السودان: قفزة لسعر الدولار وانفلات بالأسواق

01 يونيو 2021
ارتفاع أسعار السلع يرهق معيشة المواطنين (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

أعلن وزير التجارة والتموين السوداني علي جدو، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، عن حملة ضخمة تنظمها وزارته قريبا لضبط انفلات الأسواق وتوعية المواطنين بحقوقهم المكفولة لهم بموجب قانون تنظيم التجارة والمنافسة ومنع الاحتكار.
وأشار الوزير إلى تشكيل لجنة لهذا الغرض بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة، وهي اتحاد الغرف التجارية والصناعية، جمعية حماية المستهلك، وزارة العدل، الشرطة، الجيش، الدعم السريع، ووزارة التعليم العالي والجامعات، متوقعا أن يكون لها أثر إيجابي كبير في الفترة المقبلة في إنهاء الفوضى باسم سياسة التحرير الاقتصادي.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه العاصمة الخرطوم قفزة في أسعار الدولار، إذ قارب خانة الـ500 جنيه للبيع، وتبعها انفلات ملحوظ بأسعار السلع.
وكشفت جولة أجرتها "العربي الجديد" في أسواق ومنافذ السوق الموازي بالخرطوم عودة نشاط المضاربات في العملة، ما قفز بالأسعار لمعدلات غير مسبوقة، إذ بلغ سعر صرف الدولار في السوق الموازية، أول من أمس، 490 جنيها، مقارنة مع 410 جنيهات في تعاملات مطلع الأسبوع الماضي، وفق التجار، فيما يبلغ السعر الرسمي للدولار في البنك المركزي 422 جنيها.
وسجل سعر بيع الريال السعودي 130 جنيها والشراء 125 جنيها، وبلغ سعر بيع الدرهم الاماراتي 135 جنيها والشراء 130 جنيها، وسعر البيع لليورو 565 جنيها والشراء 550 جنيها.

ويأتي هبوط الجنيه بعد استقرار نسبي في أسعار صرف العملات داخل الأسواق المحلية عند متوسط 380 - 390 جنيها منذ التعويم الجزئي للعملة المحلية في فبراير/شباط الماضي، بعد قرار تعويم جزئي للعملة المحلية.
وبدأت الأجهزة الأمنية حملات أمنية مكثّفة على الأسواق، وألقت القبض على عدد من سماسرة العملة.
وقلل عدد من السماسرة الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد" من جدوى الحملات الأمنية على السوق للانتشار الكثيف لتجارة العملة، والتي قالوا إنها لم تعد قاصرة على التجار بالسوق العربي فقط، بل تعدتهم لأصحاب البقالات وتجار الخُضر بالأسواق الرئيسية والفرعية، ما يصعب معه السيطرة على هذه التجارة ووقف تمددها وإلقاء القبض على المتاجرين فيها.

وزير التجارة والتموين السوداني لـ"العربي الجديد": حملة ضخمة تنظمها وزارته قريبا لضبط انفلات الأسواق وتوعية المواطنين بحقوقهم

وتسبب النشاط المحموم في أسعار الدولار بالسوق الموازي في هزيمة كبرى لتوجه الحكومة الانتقالية الأخير بإعلان توحيد سعر الصرف، والذي طبقته خلال الأشهر الـ3 الماضية، وتحول غالب العملاء الذين نجحت في استقطابهم للتعامل مع البنوك إلى العودة مرة أخرى للسوق الموازي، وبصورة أكثر قوة، للاستفادة من فارق السعر بين الرسمي والموازي سعيا لجني الأرباح.
وقالت المواطنة هدية حسنين والتي تقطن بالخرطوم، لـ"العربي الجديد"، إن المواطنين يتضررون كثيرا من ربط التجار للسلع الاستهلاكية بزيادة الدولار، لتسبب زيادته المستمرة في عدم قدرتهم على الشراء والمزيد من الغلاء في المعيشة.
وانتقد الموظف عبد الهادي التوم المعالجات الحكومية لانفلات سعر الصرف، ووصفها بالواهية والضعيفة وأنها تؤدي للمزيد من التمدد في السوق الموازي وإضعاف قدرة الشعب على مجابهة الغلاء الطاحن في كافة مقومات الحياة.
وتشهد أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية بأسواق الخرطوم زيادات مضطردة، خاصة المستوردة والمصنعة محليا، تزامنا مع ارتفاع الدولار وسيادة مخاوف كبرى وسط التجار من البيع تجنبا للخسائر، لاحتمالات تضاعف قيمة السلع أكثر من مرة خلال اليوم الواحد تبعا لتقلبات سعر الصرف.

وأشار بعض التجار لـ"العربي الجديد" إلى الأثر الكبير السالب لارتفاع الدولار على حركة السلع والنشاط التجاري عامة، وتسببه في ركود الشراء من قبل المواطنين والتجار على السواء، لافتين إلى تخوفهم من البيع هذه الفترة رغم وفرة البضائع بالمحال.

