تعمل شركة النفط السعودية العملاقة، أرامكو، على ضخ استثمارات ضخمة لإنتاج وقود حيوي من الطحالب، بصفته أحد الحلول لمواجهة أزمة التغير المناخي، وتعكف على إجراء أبحاث مكثفة حول إمكانات هذا النوع من الوقود، بعدما نجحت في إنتاج أول دفعة خام حيوي من الطحالب الدقيقة.
والطحالب الدقيقة من بين أصغر النباتات في العالم، وتحيا عائمة من دون جذور أو أوراق، وتنتج أكثر من نصف الأوكسجين الذي نتنفسه، بالإضافة إلى إنتاجها آلاف المركبات النشطة حيوياً، حسب ما أورد تقرير نشرته أرامكو عبر موقعها الرسمي.
ويمكن استعمال هذه الكائنات الدقيقة بصفتها "كتلة حيوية" يمكن تحويلها إلى منتجات، منها الأعلاف الحيوانية والمستحضرات الدوائية، إضافة إلى "الوقود الحيوي".
ويشير الخبير الاقتصادي علي العبسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الوقود الحيوي أحد مصادر الطاقة المتجددة، ويتنوع حسب مصدره، فهناك الوقود الناتج عن تخمير المواد العضوية النباتية والحيوانية، والذي ينتج عنه غاز الإيثانول، وهناك الوقود الناتج عن عصر بعض المحاصيل الزراعية كالذرة واللفت والقمح، إضافة للوقود الحيوي المستخلص من الطحالب البحرية، التي تعتبر من أفضل مصادر الطاقة الحيوية نتيجة سهولة إنتاج الوقود منها، وكذلك لأن 60% منها عبارة عن زيوت.
لذلك، فإن اتجاه السعودية نحو إنتاج الطاقة الحيوية يأتي في إطار تنويع مصادر الطاقة وخفض الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للطاقة، وأيضا كسلعة تصدير رئيسية، حسب ما يرى العبسي.
صندوق الاستدامة
أعلنت "أرامكو"، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إنشاء صندوق للاستدامة بقيمة 1.5 مليار دولار للاستثمار في التقنية التي يمكن أن تدعم تحولاً مستقراً وشاملاً للطاقة، وهو الصندوق الذي يمول الدراسات الخاصة بإنتاج الوقود الحيوي من الطحالب.
ويشير الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ استثمارات الصندوق لا تقتصر على الطحالب في الأماكن الطبيعية، وإنما تمكن "زراعة" هذه الطحالب في مزارع بحرية، وهو ما تعمل "أرامكو" على تنفيذه، ليبدأ إنتاج الوقود الحيوي بحدود العام 2024.
وحسب تقرير "أرامكو"، فالإمكانات كبيرة لزيادة إنتاج الوقود الحيوي من الطحالب في المنطقة الشرقية السعودية، بفضل المسطحات المائية المالحة على طول ساحل الخليج العربي، التي يمكن تحويلها إلى أحواض للطحالب.
وهنا، يشير عايش إلى أن السعودية تعهدت بأن تصل إلى الحياد الكربوني (تصفير الانبعاثات الكربونية) في العام 2060، ولذلك تبحث عن مصادر جديدة للطاقة أو تقنيات يمكن استثمارها في الحد من الانبعاثات الكربونية، ومنها الوقود الحيوي المنتج من الطحالب.
ويعد إنتاج هذا النوع من الوقود مرجحاً بالنسبة للسعودية بالنظر إلى طول شواطئها، الذي يبلغ حوالي 3800 كيلومتر، وبالتالي، يمكنها استزراع أو إنتاج الطحالب على هذه المساحة الواسعة من الشواطئ، بحسب عايش.
أعلنت "أرامكو"، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إنشاء صندوق للاستدامة بقيمة 1.5 مليار دولار للاستثمار في التقنية
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن عدد أنواع الطحالب الموجودة في العالم يتراوح بين 200 ألف و800 ألف، موضحاً أنّ هذا التباين في التقدير يعود إلى عدم اكتشاف الكثير من أنواع الطحالب بشكل دقيق حتى الآن، ما يؤشر إلى المستقبل الواعد لإنتاج الوقود الحيوي من الطحالب، وفي هذا الإطار يتوجه الاهتمام السعودي.
تحدي التكلفة
بالرغم من مميزات الوقود الحيوي، المنتج من الطحالب، بشكل عام، فإنّ له عيوباً أساسية من حيث رفع تكلفة المحاصيل الزراعية التي تستخدم في إنتاجه، وكذلك محدودية التوسع في إنتاجه بسبب الحاجة إلى مساحات واسعة لزراعة المحاصيل أو استزراع الطحالب، حسب العبسي.
لكن الوقود الحيوي يظل مصدراً مهماً من مصادر الطاقة المتجددة، حسب تأكيد الخبير في الشؤون الاقتصادية الأوروبية، مشيراً إلى أنّ الطاقة الحيوية ساهمت بنسبة 8.6% من إنتاج الطاقة الكهربائية في ألمانيا عام 2022.
غير أنّ عايش يلفت إلى تقنية جديدة لإنتاج الطحالب، أكثر اقتصادية، هي تقنية "الحلب"، بمعنى حلب الطحالب واستخدامها أكثر من مرة لاستخراج المركبات عالية القيمة منها، بدلا من استخدامها لمرة واحدة، بمعنى تحويل الطحالب إلى "بقرة حلوب" يمكن أن تلعب دوراً مهماً في التحولات العالمية نحو طاقة أكثر أمناً وفائدة. كما يلفت عايش إلى أنّ العديد من الأبحاث تشير إلى أنّ "بقايا القهوة" يمكن أن تكون مزارع للطحالب.
وحسب بيانات صادرة عن وزارة التجارة السعودية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن السعوديين يستهلكون قهوة بقيمة مليار ريال (266 مليون دولار) سنوياً، ما يجعل المملكة ضمن أكثر 10 دول استهلاكا للقهوة عالمياً، وبالتالي، فإنّ فرصة استزراع الطحالب وإنتاج الوقود الحيوي منها تبدو سانحة بشكل كبير في المملكة.