السعودية من النفط إلى الشمس بمساعدة اليابان

04 يونيو 2024
جناح السعودية في مؤتمر استثماري بفرنسا حيث جرى عرض مشروع نيوم، 13 مارس (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خلال الخمس سنوات الماضية، تطورت العلاقات السعودية اليابانية بشكل ملحوظ في مجالات الاستثمار، التجارة، التعليم، الثقافة، والرياضة، مدفوعة بزيارة ولي العهد السعودي لليابان، مما عزز التكامل الاقتصادي والشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
- في مايو 2024، تأسيس مجلس الشراكة السعودي الياباني كخطوة هامة لتعزيز العلاقات الثنائية، يفتح آفاقاً للتعاون في الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، وتطوير المدن الذكية، مما يعكس الرغبة المشتركة في استثمار الإمكانات الكبيرة لكلا البلدين.
- السعودية واليابان تسعيان لتعزيز التعاون في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة، مع تطلع السعودية لتنويع مصادر طاقتها واليابان تبحث عن فرص لتحفيز اقتصادها، مما يسهم في تحقيق رؤية السعودية 2030 ويعود بالنفع على الاقتصادين.

مضت خمس سنوات على زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى اليابان. منذ تلك الزيارة، تضافرت الجهود لدفع عجلة التعاون بين السعودية واليابان في مجالات الاستثمار والتجارة والتعليم والثقافة والرياضة وغيرها.

بقدر حاجة السعودية لليابان تحتاج اليابان للسعودية أيضاً. أحدهما يملك الطاقة والموارد الطبيعية الهائلة والآخر يملك التقنية العالية. بالطبع لا مجال للشك أن اليابان تتفوق على السعودية في كثير من مؤشرات الاقتصاد الكلي، والحداثة، والتطور. لكن هناك مميزات كثيرة تدفع اليابان للاهتمام بالسعودية شريكا تجاريا وتوطيد العلاقات الاقتصادية معها، أهمها موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية، وتركيبتها السكانية الشابة، والخطة الطموح لتحديث وتنويع اقتصادها في العام 2030، والمكانة الدينية، مما يجعلها شريكاً مميزاً ذا إمكانات كبيرة لتحقيق النمو والازدهار.

في 21 مايو/ أيار 2024 جرى اتصال مرئي بين محمد بن سلمان ورئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا، بعد إلغاء زيارة كانت مقررة لولي العهد السعودي إلى طوكيو إثر ظروف صحية ألمّت بالملك سلمان بن عبد العزيز، وجرى خلال اللقاء الإعلان عن مجلس الشراكة السعودي الياباني.

للوهلة الأولى سيبدو لأي متابع أن السعودية هي المستفيدة من التقارب مع اليابان، إلا أن عكس الجملة يدعونا للتفكير بشكل جدي في سيناريو استفادة اليابان من السعودية أكثر، سأقنعك في وجهة النظر هذه!

من الوقود الأحفوري إلى الشمس

تعاني اليابان نمواً اقتصادياً بطيئاً وانكماشاً وزيادة في نسب الديون الحكومية وسط محاولات متعثرة للحكومة اليابانية والبنك المركزي لتحفيز الاقتصاد وإنعاشه. في العقدين الأخيرين بلغ متوسط النمو السنوي للناتج المحلي في اليابان أقل من 1%، وعانت البلاد أيضاً انكماشاً طويل الأمد. ما بين عامي 1999 و2013 بقيت معدلات التضخم سلبية أو منخفضة جداً على الرغم من الجهود الحكومية لتحفيز التضخم وخفض معدلات الفائدة إلى السالب وزيادة السيولة في الاقتصاد، ولكن بدون جدوى، وتعاني الشركات اليابانية نقصاً في العمالة الشابة، مما يؤثر على الإنتاجية والنمو الاقتصادي.

في المقابل بدأت السعودية في تنفيذ برنامج نمو طموح، رؤية 2030، بهدف تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على عائدات النفط. وعلى ذكر النفط تعد اليابان أحد أكبر مشتري النفط الخام من السعودية، حيث بلغت واردات طوكيو من النفط السعودي في العام 2022 ما قيمته 39.779 مليار دولار.

لندع النفط جانباً، إذا استفاقت السعودية غداً وقد نضبت آبار النفط لديها وهي التي تعتمد على إيرادات النفط بنسبة تقدر بنحو 76%، من حيث المبدأ سيتهاوى اقتصاد الدولة، لكن من الناحية الأخرى وفي ظل تطور تقنيات الطاقة المتجددة واستغلالها ستظل في أعلى سلم الإنتاج الطاقوي.

حيث تقع المملكة بالقرب من حزام الشمس وهو ما يجعل معدل الإشعاع الشمسي يصل إلى 2200 كيلوواط لكل متر مربع في السنة، وتتوفر صحراء شاسعة قد تستوعب البنية التحتية للألواح الشمسية، وهناك إمكانية كبيرة لاستخدام رواسب رملية في تصنيع خلايا كهروضوئية، ما يجعلها موقعاً جذاباً لتوليد الطاقة من الشمس.

وبحساب نظري وجدلي، إذا تم استخدام 1% من مساحة السعودية لتثبيت الألواح الشمسية، وقُدّرت كفاءة الألواح الشمسية بنسبة 18% سنخرج بقدرة توليدية للطاقة الشمسية قريبة من 8.5 تيراواط ساعة من الكهرباء في السنة، وهي كمية كافية لتلبية احتياجات الطاقة للعديد من الدول وليس فقط السعودية.

