السندات الخضراء... جديد الحكومة المصرية في الاقتراض الخارجي

18 أكتوبر 2020
قاربت ديون مصر حتى نهاية يونيو الماضي نحو 120 مليار دولار(Getty)
+ الخط -

شهدت مصر خلال الأيام الماضية تسارعا في الاقتراض من الخارج عبر أدوات عدة، كانت أحدثها السندات الدولية الخضراء التي أدرجتها الحكومة المصرية في بورصة لندن الخميس الماضي بقيمة 750 مليون دولار، بعد أن كان مقررا لها أن تكون قيمتها 500 مليون دولار، بزيادة 50%.
وقالت وزارة المالية المصرية، يوم الخميس، إنها أدرجت أول إصدار مصري من السندات الخضراء في بورصة لندن بقيمة 750 مليون دولار، والتي كانت قد باعتها في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، لأجل خمس سنوات، وبعائد 5.25 بالمئة للمستثمرين. 
وتُستخدم حصيلة إصدار الدين، وفقا للوزارة، في تمويل مشاريع خضراء مطابقة للبيئة، أو إعادة تمويلها في قطاعات مثل النقل والطاقة المتجددة وكفاءة استهلاك الطاقة.
وقال أحمد كوجك، نائب وزير المالية المصري، في تصريحات صحفية إن مصر تعد أول دولة بأفريقيا والشرق الأوسط تطرح سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار، وإن حصيلة السندات تستخدم لتمويل المشروعات التنموية صديقة البيئة، وتلعب دوراً في تنويع قاعدة المستثمرين، مشيرًا إلى أن خطة طرح تلك السندات بدأت منذ يناير/كانون الثاني الماضي.
ووفقا لصحيفة "المال" الاقتصادية المحلية، فإن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومؤسسة بروباركو التابعة للوكالة الفرنسية للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية تدرس المشاركة في أول إصدار للسندات الخضراء للشركات في السوق المصرية والذي يعمل البنك التجاري الدولي عليه حاليا.

 وفي السياق، نقلت صحيفة "البورصة" المحلية في وقت سابق من الشهر الجاري، عن مصادر حكومية، تأكيدها أن مصر تتجه لتوقيع اتفاقية الشريحة الأولى من قرض 500 مليون دولار وبقيمة 250 مليون دولار مع وكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا)، قبل نهاية العام الجاري.

وقالت المصادر إن الحكومة ستستخدم الشريحة الأولى لسد عجز الموازنة العامة وتنفيذ إصلاحات في قطاع الكهرباء وعدة أغراض أخرى.
كانت الوكالة قد تعهدت العام الماضي بتخصيص مليار يورو لتمويل مشروعات بالسوق المصرية على مدى أربع سنوات. 
وتجري الحكومة أيضا مباحثات مع الوكالة الفرنسية للتنمية للحصول على قرض بقيمة 150 مليون يورو (نحو 175 مليون دولار) على شريحتين، مع توقيع الاتفاقية في الربع الأول من عام 2021، وفقا للمصادر نفسها. 
كما أعلن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تقديم قرض سيادي بقيمة 250 مليون دولار لشركة الإسكندرية للبترول (الحكومية)، وفق ما نشره البنك على موقعه في وقت سابق من الشهر الجاري. 
وقالت مصادر حكومية في تصريحات إعلامية، في وقت سابق من الشهر الجاري، إن بنك "جي بي مورغان-بريطانيا" قام بصرف الدفعة الأولى بقيمة 332 مليون دولار من قرض مشروع المونوريل.
ويقود البنك الأميركي تحالف بنوك دولية لتقديم قرض بقيمة إجمالية 2.5 مليار دولار لصالح المشروع، الذي تبلغ تكلفته الإجمالية نحو 4.6 مليارات دولار.
ووافق البنك الدولي أيضا على قرض بـ200 مليون دولار لتحسين جودة الهواء بالقاهرة الكبرى، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وتحسين إدارة المخلفات الصلبة، في إطار خطة الدولة لدعم ما يسمى بـ"التعافي الأخضر"، وفق ما أعلنته وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط في بيان نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.

كما يدرس بنك الاستثمار الأوروبي، وفق بيان له نهاية الشهر الماضي، إتاحة قرض بـ78 مليون يورو لتمويل توسعات محطة معالجة مياه بحلوان، من دون الكشف عن الموعد المتوقع لحسم موقفه. 

وذكرت مصادر حكومية، بداية الشهر الجاري، أن الحكومة طالبت مؤسستين دوليتين أخريين بالمساهمة في تمويل المشروع البالغة تكلفته الإجمالية 200 مليون يورو.
وقال خالد حمزة، نائب مدير مكتب البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في مصر، إن القاهرة طلبت من البنك قرضا بـ250 مليون يورو لتحويل خط سكة حديد أبوقير إلى مترو.
وأضاف حمزة في تصريحات صحافية، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أنه من المتوقع البت في الطلب العام المقبل.

وكان وزير النقل كامل الوزير صرح في يوليو/تموز الماضي بأن التكلفة الإجمالية للمشروع 1.5 مليار يورو، وافق بنك الاستثمار الأوروبي على سداد 750 مليون يورو منها، مضيفا أن مفاوضات جارية مع مؤسسات أخرى لتمويل الجزء المتبقي.
وأضاف حمزة أن البنك يعتزم أيضا توفير قرض لصالح مشروع إعادة تأهيل الخط الثاني لمترو أنفاق القاهرة.
وتوقع حمزة أيضا قيام البنك بتمويل تطوير مشروع للطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاوات في كوم أمبو بأسوان قبل نهاية العام، بقيمة 54 مليون دولار.
وقال حمزة إن إجمالي تمويلات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في مصر بلغت نحو 1.3 مليار يورو منذ بداية العام الحالي 2020. 

