السياحة الدينية في سورية.. مصدر دخل للنظام أم ذريعة هيمنة لطهران؟

11 اغسطس 2024
تجمع لإحياء ذكرى عاشوراء خلال شهر محرم في حلب، 29 يوليو 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **ازدهار السياحة الدينية في سورية:** منطقة "الست زينب" جنوب دمشق تشهد ازدهاراً في السياحة الدينية، مع افتتاح فنادق جديدة وزيادة تدفق الزوار العراقيين بعد إلغاء تأشيرة الدخول لهم.

- **التأثير الاقتصادي والسياسي:** السياحة الدينية تُستخدم كغطاء لتوريد المسلحين من إيران وتصدير الفكر الديني الإيراني، مما يعزز نفوذ طهران في سورية ويدعم النظام السوري.

- **استراتيجية إيران والنظام السوري:** السياحة الدينية الشيعية تُعتبر جزءاً من استراتيجية إيران لتعزيز نفوذها في سورية، وتوفر للنظام السوري مصدراً للعملة الصعبة رغم التحديات الأمنية.

تزدهر في سورية السياحة الدينية وتشكل مصدر دخل مهماً بالنسبة لنظام بشار الأسد، لكن هل هي مجرد دخل رافد خزانتَه أم باب من أبواب الهيمنة الإيرانية أيضاً؟ فقد افتتح وزير السياحة في حكومة النظام السوري محمد رامي مرتيني فندقاً جديداً في بلدة "الست زينب" جنوب العاصمة السورية دمشق، يُضاف إلى عشرات الفنادق والمنشآت الإيرانية في هذه البلدة التي تعد منطقة نفوذ لطهران التي تروّج لمقامات دينية وهمية في سورية لغايات سياسية.

ونقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن مرتيني قوله إن هناك شبكة من الفنادق في منطقة "الست زينب تصل إلى 100 فندق". وقال مرتيني إن للمنطقة أهمية "ثقافية ودينية"، واصفاً القدوم من العراق إلى سورية بـ"الجيد". وكان النظام السوري ألغى أواخر العام الفائت تأشيرة الدخول أو الموافقة الأمنية عن العراقيين الراغبين في زيارة سورية، بحيث باتوا قادرين على الحصول عليها من كل المنافذ الحدودية البرية والجوية.

وفي مارس/آذار الفائت، أعلن القائم بأعمال السفارة العراقية في دمشق ياسين شريف الحجيمي عن تخفيض رسوم التأشيرة (الفيزا) للعراقيين القادمين إلى سورية لغرض السياحة أو الزيارة الدينية والعلاجية من 80 إلى 50 دولاراً، مع إقامة لمدة شهر.

وقال إن عدد العراقيين القادمين إلى الأراضي السورية خلال العام الماضي 2023 بلغ 278 ألفاً و798 شخصاً. ولكن طبيعة الزائرين العراقيين والإيرانيين الى سورية تثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لقدوم هؤلاء إلى بلاد تعاني أزمات اقتصادية ومعيشية وترهل كبير في البنى السياحية، لا سيما أن طهران تضع يدها على المقامات الدينية ذات الطابع الشيعي، بل إنها خلقت مقامات تُوصف بـ"الوهمية" في سياق محاولات لنشر التشيع في البلاد. وتروّج طهران لهذه المقامات وخاصة في دمشق وريفها وفي حلب شمالي البلاد وفي دير الزور شرقاً، وهي مناطق نفوذها في سورية وتنشر فيها عشرات الميلشيات الطائفية.

وبيّن الباحث الاقتصادي خالد تركاوي لـ"العربي الجديد" أنه "لم تكن هناك سياحة دينية في سورية بالشكل المتعارف عليه قبل اندلاع الثورة ضد النظام في ربيع عام 2011"، مستدركاً بالقول: كان بعض المسيحيين والمسلمين يزورون مناطق ذات طابع ديني لأغراض دينية وثقافية فقط. وتابع: بعد الثورة، درجت فكرة السياحة الدينية غطاء لتوريد المسلحين من إيران لتشكيل مليشيات طائفية تساند قوات النظام لوأد الثورة، وقد أُسر ضباط إيرانيون في أكثر من منطقة في سورية قالوا إنهم سيّاح. ويعتقد تركاوي أن السياحة الدينية اليوم في سورية يقوم بها أصحاب المكاتب التجارية كونها تلقى تشجيعاً من الحكومتين الإيرانية والعراقية، مضيفاً أن "ما يجري جزء من محاولات تصدير الفكر الديني الإيراني إلى سورية والترويج لفكرة أن هناك مقامات دينية مهمة يجب الدفاع عنها".

وفي السياق، أوضح المحلل الاقتصادي ياسر الحسين في حديث مع "العربي الجديد" أن سورية "كانت قبل عام 2011 وجهة رئيسية للسياحة المسيحية بسبب وجود مواقع مقدسة وتاريخية، مثل كنيسة مار إلياس في دمشق ودير مار موسى الحبشي قرب النبك، والعديد من الكنائس القديمة في معلولا وصيدنايا". وتابع أن الزوار كانوا يأتون من مختلف أنحاء العالم لزيارة هذه المواقع الدينية، ما أسهم في تعزيز الاقتصاد السوري من خلال الإنفاق على الإقامة والخدمات السياحية.

وأشار إلى أن السياحة الدينية تأثرت خلال سنوات الأزمة بشكل كبير "بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والنزوح الكبير للمجتمعات المسيحية من سورية"، مضيفاً: "على الرغم من ذلك، كانت هناك محاولات للحفاظ على بعض النشاط السياحي في المناطق التي ظلت تحت سيطرة النظام وفيها استقرار نسبي". كما بيّن الحسين أن "السياحة الدينية الشيعية قبل الثورة، وخاصة من إيران والعراق ولبنان، كانت تشكل جزءاً مهماً من القطاع السياحي في سورية".

وأضاف أن "زيارة مقامات مثل مقام السيدة زينب ومقام السيدة رقية في دمشق كانت تحظى بشعبية كبيرة. وبيّن أن "سورية كانت تستفيد من تدفق السياح الشيعة الذين كانوا يشكلون مصدر دخل كبيراً للبلاد من خلال إنفاقهم على الفنادق والمطاعم والتبرعات الدينية"، مشيراً إلى أنه "رغم تدهور الأوضاع الأمنية، فإن السياحة الدينية الشيعية حافظت على نشاطها نسبياً، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري الذي استفاد من التحالف مع إيران لتعزيز هذا النوع من السياحة".

ولفت إلى أن إيران دعمت هذا القطاع باعتباره جزءاً من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها في سورية، ووُفِّرت تسهيلات للسياح الشيعة بما في ذلك توفير الأمن والخدمات. وأوضح أن النظام استفاد من السياحة الدينية الشيعية خلال سنوات الأزمة، فهي "مصدر مهم للعملة الصعبة التي يحتاجها بشدة".

وأشار إلى أن الإحصاءات الموثوقة حول هذا الموضوع قليلة ومحدودة بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية. ومع ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن حكومة النظام تواصل التركيز على تعزيز السياحة الشيعية بوصفها جزءاً من استراتيجيتها الاقتصادية، على الرغم من التحديات.

المساهمون