هوت العملة السورية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار الأميركي في تعاملات أمس الأحد، وسط مخاوف من انحدار الوضع المالي لمزيد من التدهور في أعقاب تصريحات الإدارة الأميركية الجديدة باستخدام الضغط الاقتصادي على نظام بشار الأسد، فيما يلوذ سوريون بالذهب وسط انهيار العملة الوطنية، ما دفع أسعار المعدن النفيس إلى أعلى مستوى في تاريخ سورية.
وصل سعر صرف الدولار إلى 3200 ليرة في مناطق شمال سورية، متخطياً أعلى قيمة أمام الليرة التي سجلها في الثامن من يونيو/حزيران الماضي عندما لامس مستوى 3180 ليرة.
واقترب سعر الصرف المتداول في أسواق العاصمة دمشق من تعاملات الشمال السوري، حيث بلغ سعر الدولار نحو 3150 ليرة، بينما كان قد استهل العام الجاري عند مستوى 2850 ليرة للدولار الواحد.
يقول الباحث الاقتصادي أيمن عبد النور لـ"العربي الجديد" إن تراجع الليرة إلى أدنى مستوى، أمس، يعود إلى مخاوف المتعاملين من استمرار العقوبات الأميركية على نظام بشار الأسد، بعد تصريحات إدارة جو بايدن أخيراً حول مواصلة الضغوط الاقتصادية، وفشل مساعي رفع العقوبات.
ولجأ سوريون في هذه الأثناء إلى الذهب للحفاظ على قيمة مدخراتهم المالية، التي تتعرض للتآكل، لا سيما بعد زيادة العرض النقدي وطرح فئة نقدية كبيرة بقيمة 5 آلاف ليرة الشهر الماضي من دون رصيد دولاري ومعادلات إنتاجية، فضلا عن تجريم النظام التعامل داخل سورية بأي عملة أجنبية.
ووصل سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطا في دمشق إلى 155 ألف ليرة تضاف لها 5 آلاف ليرة أجرة صياغة، ليبلغ سعر المبيع 160 ألف ليرة، بينما سجل غرام الذهب من عيار 18 قيراطاً نحو 137 ألف ليرة، في حين بلغ سعر الأونصة (الأوقية) 5.68 ملايين ليرة، وسجلت الليرة الذهبية السورية 2.28 مليون ليرة.
ويواصل المعدن الأصفر قفزاته السعرية القياسية بنسبة تتجاوز 700% في خمس سنوات، حيث لم يكن سعر الغرام يتجاوز 18 ألف ليرة في أغسطس/ آب 2016 ، وفق رصد لـ"العربي الجديد".
يقول المحلل الاقتصادي علي الشامي، من دمشق، إن الثقة بالليرة السورية تراجعت بشكل كبير منذ طرح ورقة 5 آلاف ليرة، مضيفاً خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن جميع عوامل استقرار أو تحسن سعر الصرف باتت مفقودة، خاصة بواقع تراجع الصادرات الذي أثر على توفر القطع الأجنبي واستمرار جمود القطاع المصرفي داخل لبنان، الذي كان ملاذ السوريين، سواء بالنسبة لحكومة بشار الأسد أو التجار، لتوليد الدولار وتمويل السوق الداخلية والعمليات التجارية.
ويشير الشامي إلى أنه في ظل شح النقد الأجنبي وملاحقة أي متعامل بالعملات الأجنبية "لم يبق من ملاذ أمام السوريين إلا الذهب، لذا ارتفعت أسعاره".
ومن شمال غرب سورية الخارج عن سيطرة النظام السوري، يقول مدير شركة الصرافة في ريف إدلب عبد القادر درويش، لـ"العربي الجديد"، إن الاقبال على استبدال الليرة السورية بالدولار، وحتى الليرة التركية، هو الأكثر منذ عام 2011، مضيفا أنه "لم يعد أحد يثق بالعملة السورية، خاصة مع تراجع التعامل بها في المناطق المحررة، ما أوصل سعر الدولار إلى أكثر من 3200 ليرة أمس الأحد، وامتناع معظم الشركات ومكاتب الصرافة عن التبديل".
وتشهد الليرة السورية تراجعات مستمرة منذ عام 2011، وقت لم يزد سعر تصريف الدولار عن 50 ليرة سورية، لكن العام الماضي والشهر الأول من العام الجاري، بلغت التراجعات أقصاها بحسب ما يقول الخبير المصرفي ياسر عبد الجليل لـ"العربي الجديد".
ويرى عبد الجليل، الذي كان مديرا سابقا لأحد المصارف،أنه "لو تم تعويم العملة فربما تتهاوى الليرة لضعف ما هي عليه حالياً، لأن سورية بواقعها الراهن تفتقر إلى كل عوامل قوة النقد، فالاحتياطي النقدي تبدد والسياحة مشلولة والميزان التجاري خاسر، يضاف إلى ذلك العامل النفسي والسياسي حيث الأفق مسدود ولا حل قريباً".
ويضيف أن ما يتطلبه فصل الشتاء من استيراد مشتقات نفطية وما فرضه تراجع الزراعة من استيراد القمح، عوامل مستمرة لتبديد النقد الأجنبي وخلل العرض والطلب في السوق، وهي عوامل مهمة تؤثر كذلك على تراجع سعر الليرة وزيادة طلب التجار على الدولار.