السعودية تعرض "رؤية خضراء" في مؤتمر "كوب 27" وسط انتقادات وتشكيك

13 نوفمبر 2022
قرب مركز انعقاد القمة في مصر (Getty)
+ الخط -

سيارات تعمل بالهيدروجين، ومركبات تلتقط ملوثات أنابيب العادم، وفأرة حاسب مصنوعة من نفايات المحيط البلاستيكية المعاد تدويرها، وزراعة مئات الملايين من الأشجار في الصحراء... تلك هي رؤية السعودية لمستقبل صديق للبيئة معروضة على مسافة قصيرة بالسيارة من مكان انعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ "كوب 27" في مصر.

لكن ما لم يلق عليه هذا الجناح البراق الضوء هو الوقود الأحفوري الذي يتسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض، والذي تواصل السعودية ضخه إلى الأسواق العالمية.

كانت انبعاثات الوقود الأحفوري السبب الرئيس في مشاركة مندوبين من نحو 200 دولة في المؤتمر السنوي، الذي يستمر أسبوعين، للتفاوض حول كيفية الحد من التلوث ومدى سرعة القيام بذلك.

قدمت السعودية نفسها خلال المؤتمر دولةً رائدةً في مجال الطاقة الخضراء والممارسات الصديقة للبيئة، بأجنحة براقة وعروض أخاذة وتقييمات متفائلة لتقنيات مثل التقاط الكربون القادرة على إزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء، لكنها مكلفة وقد تستغرق سنوات لنشرها على نطاق واسع.

قال المبعوث السعودي لشؤون المناخ عادل الجبير في منتدى "مبادرة السعودية الخضراء"، الذي يستمر يومين على هامش مؤتمر كوب27: "لدينا أهداف وغايات طموحة للغاية. نريد أن نكون قدوة للعالم في ما يتعلق بما يمكن القيام به".

يعد هذا الجهد جانبا من جهود السعودية، التي تمتلك أحد أضخم الاحتياطيات النفطية في العالم والعضو الأساسي في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، لإثبات رغبة المملكة في التحول إلى الطاقة المتجددة، مع الاحتفاظ بدورها كأكبر مصدر عالمي للنفط الخام.

معارضة للمشاريع النفطية

لكن هذه الرؤية تلقى معارضة قوية من علماء المناخ وخبراء البيئة، الذين يؤكدون أن السعودية والدول الأخرى التي تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط تسعى إلى تشتيت انتباه العالم لمواصلة عملها.

أعلن وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود، عن مجموعة من المشروعات الجديدة الصديقة للبيئة أو تطوير المشروعات القائمة، بدءا من التعهدات بزراعة الأشجار إلى مشروعات الطاقة الشمسية الجديدة.

كما أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مبادرته "السعودية الخضراء" في مؤتمر كوب26، العام الماضي، في غلاسكو باسكتلندا، بهدف الوصول إلى "صفر" انبعاثات لغازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2060، والتي قام بتغييرها إلى عام 2050 في بداية اجتماع هذا العام.

لكن صادرات الطاقة تشكل الدعامة الأساسية للاقتصاد السعودي، التي تحقق 150 مليار دولار من الإيرادات السنوية، على الرغم من الجهود المبذولة لتنويع مصادر الدخل مع تسارع التحول العالمي بعيدا عن الاعتماد على الوقود الأحفوري.

في الجناح السعودي من كوب27، عقد مسؤولون ومتحدثون مدعوون من شركات الطاقة المتجددة موضوعات مثل الهيدروجين النظيف، وتخضير الصحراء، ومشروع مدينة صحراوية مستقبلية يطلق عليها اسم "نيوم".

وقال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط المملوكة للدولة، أمين الناصر، إن العالم بحاجة إلى مزيد من الاستثمار في النفط والغاز، وليس أقل، وهي رسالة تتعارض مع المشاعر السائدة بين العديد من وفود الدول وخبراء المناخ والنشطاء الحاضرين في فعاليات "كوب27″.

وقال الناصر متحدثا عن موضوعات متكررة: "أنا قلق بسبب نقص الاستثمار في النفط والغاز على وجه الخصوص".

تحذيرات سعودية

قاومت السعودية دعوات إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بشكل عاجل، محذرة من أن التحول المبكر قد يؤدى إلى ارتفاع الأسعار ونقص المحروقات.

وإلى هذا، قال الناصر: "نعم، هناك استثمارات جيدة تحدث في البدائل" مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مضيفا أن حجم الأموال التي تُنفق على الطاقة الإنتاجية للنفط انخفض إلى 400 مليار دولار سنويا من 700 مليار دولار في عام 2014.

وأضاف: "هذا لا يكفي لتلبية الطلب العالمي على الأمدين المتوسط والطويل". وقال متحدث باسم "أرامكو" إن الناصر ليس متاحا لإجراء مقابلة.