وشكا تاجر السلع الاستهلاكية بالخرطوم نور الدائم محمد، لـ"العربي الجديد"، من تضرر التجار من ارتفاع سعر الصرف، لتحكمه في حركة أسعار السلع الاستهلاكية واضطرارهم لتسعيرها بشكل يومي لمواكبة الزيادة، ما أدى لركود حاد في القوى الشرائية وسط المواطنين وحدوث وفرة كبيرة في البضائع.
وأوضح محمد أن سعر جركن زيت الفول والزيت الأبيض قفز إلى 3200 جنيه، وكيلو الدقيق 300 جنيه.
وقال التاجر بالخرطوم علي حسب الرسول، لـ"العربي الجديد"، إن الدولار تسبب في زيادات في الأسعار، حيث بلغ سعر جوال السكر زنة 50 كيلو من 12800 جنيه إلى نحو 15 ألف جنيه، فيما قفز سعر كيلو العدس من 400 جنيه إلى 500.
وقال الخبير الاقتصادي هيثم فتحي، لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع الدولار قفز إلى هذا المستوى بالسوق الموازي رغم توحيد سعر الصرف، ما يضر بجميع المستوردين والأسواق الداخلية والمواطنين لانسحاب الارتفاع على أسعار السلع داخليا، وعلى الاقتصاد بالبلاد، ويؤدي لارتفاع أكبر بكثير في معدلات التضخم.

اقبال شديد على شراء الدولار وعدد كبير من المتعاملين في سوق النقد الأجنبي يقومون باستخدام العملة للتخزين، ما يخلق طلباً مضاعفاً يؤثر سلبا على حركة سعر الصرف

ودعا الحكومة إلى دعم القطاعين الزراعي والصناعي بخفض الضرائب المفروضة عليهما، وتقديم التسهيلات لتشجيع المنتجين وتأمين حرية انسياب السلع داخل حدود الدولة دون قيود، وتشجيع القطاع الخاص المنتج في الزراعة والصناعة، وتوفير كافة الشروط التي تزيد من قدرته التنافسية وزيادة إنتاج السلع التي تلبي الاحتياجات الأساسية للمواطن من غذاء وكساء، وتمكينه من إنتاج هذه السلع بتكلفة أقل.
وطالب فتحي بأن تشمل الإجراءات الهادفة لتشجيع القطاع الخاص توفير المحروقات والطاقة الكهربائية بأسعار تمكن المنتجين من خفض تكاليف الإنتاج وتحقيق وفورات، وكذلك خفض الضرائب ومنع الازدواج الضريبي في المركز والولايات والمحليات المفروضة على المنتجين وخلق بيئة ملائمة للمستثمرين.

ورفض فتحي تبرير تنامي الطلب على الدولار لغرض الاستيراد وإنما للطلب الداخلي للحفاظ على قيمة المدخرات، مؤكدا تسبب المضاربات في الدولار في تشويش العرض والطلب، وأنها تدفع المواطنين إلى اللجوء للدولار باعتباره ملاذا آمنا لمدخراتهم لسهولة الحصول عليه وبيعه.
ودعا مصدر مصرفي تحدث لـ"العربي الجديد" إلى إنهاء ظاهرة الدولرة في الاقتصاد، بإعلان وزارة العدل السودانية وبشكل واضح عدم قبول أي عقود لشراء وبيع للسلع وتقديم الخدمات التي لا تتم بالعملة الوطنية، واعتبارها غير قانونية ومخالفة للائحة التعامل بالنقد الأجنبي، كعقود إيجار الشقق وتأجير السيارات وبيع تذاكر السفر بالدولار وأي مبيعات للعقارات وخلافها.
وأشار المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن عددا كبيرا من المتعاملين في سوق النقد الأجنبي يقومون باستخدام العملة للتخزين، ما يخلق طلباً مضاعفاً يؤثر سلبا على حركة سعر الصرف، ويؤدي للقفز به إلى هذا النحو الذي يقارب 500 جنيه مقابل الدولار، ما يتطلب مراجعة القوانين والتشريعات وتشديد العقوبة على المخالفين.
وشدّد على ضرورة قيام الوحدات الحكومية المختلفة بالجهود اللازمة، خاصة وزارة المالية، بتحقيق الانضباط المالي وزيادة الإيرادات وتقليل المصروفات وتحجيم عجز الموازنة العامة، وعلى وزارة التجارة تبني سياسات خارجية جديدة تتناسب والمرحلة لتحجيم العجز التجاري، وهذا يتطلب فرض رسوم جمركية على بعض السلع غير الضرورية كـلعب الأطفال، وزيادة رسوم السيارات وإعفاء عدد من السلع بشكل كامل من الجمارك كـالأغذية والعدس وزيوت الطعام، فضلا عن ضرورة تشجيع الصادرات وفتح أسواق خارجية.

المساهمون