اللافت للانتباه هنا، أن رئيس الحكومة اليابانية فوميو كيشيدا وخلال زيارته إلى السعودية العام الماضي تحدث عن رغبته في أن تكون المملكة محوراً في الشرق الأوسط ليصبح قاعدة لإمداد العالم بالطاقة النظيفة، وهو ما يتطابق مع مبادرات 2030.

الانتقال إلى هذه المرحلة يحتاج إلى خبرة هائلة تمتلك اليابان جزءاً كبيراً منها، إذ يمكن للشركات اليابانية مثل ميتسوبيشي وهيتاشي وغيرها تأمين عقود بناء وإدارة مشاريع طاقة متجددة في السعودية، وهو ما يؤدي إلى زيادة الإيرادات والوظائف والنمو لليابان كما للسعودية.

تستهدف السعودية تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري من خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، ومن تلك المشاريع، مدينة نيوم التي تهدف لتكون نموذجاً لمدينة مستقبلية تعتمد بشكل كامل على الطاقة المتجددة، ومشروع سكاكا للطاقة الشمسية في الجوف، وهو أول مشروع طاقة شمسية بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 300 ميغاواط عبر أكثر من 1.2 مليون لوحة شمسية تقام على مساحة ستة كيلومترات مربعة، ومشروع محطة الطاقة الشمسية في سدير، وتصل قدرة إنتاجه إلى 1500 ميغاواط، ومشروع الملك سلمان للطاقة الشمسية.

إضافة إلى مشروع رياح دومة الجندل لطاقة الرياح الذي يعتبر أول مشروع لتوليد الطاقة من الرياح في السعودية بطاقة إنتاجية تبلغ 400 ميغاواط لتشغيل 70 ألف منزل، وبدأ تشغيل المشروع في عام 2022 بـ 99 توربيناً. وتعد اليابان أحد البلدان الرائدة في هذا المجال، ولديها مميزات كثيرة في البحث والتطوير والابتكار والبنية التحتية في الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الحرارية الأرضية والمائية.

مدن ذكية في السعودية

تضمنت رؤية 2030 خططاً لتطوير مدن ذكية تتضمن تطوير بنية تحتية تعتمد على التكنولوجيا الحديثة مثل شبكات الاتصالات المتقدمة، وإنترنت الأشياء، والشبكات الذكية لإدارة الطاقة والمياه والنقل الذكي، إضافة إلى تعزيز بيئة الأعمال لجذب الشركات التكنولوجية الناشئة والمستثمرين، من خلال مشاريع مثل نيوم، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، والقدية وهي مشروع ترفيهي رياضي، ومشروع البحر الأحمر، تسعى السعودية إلى تحقيق تحول جذري في بنية المدن وخدماتها.

أمام هذه المشاريع الضخمة والطلب المتزايد في هذا القطاع يمكن للشركات اليابانية المعروفة بتكنولوجيا التخطيط الحضري وحلول المدن الذكية والتكنولوجيا العالية، أن تلعب دوراً محورياً في هذه المشاريع، كما يمكن الاستفادة من تقنيات اليابان المتقدمة في قطاع السكك الحديدية عالية السرعة وأنظمة النقل العام لتطوير البنية التحتية للنقل في السعودية بالأخص تلك المتعلقة في نقل الحجاج وضيوف الحرمين الشريفين.

وأمام اتجاه السعودية نحو تطوير صناعة السيارات في المملكة، يمكن لعمالقة السيارات في اليابان مثل تويوتا وهوندا ونيسان وإيسوزو ومازدا وهوندا ولكزس إنشاء مصانع لتصنيع السيارات في السعودية، خصوصاً المركبات الكهربائية. حيث تعد السعودية أحد الأسواق المتنامية في الشرق الأوسط، ومن شأن هذا أن يخلق وظائف للبلدين ويزيد الصادرات وينعش النمو الاقتصادي.

هناك نحو 11 مليون سيارة على طرقات السعودية اعتباراً من عام 2022، ويأتي ذلك مع إضافة ما يقرب من 650 ألف مركبة جديدة سنوياً، نصفها مستورد من شركات صناعة السيارات اليابانية، وشكلت المركبات أكثر من 70% من صادرات اليابان إلى السعودية في عام 2022.

وتطمح السعودية أيضاً إلى بناء نظام متين للشركات الصغيرة والمتوسطة لزيادة إسهاماتها السنوية في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 35%، في المقابل لدى اليابان تجربة فريدة في هذا الإطار، إذ تساهم الشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة تقارب 50% من الناتج المحلي الإجمالي، ومسؤولة عن توفير فرص العمل لنحو 70% من القوى العاملة اليابانية.

أخيراً، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2022 نحو 47 مليار دولار مسجلاً فائضاً بمقدار 34 مليار دولار لصالح السعودية، وتسعى المملكة للدخول إلى اليابان من بوابة هذا الفائض والاستفادة من تطور وتقدم اليابان. في المقابل تسعى اليابان للدخول إلى السعودية من بوابة رؤية 2030 لتحفيز اقتصادها الراكد والتخلص من المشاكل الاقتصادية التي تعانيها منذ عقود.

المساهمون