قروض لا تتوقف

وفي مطلع العام الجاري، قالت وزارة المالية إنها ستوقف إصدارات السندات الدولية، لكنها عادت إلى الأسواق الدولية في مايو/أيار الماضي بطرح سندات بقيمة 5 مليارات دولار.

كما اقترضت 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي في يونيو/حزيران الماضي، بواقع 2.8 مليار دولار و5.2 مليارات دولار، إضافة لملياري دولار آخرين من بنوك عربية وأجنبية في أغسطس/آب.

وقالت وزارة المالية في بيان لها، نهاية أغسطس/آب الماضي، إنها وقعت أول تسهيل تمويلي تقليدي وإسلامي مشترك بقيمة ملياري دولار، لتمويل جانب من الفجوة المالية في موازنة العام المالي الحالي 2021/2020. 

كما حصلت مصر، في يوليو/تموز الماضي، على قروض من البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (أفريكسيم)، بلغت قيمته 3.55 مليارات دولار، إضافة لنحو 300 مليون دولار من البنك ذاته للبنك الأهلي المصري (الحكومي).

كما وافق بنك الاستثمار الأوروبي، خلال الشهر ذاته، على تقديم قرض لمصر بقيمة 2.2 مليار دولار، ليبلغ إجمالي القروض من البنكين نحو 6.05 مليارات دولار.

ويأتي ذلك التوسع في الاقتراض الخارجي خلال العام الحالي لاستكمال مسيرة الحكومة في اللجوء للحل الأسهل، وهو مد اليد للمؤسسات والأسواق الدولية بعد توقف دول إقليمية عن تقديم القروض والمساعدات لها.

ووفقا للبنك الدولي، فإن الدين الخارجي لمصر زاد بنسبة 14.9% في 2019 ليسجل 115.1 مليار دولار، مقارنة بنحو 100.1 مليار دولار في 2018.

كما أصبحت مصر أكبر مقترض في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال 2019، إذ استحوذت على ما يقرب من 34% من إجمالي ديون المنطقة. 

ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي في أغسطس/آب الماضي، فقد قفزت الديون الخارجية إلى 119.6 مليار دولار بنهاية السنة المالية 2019-2020، التي انتهت في 30 يونيو/حزيران الماضي.

وتوقع الصندوق ارتفاع الديون الخارجية إلى 126.7 مليار دولار بنهاية العام المالي الجاري في 30 يونيو 2021، ثم إلى 127.3 مليار دولار في نهاية يونيو/ حزيران 2022، بينما كانت تبلغ لدى وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في يونيو/حزيران 2014 نحو 46 مليار دولار.

ووفقا لبيانات البنك المركزي المصري، فقد ارتفعت الديون المحلية إلى نحو 4.18 تريليونات جنيه (نحو 266 مليار دولار)  بنهاية سبتمبر/ أيلول 2019، بينما كانت تبلغ نحو 1.8 تريليون جنيه لدى تولي السيسي.
ولم يقابل التوسع في الاقتراض تخفيف العبء عن المواطنين، بل توسعت الحكومة في خططها لترشيد الإنفاق وتقليص الدعم وفرض مزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين، وتخفيض الرواتب، حيث أصدرت قانونا لتخفيض 1% من الراتب الأساسي للعاملين بالدولة، وكذلك 0.5% من أصحاب المعاشات. 

كما أن التوسع في الاقتراض وبنسب فائدة عالية جعل مصر، وفقا لنشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المحلية، الأكثر ربحية لتجار الفائدة بين الأسواق الناشئة، مع تقديم أدوات الخزانة المصرية لنحو ضعف العائد المعدل للمخاطر، وفقا للنشرة ذاتها.

توقعات متشائمة
ورغم زيادة معدل الاقتراض وإجراءات التقشف، فإن صندوق النقد الدولي توقع، في تقرير الراصد المالي لشهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أن يرتفع العجز الكلي لميزان المدفوعات إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021/2020، مقابل 7.5% في العام المالي الماضي 2020/2019.
وأشار إلى أن موازنة مصر مثقلة بالفعل بمتطلبات فوائد الدين، والتي تبلغ نحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتوقع التقرير أن تسجل مصر فائضا أوليا يبلغ 0.4% في العام المالي الجاري، مقارنة بـ1.4% في العام المالي الماضي.

لكن الصندوق من جهة أخرى رفع توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.5% لهذا العام، مقابل توقعاته السابقة عند 2% في تقرير شهر يونيو.

وتوقع الصندوق أيضا اتساع عجز الحساب الجاري لمصر ليصل إلى 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، مقابل عجز بنسبة 3.2% هذا العام، كما أدرج مصر ضمن العديد من الدول المعرضة بشكل خاص لأن تسجل تراجعا في تحويلات المصريين العاملين بالخارج، إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 9.7% في 2021، مقابل 8.6% في 2019.
كما تراجعت إيرادات الدولة من الضرائب بنحو 220 مليار جنيه بسبب تداعيات فيروس كورونا، بحسب تصريحات لوزير المالية محمد معيط الشهر الماضي، وانهارت عوائد قطاع السياحة بعد تعليق الرحلات الجوية، وتضررت إيرادات قناة السويس بسبب اضطرابات حركة التجارة العالمية.
يقابل ذلك تراجع احتياطي النقد الأجنبي بنهاية سبتمبر، ليصل إلى 38.42 مليار دولار، مقابل 45.5 مليار دولار بنهاية فبراير/شباط الماضي.

 

المساهمون