ومن بين الإعلانات السعودية، كانت هناك خطط لإنشاء مركز إقليمي "لتعزيز خفض الانبعاثات" وآخر لاستضافة أسبوع المناخ الإقليمي قبل اجتماع "كوب 28" العام المقبل.

هناك أيضا خطة لإقامة 13 مشروعا للطاقة المتجددة بسعة توليد إجمالية تبلغ 11.4 جيغاوات، على الرغم من أن الخبراء قالوا إن هذا يعد خطوة إلى الوراء عن الأرقام التي أُعلن عنها في السنوات السابقة.

وبمجرد أن تُشغّل، ستعمل مشروعات الطاقة الجديدة على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 20 مليون طن سنويا.

وتخطط طأرامكو" السعودية لبناء أكبر مركز لاحتجاز الكربون وتخزينه في العالم، والذي سيخزن ما يصل إلى 9 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون عندما يُشغّل في عام 2027.

كل هذا جزء من تعهد المملكة بخفض الانبعاثات بمقدار 278 مليون طن سنويا بحلول عام 2030.

ولا يزال هذا القدر صغيرا مقارنة بحوالي 10 مليارات طن متري من الكربون المنبعث عالميا في الهواء سنويا.

كما رفعت المملكة هدفها في زراعة الأشجار إلى 600 مليون شجرة بحلول عام 2030، بما في ذلك أشجار المانغروف، في زيادة مقارنة مع هدفها الأولي البالغ 450 مليون شجرة. بيد أن خبراء المناخ غير مقتنعين.

اقتراحات بديلة

في السياق، قالت ميا مويسيو، خبيرة سياسة الطاقة المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد المناخ الجديد: "ستكون السعودية في وضع أفضل حال التركيز على خفض الانبعاثات بدلا من الاعتماد على احتجاز الكربون وتخزينه والتخفيضات المشكوك فيها من قبيل زراعة الأشجار، والتي من شأنها أن تسمح لها ببساطة بمواصلة زيادة الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري".

وأضافت: "للحفاظ على الانبعاثات على مسار 1.5 درجة مئوية، يجب على جميع الحكومات التركيز على خفض انبعاثات الوقود الأحفوري، وليس تعويضها".

ويصنف برنامج تعقب العمل المناخي، الذي يديره المعهد وشركاؤه، ملف السعودية بأنه "غير كاف للغاية".

يحلل البرنامج أهداف وسياسات المناخ للدول مقارنة بأهداف اتفاقية باريس لعام 2015، التي تنص بشكل مثالي على الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت).

تروج السلطات السعودية لما تسميه "الاقتصاد الكربوني الدائري" لخفض الانبعاثات من عمليات النفط والغاز، لكن البرنامج يقول إن هذا "يعالج فقط جزءا بسيطا من الانبعاثات ذات الصلة في السعودية وعلى مستوى العالم، حيث إن معظم الانبعاثات تتعلق بالنفط والغاز وتأتي من احتراق الوقود عوضا عن الاستخراج والمعالجة".

تطلق أصول النفط والغاز في السعودية 900 مليون طن من الانبعاثات سنويا، وفقا لقائمة جرد لأهم المصادر المعروفة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي أعدها تحالف "كلايمت تريس" وتم إطلاقها في "كوب 27″.

وهناك أيضا خطة لائتمان وتعويض غازات الاحتباس الحراري في العام المقبل، مع القليل من التفاصيل. أصبحت ائتمانات الكربون، التي تسمح للدول والشركات بالسداد لتقليل بصماتها الكربونية، على سبيل المثال من خلال زراعة الأشجار، مثيرة للجدل بشكل متزايد، إذ يقول منتقدون إنها بمثابة ترخيص للشركات الملوثة للإبقاء على التلوث.

واجهت السعودية، خلال محادثات العام على الأقل في غلاسكو، اتهامات بأن مفاوضيها يعملون على عرقلة الإجراءات المناخية التي قد تهدد الطلب على النفط، وهو اتهام وصفه وزير الطاقة بالمملكة بأنه كذبة.

ومع اقتراب المفاوضات بشأن الاتفاقية النهائية في الأسبوع الثاني والأخير من "كوب 27″، حذرت مجموعات المراقبة من تأثير ما يسمى بقطاع النفط وجماعات الضغط في الصناعة. وأحصوا 636 شخصا مرتبطين بشركات الوقود الأحفوري في القائمة المؤقتة للمشاركين في الاجتماع، ما يزيد بمقدار الربع على حصيلة العام الماضي.

وإلى هذا، قالت أليس هاريسون، الناشطة في منظمة "غلوبال ويتنس"، إحدى المجموعات التي قامت بالحصر: "ربما يأتي السعوديون إلى كوب 27 بقبعة خضراء ويمجدون فضائل زراعة الأشجار، لكن هذه حالة تستمر في الاستفادة بشكل كبير من الممارسات المدمرة التي تسببت في أزمة المناخ... أي معارض أو محادثات أو عروض عكس ذلك هي مجرد غسيل أخضر".

(أسوشييتد برس)

المساهمون