قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، إنّ "القيمة الاستثمارية لمشروعات البنى التحتية في محافظات الصعيد بلغت تريليون جنيه (63.5 مليار دولار تقريباً) في المتوسط خلال السنوات الـ7 الماضية، مقابل نحو 900 مليار جنيه على مدى 30 عاماً قبل توليه مسؤولية الحكم في عام 2014، بمتوسط بلغ 30 مليار جنيه في العام"، مستطرداً "ما تفعله الدولة لصالح الأهالي في الصعيد هو محاولة لتعويض ما فات، وليس الإساءة أبداً لأي شخص كان مسؤولاً في الماضي".
وأضاف السيسي، خلال افتتاحه مشروع لإنتاج البنزين في محافظة أسيوط، جنوبي البلاد، أنّ "تحسين أحوال المصريين لا يمثل تحدياً للحكومة فقط، ولكن لكل عناصر الدولة، بما فيها منظمات المجتمع المدني، والمواطنون أنفسهم"، مستدركاً "حين زوت محافظة أسوان بعد أزمة السيول الأخيرة، التقيت سيدة قالت إنها لا تستطيع العيش لأن لديها 6 أولاد، فقلت لها إن الإنفاق يكون كبيراً على 6 أولاد، ومن الصعب جداً تلبية احتياجاتهم".
وتابع: "الموضوع لا ينفصل عن بعضه، وزيادة الأحوزة العمرانية لاحتواء الزيادة السكانية، سواء في مناطق الصعيد أو الريف (الدلتا)، يحتاج إلى توفير فرص العمل، وإلا ستكون مشروعات للسكن فقط"، مستكملاً "تحويل الأراضي من الزراعة إلى السكن يفقدها فرص العمل في مجال الزراعة، وأيضاً في الصناعات القائمة عليها لتعظيم القيمة المضافة، ولذلك يجب رفع الوعي والثقافة بشأن خطورة البناء على الأراضي الزراعية".
وزاد السيسي: "على مدار 60 أو 70 عاماً كان يتم البناء على الأراضي الزراعية رغم محدوديتها، الأمر الذي أدى إلى تقليص الرقعة الزراعية في مصر، رغم أن محافظات الصعيد مثلاً لديها أراض صحراوية ممتدة تسمح بالبناء عليها، وبالتالي الاحتفاظ بأراضيها الزراعية"، من دون الإشارة إلى عدم توفير حكومته للخدمات الأساسية في المناطق الزراعية حتى توفرها للصحراوية.
وعلق مسؤول مالي سابق، متحدثاً "للعربي الجديد"، على حديث السيسي، فرآه مغلوطاً بشأن الموارد المالية التي خصصتها الدولة لصالح تنمية الصعيد، بوصفه تجاهل تداعيات قرار تحرير سعر الصرف في عام 2016، وما نتج عنه من فقدان العملة المحلية (الجنيه) قرابة 70% من قيمتها، أي أن المخصصات التي يقول إنها أنفقت على الصعيد ليست بالضخمة، لا سيما أن أغلبها يتعلق بإنشاء الطرق والمحاور الجديدة، وليس تدشين مشروعات خدمية تهدف إلى تحسين جودة الحياة في الصعيد الذي طالما عانى من التهميش.
النمو السكاني الكبير
وواصل السيسي في كلمته: "أقول لأهلنا في مناطق الدلتا التي تمر بها مياه النيل، إنّ الدولة لا تتكلف الكثير حين تنقل المياه إلى الأراضي الزراعية فيها، ولكن التكلفة تكون في نقل المياه إلى مسافات كبيرة تصل إلى 70 أو 80 كيلومتراً، فهذا الأمر يكلف خزانة الدولة مليارات الجنيهات، ويحتاج إلى تجمعات عمرانية بكل ما تعنيه من بنية أساسية تشمل إنشاء الطرق ومحطات الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي".
وأضاف: "تكلفة استصلاح الفدان للزراعة تتراوح بين 250 و300 ألف جنيه، نظراً لما يحتاجه من أسمدة وخلافه، أي أن استصلاح مليون فدان يصل إلى 300 مليار جنيه، علماً أن الاستصلاح في الأراضي الصحراوية لا يكون بجودة الأراضي الزراعية الموجودة منذ مئات السنين"، متابعاً "ما يُهدر من الأراضي الزراعية لا يمكن تعويضه في أماكن أخرى، والمشكلة الحقيقية تتمثل في النمو السكاني الكبير، وغير المخطط له، وهو ما يجب أن تعمل الدولة على مواجهته".
إلغاء بطاقات التموين
وقال السيسي: "الدولة لن تمنح أي شخص يتزوج بطاقة تموينية، لأنه من غير المعقول أن المواطن يستطيع توفير نفقات الزواج، ويحتاج إلى دعم في ما يخص السلع التموينية"، مضيفاً "أنت مش قادر تصرف إزاي؟ ورايح تتجوز وتخلف؟ دي ثقافة اتشكلت في وجدان الناس، ومش موجودة غير في بلدنا بس، وهي شراء السلعة بأقل من ثمنها، وتحميل الحكومة مسؤولية الأطفال التي ينجبها من تعليم وصحة وخلافه"، على حد تعبيره.
وختم قائلاً: "الحكومة تبذل جهوداً كبيرة في العمل لصالح المواطن، وحين يجلسون معي لا يعجبهم حديثي على الإطلاق، بل ويستغربون منه، لأنني أنظر دائماً إلى الشيء الناقص، ولا أفرح إلا بانتهاء كل العمل المطلوب. وسأرضى عن كل ما يحدث داخل الدولة عندما يصل دخل المواطن إلى 10 و20 ألف جنيه في الشهر".
وكان السيسي قد وقع على النسخة الأولى من كتاب "الرؤية والانجاز"، الذي يهدف إلى توثيق مشروعات الدولة خلال فترة حكمه. وقال رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، إن "افتتاح المشروعات فرصة مناسبة لإطلاق كتاب مهم جداً، كان قد وجه به رئيس الجمهورية لتوثيق ما تم إنجازه في الفترة الماضية من مشروعات قومية في جميع القطاعات الهامة"، حسب زعمه.
تهجير في أسيوط
ويتزامن حديث السيسي عن تنمية الصعيد مع عمليات تهجير واسعة تجريها حكومته للأهالي في قرية "بني شقير" التابعة لمركز منفلوط بمحافظة أسيوط، بدعوى إنشاء محور (جسر) منفلوط الجديد بتكلفة تتجاوز ملياري جنيه (ما يعادل 127 مليار دولار)، من دون منحهم تعويضات مالية نظير تركهم منازلهم التي يقطنون فيها منذ عشرات السنين.
وحسب خبراء اقتصاد، فإن نصف عدد السكان في مصر تقريباً يقبعون تحت خط الفقر، نتيجة سياسات السيسي الاقتصادية، الذي لم يضع محدودي الدخل ضمن أولوياته، ورضخ إلى تعليمات صندوق النقد بشأن تقليص الدعم، وتحرير أسعار الوقود والكهرباء نهائياً، وخفض أعداد الموظفين الحكوميين، ما أدى إلى إنتاج مزيد من الفقراء. وفي المقابل، اتجه نحو مشروعات عملاقة ليس لها أي مردود على المواطن، مثل مشروعات العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة وغيرها.