات أميركية لإقناع الأوروبيين بالاصطفاف في مواجهة أكبر سوق تصديرية في العالم.

وأطلق الاتحاد الأوروبي تحقيقات واسعة على مدار الأشهر الماضية في دعم الحكومة الصينية صناعاتها في العديد من القطاعات، لاسيما السيارات الكهربائية، التي من المتوقع أن تكشف المفوضية الأوروبية قريباً عن زيادة الرسوم الجمركية عليها. وقال ريتشارد لوب، الرئيس التنفيذي لشركة دراغون سورسينغ Dragon Sourcing ومقرها بلجيكا، إن "الاتجاه الكبير الآن هو أن تقلل الشركات من اعتمادها على الصين"، مشيرا إلى أن هذا الاتجاه آخذ في التزايد منذ أن أخذت الولايات المتحدة زمام المبادرة في فصل الدول الأوروبية عن الصين.

لكن على عكس الشركات الأميركية، التي سعت بقوة إلى الحصول على موردين جدد في أعقاب فرض واشنطن نظاما صارما من الرسوم الجمركية وغيرها من القيود منذ ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، يركز الأوروبيون على تقليل اعتمادهم في مجالات محددة؛ حيث يعتقدون أنهم أصبحوا يعتمدون بشكل مفرط على البضائع الصينية.

وقال لوب لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس الأحد، إن العملاء الأوروبيين يشعرون بقلق متزايد بشأن تعرّضهم للصين، خاصة أولئك الذين يعملون في صناعات التجزئة غير الغذائية، وهي فئة تشمل كل شيء من الملابس والأجهزة إلى الإلكترونيات وألعاب الأطفال. وفي ظل التدقيق الأوروبي في الاستيراد من الصين، بدأ العديد من المستوردين يشعرون بالمخاطرة في الشراء من العملاق الآسيوي. لذا، إذا كان فارق السعر ليس كبيراً أو متقارباً مع أسواق بديلة مثل الهند فإنهم يحولون وجهتهم إلى البدائل.

في الأثناء، تجري الولايات المتحدة تحركات لتوحيد صف الأوروبيين لمواجهة ممارسات الصين الاقتصادية. واستضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأميركي في باريس، يوم السبت الماضي، حيث ناقشا الخطوات التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة وأوروبا، لجعل اقتصاداتهما أكثر مرونة في مواجهة الواردات الصينية. وقال ماكرون للصحافيين: "لقد أعربنا عن نفس المخاوف بشأن ممارسات الصين المحتملة غير العادلة، والتي تؤدي إلى خلق طاقة فائضة، وهو موضوع له أهمية كبيرة للاقتصاد العالمي، لدرجة أننا نحتاج إلى التصرف بطريقة منسقة".

ولم يثر بايدن الموضوع خلال لقاء صحافي مع ماكرون، لكن أثناء حديثه في وقت سابق تحت مظلة في فناء قصر الإليزيه، قال بايدن للرئيس الفرنسي إنه يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا "التنسيق معاً" بشأن الاستثمارات المحلية. وسمع الصحافيون الرئيس الأميركي وهو يخبر ماكرون عن مناقشته الأخيرة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي اعترض على الرسوم الجمركية الأميركية على السيارات الكهربائية الصينية. وقال بايدن إنه دافع عن رسوم الاستيراد خلال محادثته مع شي، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية.

ورغم اتفاق الأوروبيين مع الأميركيين بشأن المخاوف من تضرر صناعاتهم من الزحف السلعي الصيني، إلا أن الدول الأوروبية تنظر بقلق أيضاً لسياسة الحمائية الأميركية المتنامية. فقد أثار قانون خفض التضخم الذي أقره بايدن غضب الزعماء الأوروبيين، بمن فيهم ماكرون، إذ باتوا يشعرون بالقلق من أن مليارات الدولارات من الإعانات التي خصصت لجعل قطاع الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة أكثر قدرة على المنافسة ضد الصين، يمكن أن تلحق الضرر بالشركات الأوروبية. ووصف بايدن هذا الإجراء بأنه أكبر استثمار أميركي على الإطلاق في مكافحة تغير المناخ.

ويبدو موقف أوروبا من الابتعاد عن الصين أكثر صعوبة، إذ حذر محللون من أن الضغط من أجل "التخلص من المخاطر" في ما يتعلق بالاعتماد المفرط على السلع الصينية، من غير المرجح أن يؤثر على إجمالي صادرات الصين بشدة، مشيرين إلى زيادة الشحنات إلى المصانع الصينية في مراكز التصنيع البديلة في الخارج، مثل فيتنام والمكسيك، وزيادة القدرة التنافسية للسلع المنتجة محلياً في دول أوروبية. وأضافوا أن جاذبية قاعدة الإنتاج الصينية ستؤدي أيضاً إلى تعقيد الجهود للعثور على موردين جدد. وكان فنسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة "ميرسك" للشحن، قال في منتدى اقتصادي في هونغ كونغ في إبريل الماضي: "حتى الآن نشهد المزيد من سيناريو الكراسي الموسيقية... أينما تذهب تجد البضائع الصينية، لكن إنتاجها ليس من نفس المكان الذي كان عليه من قبل".

وفي ظل سياسة الإنتاج في الحدائق الخلفية التي تنتهجها الصين وخلق أسواق بديلة لتصريف منتجاتها، لاسيما وسط القيود الأميركية المتسعة، يزداد قلق الأوروبيين من تزايد تدفق السلع على أسواقهم. وقال الباحث الاقتصادي في جامعة بريمن، دافيد رايشل، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه في ظل هذه الأجواء من المنطقي أن تقر المفوضية الأوروبية خلال الفترة المقبلة زيادة في الرسوم الجمركية على السياسات الكهربائية الصينية.

ويطبق الاتحاد الأوروبي حالياً تعريفات جمركية بنسبة 10% على جميع السيارات المستوردة، بينما يحتاج إلى رفعها إلى 50% لتحقيق تكافؤ الفرص، وفقًا لتقديرات المحللين في "روديوم غروب"، وهي شركة أبحاث في الولايات المتحدة. وتضاعفت الواردات الأوروبية من السيارات الكهربائية الصينية بين 2021 و2023 لتصل إلى أكثر من 430 ألف سيارة سنوياً، بقيمة 10 مليارات يورو، وفقاً لتقديرات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ومقره واشنطن.

في المقابل، فإن صادرات السيارات الكهربائية الأوروبية إلى الصين لا تكاد تذكر، وتخشى بروكسل من إغراق سوق الاتحاد الأوروبي، ما قد يؤدي إلى القضاء على صناعتها المحلية. وواجه الاتحاد الأوروبي في العام الماضي عجزاً تجارياً في السلع بما يقرب من 300 مليار يورو (324 مليار دولار) مع الصين.

المساهمون