السيول تجرف أرزاق السودانيين... خسائر للمزارعين والباحثين عن الذهب

السيول تجرف أرزاق السودانيين... خسائر فادحة للمزارعين والباحثين عن الذهب

24 اغسطس 2022
دمار مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وعشرات آلاف المنازل (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

ضربت السيول الجارفة التي أغرقت العديد من مناطق السودان مصادر رزق مئات آلاف الأسر، بعدما تسببت في خسائر فادحة لعشرات آلاف المزراعين والمنتجين والتجار، وطاولت أيضاً المنقبين الأفراد عن الذهب الذين يقدر عددهم بأكثر من مليوني شخص، ما ينذر بالمزيد من ندرة الغذاء وزيادة تدهور الأوضاع الاقتصادية في الدولة التي يعاني مواطنوها من ظروف معيشية قاسية.

وتسببت السيول في تلف المحاصيل الزراعية المختلفة في مساحات واسعة من البلاد، خصوصاً ولاية الجزيرة، الواقعة بين النيلين الأزرق والأبيض في المنطقة الشرقية الوسطى من البلاد، والتي تعد أكبر مصدر غذائي واقتصادي في السودان.

يقول حسن زروق، عضو اللجنة المفوضة لمزارعي القطاع المطري في السودان، إن غرق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية جراء السيول والفيضانات خلف أضراراً جسيمة للمزارعين، وسيؤثر بشكل مباشر على غذاء ومعيشة المواطنين وعلى اقتصاد البلاد.

ندرة في السلع الغذائية

يلفت زروق، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى غرق منطقة المناقل في ولاية الجزيرة بشكل كامل، وهي منطقة ذات إنتاجية عالية وتحتوي على مساحات واسعة من محاصيل الذرة والفول والقطن وغيرها، ما يؤدي لحدوث فجوة مستقبلاً وندرة في هذه المحاصيل والتي ترتبط مباشرة بغذاء المواطنين ويؤثر سلبا أيضاً على عائدات البلاد بالنقد الأجنبي جراء غرق محاصيل تصديرية رئيسية.

وينتقد زروق غياب التأمين الزراعي وإهمال القائمين على أمر الزراعة العمل بهذا النوع من التأمين كونه يحفظ للمزارعين حقوقهم ويعوضهم الخسائر والمخاطر الزراعية التي تنجم عن الكوارث والسيول والفيضانات.

في السياق، يقترح المدير السابق لإدارة الري في ولاية الجزيرة محمد عثمان العوض لجوء المزارعين المتضررين إلى خيار زراعة المحاصيل البديلة بعد انحسار السيول لتعويض الخسائر وسد الفجوة في الغذاء بسبب غرق المشاريع الزراعية.

بينما يؤكد القيادي الزراعي في منطقة المناقل عبد الباقي الريح أنّ الخسائر التي تعرض لها المزارعون كبيرة وطاولت حقول الفول والذرة والطماطم والبصل، إذ تعرضت للتدميرالكامل، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ حجم المساحة الزراعية في منطقة المناقل وحدها يصل إلى مليون ومائة ألف فدان (الفدان يعادل 4200 متر مربع)، وهي مساحة تتجاوز 50% من إجمالي مساحة ولاية الجزيرة.

كما تسببت السيول في تضرر صناعة الزيوت والدقيق وتعطل كافة الأنشطة التجارية، التي يجري الاعتماد فيها على المنتجين الزراعيين. ويدعو الريح إلى ضرورة قيام الحكومة الانتقالية بتعويض المزارعين المتضررين، متهما الحكومة بالإهمال في صيانة قنوات الري والمصارف ما تسبب في تفاقم آثار السيول.

تعثر مالي للمزارعين

ويحذر من تعرض عدد كبير من المزارعين في المناطق المنكوبة بالسيول للتعثر المالي، مشيرا إلى أن الكثير منهم حاصلون على قروض من البنوك وشركات التمويل فضلا عن أنّهم مدينون للتجار، ما يتطلب منحهم فترات سماح للسداد أو جدولة الديون المستحقة عليهم.

وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، جاءت السودان في المرتبة السابعة عالمياً كأكثر الدول تعرضاً لخطر انعدام الأمن الغذائي خلال العام الماضي، 2021.

