السودان على مقربة من ثورة جياع

17 مايو 2020
لا شيء تغيربعد ثورة شعبية اقتلعت نظام البشير(العربي الجديد)
+ الخط -



يتلقّى المواطن السوداني ضربات كثيرة وموجعة: خسائر اقتصادية وصحية فادحة ناتجة عن تفشي وباء كورونا، أزمات معيشية متلاحقة، انخفاض في القدرة الشرائية، فوضى بالأسواق وسيطرة الاحتكارات عليها في ظل اختفاء الرقابة الحكومية، تراجع قيمة الجنيه السوداني واستفحال السوق السوداء للعملة.

طوابير انتظار طويلة أمام المخابز ومحطات الوقود ومخازن الغاز المنزلي، ارتفاع متواصل لأسعار الأغذية والمشروبات والزيوت والحبوب واللحوم والبقوليات واللبن والخبز والبنزين والسولار، وهو ما أدى إلى حدوث قفزة في معدل التضخم الذي ارتفع إلى معدلات قياسية خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي ليصل إلى 98.81%، وهي من أعلى النسب في تاريخ البلد المنكوب بحكومات استبدادية وعسكرية وفاسدة.

ومن المتوقع أن يواصل التضخم قفزاته خلال الشهور المقبلة ليلتهم زيادة الرواتب الأخيرة التي دخلت حيز التنفيذ بداية من الشهر الجاري، ويتسبب أكثر في اضعاف قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار.

كذلك يعاني المواطن أصلاً من أزمات ورثها عن الأنظمة القمعية والفاشلة السابقة، فقر مدقع وجوع وبطالة وفساد ونقص في السلع الأساسية، بما فيها السلع التموينية، وتدهور في البنية التحتية بما فيها الكباري والطرق والصرف الصحي، وتردٍّ في أوضاع التعليم والصحة والخدمات العامة.

ويكفي الإشارة هنا إلى أحدث أرقام صادرة عن برنامج الأغذية العالمي التي أكد فيها أن 9.1 ملايين سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.

والأخطر أيضاً أن السودان يعاني من ارتفاع في الدين الخارجي والبالغ نحو 60 مليار دولار من دون أن تكون لديه مصادر للسداد أو قدرة على السداد من الأصل، وبالتالي يظل اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية للحصول منها على قروض جديدة خياراً صعباً.

والنتيجة النهائية غلاء فاحش لا يستطيع المواطن التعايش معه، ونقص حاد في السيولة المحلية، وتآكل في المدخرات المحلية، واستمرار هروب ما تبقى من أموال داخل البنوك.

وربما يؤدي كل ذلك إلى حدوث انهيار اقتصادي سريع خاصة إذا ما تأخرت المساعدات الخارجية، وتباطأت الحكومة في الإصلاحات الداخلية، أو لجأت إلى طباعة النقود ومزيد من العجز المالي لتمويل الزيادة الجديدة في الأجور والبالغ نسبتها 569%.

ومع تهاوي الاقتصاد السوداني يصبح سيناريو 2019 من تجدد الاحتجاجات قائماً وقابلاً للتكرار، ويصبح السودان أقرب إلى "ثورة جياع" من غيره من دول المنطقة.

لا شيء إذن تغير في سودان ما بعد ثورة شعبية اقتلعت نظام عمر البشير الذي أفقر المواطن، وبدلاً من أن تعالج الحكومة الحالية هذا الوضع المعيشي المتردي، نجدها تلوح من وقت لآخر بإجراءات مستفزة لرجل الشارع، منها تعويم الجنيه السوداني، وهو ما يعني تهاويه أكثر، وإلغاء دعم الوقود بما فيه السولار المخصص لقطاع الزراعة والنقل، واستبدال الدعم العيني بدعم نقدي يبلغ 500 جنيه شهرياً وهو ما يعادل نحو 9 دولارات. كذلك لم تتخذ في المقابل أي خطوات جدية لمعالجة الوضع الاقتصادي الهش وتحسين المستوى المعيشي للمواطن.

حتى الآن تتعامل حكومة عبد الله حمدوك مع الأزمة المعيشية والاقتصادية بمنطق الهواة لا المحترفين، فعينها على المساعدات والمنح الخارجية، وليس على الاعتماد على الذات وتنشيط الاقتصاد والصناعة والسياحة والاستثمارات الخارجية وزيادة الإنتاج والصادرات والاستفادة من إمكانات السودان الهائلة خاصة في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني والصيد والثروة المعدنية، أو الاستفادة من ملايين المغتربين في الخارج، واسترداد الأموال المنهوبة.

رهان الحكومة الأول هو على مؤتمر المانحين، الذي كان من المقرر عقده الشهر المقبل، لكنه تأجل بسبب وباء كورونا، دون الاستفادة من تجارب الدول الأخرى كالعراق وتونس والأردن واليمن والصومال وأفغانستان واللاجئين السوريين والفلسطينيين وغيرها والتي تلقت وعوداً بمليارات الدولارات من الدول المانحة، لكن لم يصلها سوى الفتات وربما لم يصلها دولار واحد.

ورهان حكومة حمدوك الثاني على صندوق النقد الدولي واغتراف مليارات الدولارات منه، وإن حدث ذلك، فإن الحكومة تستعجل بذلك "ثورة الجياع"، لأن المواطن السوداني ليس لديه القدرة على تحمل إجراءات تقشفية اضافية وعنيفة يفرضها الصندوق، كما أن موارد السودان من النقد الأجنبي لا تسعف الحكومة للحصول على قروض أخرى تدعم الاحتياطي الأجنبي والعملة المتهاوية وتسدد أعباء الديون الخارجية وتمول شراء القمح والذرة والبنزين والسولار والغاز.

المساهمون