السوق الموازية للعملات الأجنبية بالجزائر شاهد على معاناة البلاد الاقتصادية

16 فبراير 2024
عدوى سوق العملة الموازية تنتقل إلى الجزائر (فرانس برس)
+ الخط -

في ساحة قريبة من وسط الجزائر العاصمة، يحمل تجار العملات كميات كبيرة من اليورو والجنيه الإسترليني والدولار، على أمل استبدالها من جانب مواطنين أصابهم القلق من انخفاض قيمة الدينار الجزائري.

هذه السوق السوداء للعملات الأجنبية هي من بين شواهد المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر، التي أثبتت، وهي الدولة المترددة في السماح بسعر صرف حر للعملات، أنها غير قادرة على خفض طلب مواطنيها على هذه العملات، حيث لا تزال الثقة في الدينار المحلي منخفضة.

ويسلّط اتساع الفارق بين السعر الرسمي للعملات وسعر الصرف الموازي الضوء على مدى تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، ومساعي الحكومة لمكافحة التضخم، والحفاظ على الإنفاق الحكومي، والدعم، وضبط الأسعار.

وفي الدولة الغنية بالنفط الواقعة في شمال أفريقيا، يشاع أن كبار رجال الأعمال يتخلصون من أصولهم ويجمعون اليورو من السوق السوداء حتى تنمو ثرواتهم. كذلك يعتمد أفراد الطبقة المتوسطة على اليورو والدولار لشراء السلع التي تشهد نقصاً، مثل الأدوية، أو قطع غيار السيارات، أو بعض الأطعمة.

والأسبوع الماضي، كان سعر الصرف الرسمي يورو واحد مقابل 145 ديناراً جزائرياً، بينما كان تجار العملة يبيعون في اليوم نفسه اليورو الواحد مقابل حوالي 241 ديناراً في السوق السوداء، أي إن التفاوت بين السعرين بلغت نسبته 66%.

وقال رابح بلمان، وهو معلم متقاعد (72 عاماً)، لـ"أسوشييتد برس" إن السعر الرسمي محض وهم، وإن القدرة الشرائية لمعاشه التقاعدي تراجعت، سواء بالدينار أو اليورو.

وأضاف: "القيمة الحقيقية للدينار موجودة في السوق الموازية، وليس في البنك الذي يستخدم سعراً مصطنعاً للكذب على الجمهور".

ويعرف عن الجزائر منذ زمن طويل أنها من بين أكثر الاقتصادات انغلاقاً في المنطقة، حيث تحد بشدة من العملات الأجنبية التي يمكن لمواطنيها الحصول عليها للقيام بالحج أو العمرة، أو للقيام بزيارات عائلية في الشتات الجزائري الكبير في أوروبا.

وتقدر الحكومة حجم تداول العملات الأجنبية في السوق السوداء للبلاد بنحو 7 مليارات دولار.

ومن لبنان إلى نيجيريا، يحذر الخبراء من أن وجود سعري صرف متوازيين يشوه اقتصاد أي دولة، وينفر الاستثمار، ويشجع الفساد.

وكانت الجزائر مترددة على مدار تاريخها في خفض القيمة الرسمية للدينار، خشية أن يؤدي خفض قيمة العملة إلى ارتفاع الأسعار وإثارة غضب السكان.

ويدرك المتداولون جيداً أن الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق السوداء يمكن أن تضيق أو تتسع. ويتوقع هؤلاء أن يزداد هذا التأرجح مع اقتراب شهر رمضان.

وقال تاجر العملات نور الدين سعداوي، لـ"أسوشييتد برس": "في الأيام الأخيرة، كان هناك نقص في المعروض من اليورو، وهو ما يفسر ارتفاع سعره".

قد يزيد هذا النقص من صعوبة شراء الجزائريين عدداً من السلع. لكن البعض في الحكومة يعتقد أن هذا يعكس نجاح قيود الاستيراد والقوانين التي تحد من مبالغ اليورو الواردة إلى البلاد.

وقال هشام صفر، رئيس اللجنة المالية في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأدنى) بالبرلمان الجزائري، الأسبوع الماضي إنه "يرحب" بمثل هذه المخاوف، مضيفاً أن الفجوة المتزايدة بين أسعار السوق الرسمية والسوق السوداء تعني دخول مبالغ أقل من اليورو إلى البلاد، وهو المطلوب.

وقال لقناة الشروق التلفزيونية: "لم تعد هناك زيادة في الرسوم على الواردات"، مشيراً إلى الجهود التي يبذلها موظفو الجمارك لتحسين تنظيم الواردات، من خلال بنك الجزائر، وتقليل استخدام العملات الأجنبية.

وعلى مدار عقود، سمحت الإيرادات الثابتة من النفط والغاز للجزائر باستيراد كل شيء من أعواد الأسنان إلى الآلات الصناعية. وركزت سوق الاستيراد الكبيرة في البلاد القوة الاقتصادية في أيدي مجموعة صغيرة من رجال الأعمال المعروفين بالمبالغة في فواتير العملاء وإخفاء ثرواتهم في الخارج، سواء في بنوك أوروبا أو الإمارات.

ومنذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون السلطة، استهدفت البلاد ما يسمى بـ "الأوليغاركية"، ومنها الشركات النشطة في مجال الواردات. وخلال فترة ولايته، تأرجحت أسعار السلع الأساسية بالدينار الجزائري، وتقلصت الواردات بشكل أكبر.

وبرزت الجزائر كمستفيد غير متوقع من الحرب في أوكرانيا، مع ارتفاع أسعار الطاقة وبحث أوروبا عن موردين غير روسيا للنفط والغاز. لكن البلاد شهدت أزمات غذائية وغضباً متصاعداً، مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية، كالدجاج وزيت الطهي والبقوليات.

وقال الخبير الاقتصادي، كريم علام، إن قوة اليورو أضرت بالجزائر، إذ قلصت القوة الشرائية لأصحاب الدخل بالدينار. كما شكك في فكرة أن نقص العملات الأجنبية يعكس نجاح الحكومة، وأيضاً في فرار رجال الأعمال من البلاد بأعداد كبيرة، أو إرسالهم أموالاً إلى الخارج.

وأضاف: "لا أعتقد أنهم سيخاطرون بتهريب العملة إلى خارج البلاد، الذي يعتبر جريمة اقتصادية عقوبتها السجن 20 عاماً".

وبغض النظر، فإن انخفاض قيمة الدينار في السوق السوداء هو أحد المؤشرات على استمرار فقدان القوة الشرائية للجزائريين رغم جهود الحكومة لتحقيق استقرار الاقتصاد، مع الحفاظ على الإنفاق الحكومي والدعم.

وقال المعلم المتقاعد بلمان: "دمر التضخم القدرة الشرائية للجزائريين الذين وقعوا في هاوية الفقر.... لقد أصبح الدينار بلا قيمة".

واقترب الناتج المحلي الإجمالي الجزائري العام الماضي من 195 مليار دولار، بعد نموه بنسبة 2.5%، بنما سجل التضخم معدل 4.1%.

وصدرت الجزائر في 2023 ما تجاوزت قيمته 60 مليار دولار، مثلت الهيدروكربونات (النفط والغاز) النسبة الأكبر منها.

ولم تستورد الجزائر بضائع بأكثر من 45 مليار دولار في 2023، وهو ما سمح بوصول احتياطيات النقد الأجنبي لديها إلى ما يقرب من 55 مليار دولار، وفقاً لتقديرات البنك الدولي.

(أسوشييتد برس، العربي الجديد)

المساهمون