وتأتي السيول لتضاعف معاناة القطاع الزراعي الذي يعيش بالأساس أزمات طاحنة تفاقم من مهددات النقص الحاد في الغذاء وزيادة عدد الجوعى، في ظلّ تزايد مشاكل انعدام التمويل وارتفاع كلفة الإنتاج وزيادة أسعار المحروقات. وينذر هذا الوضع، حسب مراقبين، بتراجع مساحات وإنتاج المحاصيل في الموسم الصيفي الحالي وانعدام مقومات التحضير للموسم الشتوي المقبل.

وتوقعت آخر تقارير صادرة عن برنامج ومنظمة الأغذية العالميين في الحادي والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي معاناة 18 مليوناً من جملة 40 مليون سوداني من الجوع بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد.

ورغم تراجع معدل التضخم السنوي في السودان إلى 148.88% في يونيو الماضي من 192.21% في مايو/ أيار، بحسب ما أعلن الجهاز المركزي للإحصاء أخيراً، إلّا أن التضخم في البلاد يبقى من أكبر معدلات التضخم على مستوى العالم، كما يشكك خبراء اقتصاد في شفافية البيانات الحكومية، خصوصاً في ظل مواصلة أسعار مختلف السلع ارتفاعها بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وتردي الوضع الاقتصادي في السودان.

وبات السودانيون بين مطرقة الصراعات السياسية وسندان تفاقم الأزمات المعيشية التي طاولت معظم البيوت. ويواجه المواطنون زيادة كبيرة في نسبة البطالة وانهياراً سريعاً في الخدمات، بما في ذلك إمدادات المياه والكهرباء، وسط تواصل الاضطرابات الأمنية والسياسية وتواصل الاحتجاجات ضد السلطة لعدة أسباب، أبرزها تدهور الأوضاع المعيشية.

التنقيب عن الذهب يتوقف

ولم تقتصر الأضرار على القطاع الزراعي والأنشطة الإنتاجية والتجارية المرتبطة به، وإنما طاولت قطاع التعدين، خاصة التنقيب عن الذهب، الذي يمثل أهمية كبيرة للعيش بالنسبة لعشرات آلاف الأشخاص وأيضاً مورداً مالياً حيوياً للدولة.

وتسببت السيول في شلل كبير في عملية إنتاج الذهب، خصوصاً في قطاع التعدين التقليدي بالولايات المنتجة، وأبرزها نهرالنيل، وفق رئيس تجمع الصاغة والمعدنيين عاطف أحمد، الذي يوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الإنتاج توقف تماماً، بينما كان قد تراجع بالأساس بفعل زيادة الرسوم الحكومية على الإنتاج خلال الفترة الماضية.

ويقول سيف قيلي، الذي يعمل في التنقيب عن الذهب في منطقة العبيدية بولاية نهر النيل، لـ"العربي الجديد"، إنّ السيول وارتفاع مستوى الأمطار هذا الموسم تسببا في توقف كامل الإنتاج بالآبار بنسبة 100% مقارنة بالمواسم السابقة والتي تراجع الإنتاج فيها بنسبة 25% فقط.

ويتوقع قبلي انعكاس هذا التوقف سلبا على الكمية المنتجة من ذهب التعدين الأهلي خلال الربع الحالي من العام. وينتج السودان ما بين 95 و100 طن من الذهب سنوياً يساهم التعدين التقليدي فيه بنسبة 80%، ويتجاوز عدد العاملين فيه مليوني شخص.

ويدرّ التنقيب عن الذهب عائدات مالية حيوية للأشخاص والدولة التي تعمل على تصديره. وتظهر البيانات الرسمية أنّ قيمة صادرات المعدن النفيس نمت بنسبة 39% في عام 2021، متجاوزة ملياري دولار، فبلغت كمية الذهب التي صدّرتها البلاد 36 طناً. وكانت هذه الكمية في عام 2020 قد بلغت 25.2 طنا، بقيمة 1.48 مليار دولار. وبلغ احتياطي الذهب في السودان طبقاً لتصريحات سابقة لوزارة المعادن 1550 طناً.

المساهمون