السودانيون يدخلون 2024 بأزمات مدمرة وسط الحرب والنزوح

02 يناير 2024
الحرب تسببت في نزوح ملايين السودانيين داخلياً (فرانس برس)
+ الخط -

يدخل السودانيون عام 2024 بإرث ثقيل من الانهيار الاقتصادي والمعيشي، وسط أزمات النزوح ونقص السلع وتوقف معظم الأنشطة الاقتصادية، وسط الحرب المستعرة بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) والجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان.

وفاقم الصراع المستمر منذ إبريل/نيسان من العام الماضي 2023، من التدهور الاقتصادي للبلاد التي شهدت خلال السنوات الأخيرة تسارعاً غير مسبوق في معدلات التضخم والفقر والبطالة وتفاقم أزمات الكهرباء والطاقة. وباتت الكثير من الأسر عاجزة عن تلبية أدنى احتياجاتها.

ويقول اقتصاديون إن الأثر الاقتصادي والمعيشي للحرب الدائرة أصبح بالغ السوء للسودانيين، متوقعين أن تشهد الفترة المقبلة في حال استمرار الحرب زيادة أعداد الفقراء والجوعى، نتيجة توقف الأعمال وتدمير البنية التحتية للبلاد.

وقال عبد العظيم إسحاق، الباحث في مجال التنمية، إنه حتى الولايات التي لم تتأثر بالحروب فقد توقفت فيها الأعمال نتيجة للتهديدات التي تطاولها يوماً بعد يوم، خاصة الأسواق والبنوك التي أغلقت أبوابها، وهذا يؤثر بالطبع على الحركة التجارية التي انحصرت فقط في ولايات بعينها.

زيادة حركة التهريب

وأضاف إسحاق لـ"العربي الجديد" أن هذه الأجواء ساعدت على زيادة حركة التهريب من وإلى البلاد، وفقدت الدولة بوصلة التحكم في وارداتها وصادراتها، واستبيحت كل حدود السودان بشكل كبير، في ظل عدم وجود حكومة مركزية تسيطر على الاقتصاد، مؤكدا أن السودان أصبح حاليا يعيش في فوضى أثرت بصورة مباشرة على معيشة المواطنين.

وفي ظل تلك الحرب المستعرة منذ شهور، توسعت فجوة الأمن الغذائي في البلاد، ودخل قطاع كبير من السودانيين في دائرة الفقر والبطالة، لا سيما عقب اجتياح قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم في منتصف ديسمبر الماضي، التي يعيش فيها حوالي 5.9 ملايين نسمة وتعد سلة غذاء السودان، كما نزح إليها الكثيرون من الولايات التي طاولتها الحرب.

وتُعتبر ولاية الجزيرة الواقعة وسط البلاد، شريان البلاد الاقتصادي، وتعتمد على الزراعة والتصنيع وتعد بديلا للخرطوم، حيث يعتبر موقعها الاستراتيجي منفذاً لدخول السلع من ميناء بورتسودان الرئيسي على البحر الأحمر (شرق) وتنطلق منها الواردات إلى باقي أنحاء البلاد. ومع إغلاق الولاية وتشريد أهلها تأثرت كل القطاعات الهامة؛ زراعية وصناعية وواردات.

‏وقال محافظ مشروع الجزيرة عمر مرزوق، إن "جميع مدخلات مشروع الجزيرة الزراعي، قد سرقت ونهبت بواسطة قوات الدعم السريع، بعد دخولها لمقر إدارة المشروع في منطقة بركات جنوبي الجزيرة".

‏وذكر مرزوق لـ"العربي الجديد" أن "عددا من السيارات والآليات التابعة للوحدات الزراعية في ولاية الجزيرة تمت سرقتها، كما أن المخازن التي تحتوي على كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية كالذرة والقمح تم إفراغها من قبل اللصوص وجماعات مسلحة تابعة للدعم السريع".

‏وأضاف أن المساحة المزروعة حالياً في مشروع الجزيرة الزراعي بلغت 500 ألف فدان، منها 200 فدان زرعت بمحصول القمح، بالإضافة لعدد من المزروعات الأخرى، لافتا إلى أن عددا كبيرا من العاملين في المشروع من مهندسين وعمال ومزارعين لا يستطيعون العمل بأمان، طالما يوجد مسلحون داخل الحقول والمكاتب الإدارية التابعة للمشروع.

‏وحذر محافظ المشروع من خطورة الوضع في ظل عدم التحكم في مسارات ونسب مياه الري، مما يهدد المشروع بالعطش وخسارة المساحات الزراعية والمزارعين لمشاريعهم وأموالهم التي أنفقوها.

وشدد على أن هذا الوضع ينذر بمجاعة كبرى في البلاد، داعياً الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى ضرورة تحييد أراضي مشروع الجزيرة من الصراع المسلح والسماح بدخول الفنيين والعاملين.

وعلى مستوى الخسائر الكلية التي تعرّض لها السودان جراء الحرب الدائرة، تقول شذى بلة مديرة مكتب السودان في مركز المشروعات الدولية الخاصة، وهو جزء من غرفة التجارة الأميركية في واشنطن، إن هناك دراسة للمعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية بالتعاون مع المعونة الأميركية والبنك الدولي، قدرت خسائر الحرب في السودان حتى الآن بنحو 15 مليار دولار.

وتوضح شذى أن هذا الرقم يعادل 48% من الناتج الإجمالي للسودان، لافتة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في قطاعات الصناعة والخدمات والزراعة هوى بنسبة 70% و49% و21% على الترتيب، وفق الدراسة التي توقعت خسارة 5.2 ملايين وظيفة، وهو ما يقرب من نصف القوى العاملة في البلاد، بناء على خسائر قطاعات الصناعة والخدمات والزراعة.

وشملت الدراسة 10 ولايات من أصل 18 ولاية، وأظهرت انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لنظام الأغذية الزراعية بنسبة 22%، ويمثل هذا القطاع 33% من الناتج المحلي الإجمالي، مع خسائر تقدر بـ 2.2 مليار دولار بنهاية 2023.

الدخل الأسري يهوي 40%

واستعرضت الدراسة مستويات الدخل الأسري في الحضر والريف، حيث هوت بنسبة 40% مقارنة بمستويات 2021، وانخفض دخل الأسر الحضرية بنسبة 51%، بينما تراجع لدى الأسر الريفية بنسبة 44%. وتوقعت الدراسة أن يرتفع معدل الفقر بنسبة 4.5% مقارنة بعام 2021، ليصبح 65.6% بنهاية 2023.

وبينما تشير أرقام الدراسة إلى حجم الخسائر الضخمة التي تكبدتها قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات، إلا أن الواقع يظهر معدلات أكثر حدة تفوق 70%، وفق محللين، لأن الكثير من العمالة ينشطون بشكل غير رسمي، ومنهم الباعة الجائلون والعاملون في قطاعات المطاعم والتي تعرضت لخسائر كبيرة.

المساهمون