فوائد اقتصادية متنوعة توفرها عملية توطين قطاع الطيران المدني في السعودية، التي أُعلن، في 3 مارس/آذار الجاري، دخول المرحلة الثانية منها حيز التنفيذ، خاصة بعدما نجح برنامج توطين الوظائف بالمملكة في خلق العديد من فرص العمل للسعوديين والسعوديات في القطاع الخاص، خاصة في المهن النوعية والتخصصية.
وأسهم برنامج التوطين في ارتفاع معدل المشاركة للقوى العاملة السعودية إلى 52% عام 2023، بحسب بيانات رسمية، ومن المقرر أن يشمل تطبيق المرحلة الثانية منه في قطاع الطيران المدني مهن: مضيف طيران بنسبة 60%، وطيار جناح ثابت بنسبة 70%، حسب بيان أصدرته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة، مع اشتراط حصول العاملين في مهن الطيران المستهدفة على شهادة الاعتماد المهني المقدمة من الهيئة العامة للطيران المدني".
وفي يونيو/حزيران 2022، أصدر وزير الموارد البشرية السعودي أحمد الراجحي 6 قرارات لتوطين مهن مختلفة، من بينها قطاع الطيران، وأفاد آنذاك بأن القرار يهدف إلى توفير أكثر من 33 ألف فرصة عمل في مختلف مناطق المملكة، ورفع مستوى مشاركة المواطنين والمواطنات في سوق العمل، وتعزيز إسهامهم في المنظومة الاقتصادية.
وبدا الاهتمام الحكومي بتنفيذ المرحلة الثانية من توطين مهن الطيران واضحا بإصدار وزارة النقل السعودية والخدمات اللوجستية بيانا بالتزامن مع بيان وزارة الموارد البشرية، أكدت فيه حرصها على متابعة تنفيذ المرحلة و"تمكين منشآت القطاع الخاص من جميع برامج الدعم والتوظيف".
خطة توسعة
يشير الخبير الاقتصادي علي أحمد درويش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن خطة السعودية 2030 المتبعة حاليا هي تنمية القطاعات المنتجة في المملكة وتأمين أكبر عدد من فرص العمل للسعوديين تحديدا، وهو ما حققت فيه نجاحا ظهر جليا في نسبة النمو الاقتصادية وزيادة نسبة التوطين بالوظائف.
ويضيف درويش أن قطاع الطيران باشر الخطوة الأولى لتوطين الوظائف بالتوازي مع خطة لتوسعة المطارات السعودية، وزيادة عددها من 28 إلى 35 مطارا، ورفع طاقتها الاستيعابية من 100 مليون إلى 330 مليون مسافر سنويا بحلول عام 2030.
ولمطار الرياض خصوصية في هذا الإطار، بحسب درويش، ما دفع باتجاه ضخ استثمارات كبيرة في هذا القطاع، خاصة في ظل الحاجة المتعاظمة للتنقل الجوي.
ويلفت درويش، في هذا الصدد، إلى خطة سعودية لتوطين نحو 4 آلاف وظيفة بقطاع الطيران المدني السعودي، تشمل العاملين على أراضي المطارات والطيارين والمضيفين، بعد لقاء أجرته قيادات القطاع مع نظرائها بالولايات المتحدة، الشهر الماضي، لتوسيع صناعة الطيران المدني بالمملكة، والاستفادة من الخبرات الأميركية في هذا الشأن.
ويعزز من هذه الشراكة أن حجم التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة يفوق 30 مليار دولار وجزء كبير منه يختص بقطاع الطيران، وبنسبة تصل إلى 9%، بحسب درويش، وبالتالي فالاتجاه نحو دعم هذا القطاع مرشح للتصاعد، خاصة في ظل توافر الاستثمارات وتواصل تحقيق النمو الاقتصادي بالمملكة.
الصناعات الثقيلة
يؤكد الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن اتجاه السعودية لتوطين صناعة الطيران المدني يعني أن المملكة انتقلت من مستوى اقتصاد الصناعات البسيطة إلى "اقتصاد الصناعات الثقيلة"، وهي الصناعات التي تمثل أعمدة أساسية لاستدامة النمو الاقتصادي.
ويرى عجاقة أن توطين العديد من الصناعات الثقيلة في السعودية ضمن توجهها لتوطين صناعة الطيران المدني يظهر، يوما بعد يوم، أن رؤية المملكة 2030 تتسم بالطابع الشمولي، وتستطيع من خلالها تغطية كل النواحي الاقتصاد واستدامته.
وفي السياق، يتوقع عجاقة أن يؤدي التوجه السعودي الجديد إلى تعزيز تنويع اقتصاد المملكة استنادا إلى القطاعات غير المرتبطة بالنفط، ومن شأن ذلك أن يمثل ضمانة لاستدامة النمو من جانب وتشغيل اليد العاملة من جانب آخر.
كما يرجح عجاقة أن تشهد السعودية في المرحلة القادمة تحولا جوهريا بالاقتصاد في إطار رؤية 2030، "ما ستكون له تداعيات على المدى الطويل في سوق العمل داخل المملكة وعلى الناتج المحلي الإجمالي لها.
ويلفت الخبير الاقتصادي، في هذا السياق، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي السعودي تخطى في عام 2030 ترليون دولار، ما يجعل المملكة في مصاف الدول الكبرى من ناحية حجم الاقتصادات حول العالم.