تعديلات متوقعة في نظام الشركات السعودي يترقبها المستثمرون خلال الفترة القادمة، بعدما أعلنت هيئة سوق المال في المملكة البحث عن إطار قانوني لإدراج "شركات الشيك على بياض".
وأثار الإعلان السعودي التساؤلات عن القيمة التي يمكن أن يمثلها إدراج هكذا شركات في البورصة، والإضافة التي يمكن أن تقدمها لاقتصاد المملكة، الذي يشهد طفرة نمو كبيرة، بلغت نسبة 8.7% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة خلال عام 2022.
وهذه النسبة هي أعلى معدلات النمو بين دول مجموعة العشرين في العام الماضي، ما يعود إلى ارتفاع عائدات النفط والغاز من جانب، والمضي قدما في تنويع اقتصاد المملكة، عبر قطاعات على رأسها التعدين والصناعة والخدمات التجارية والمالية، من جانب آخر.
خصائص نظام الأوفشور
ويشير المستشار الاقتصادي والخبير المالي هاشم الفحماوي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن شركات الشيك على بياض (أو الشيكات الفارغة) أصبحت واقعا قبل أعوام، فهي موجودة من نحو 10 سنوات في مناطق مثل جزر العذراء البريطانية.
ونظام رخص الأوفشور يمنح الشركات والأفراد حق إنشاء شركات تتمتع بضرائب منخفضة أو معدومة، كما يسمح بإنشاء الشركات دون الحاجة إلى وجود مقر لها، وبالتالي يقلل التكاليف المتعلقة بالإدارة والضرائب بشكل كبير.
وبموجب تلك الرخصة، لا تسمح الدول بالاطلاع على رخصة مزاولة نشاط الشركات، كما يجري في جزر كايمان. كما يمكن فتح صناديق استثمارية، والاستحواذ بها على مناقصات حكومية كما يجري في سنغافورة، بحسب الفحماوي، مشيرا إلى أن شركات الشيك على بياض هي من فروع نظام الأوفشور.
وعليه، فإن شركات الشيك على بياض يمكنها ضخ استثمارات من دون إمكانية الاطلاع على خططها الاستثمارية المستقبلية، ولذا فهي شركات "غامضة" نوعا ما، حسب تعبير الفحماوي.
الاستحواذات السيادية الخاصة
لماذا تتجه السعودية إلى تأطير هذه الشركات قانونياً إذن؟ يجيب المستشار الاقتصادي بأن نظام ترخيص شركات الشيك على بياض قد يكون مفيدا لعمليات "الاستحواذ" السيادية التي تتطلع إليها دول خليجية، على رأسها المملكة.
وتتعلق هذه العمليات بعروض لشراء أصول في دول حول العالم، خاصة دول في المنطقة العربية، على رأسها مصر والأردن، حيث تأتي خطط شراء الأصول فيهما بمثابة "خطة إنقاذ" اقتصادية، بينما هي "خطة تحفيز استثماري" بضمانات استثنائية بالنسبة للصناديق السيادية والدول المالكة لها.
وهنا يضرب الفحماوي مثالا بالاستحواذ على أصول حكومية مصرية من قبل صناديق سيادية سعودية وإماراتية وقطرية، لكن من دون الإعلان عن اسم الشركات المستحوذة، مشيرا إلى أن هكذا صفقات تتم غالبا بنظام شركات الشيك على بياض.
ونظام رخص الأوفشور يمنح الشركات والأفراد حق إنشاء شركات تتمتع بضرائب منخفضة أو معدومة،
ويشير إلى أن الاستحواذ على الأصول الحكومية تحديدا يحتاج إلى قدر من حجب الإفصاح عن المعلومات الخاصة بالشركات المستحوذة، وهو ما تطبقه دول خليجية، على رأسها السعودية.
تعديلات نظام الشركات
في 19 يناير الماضي، بدأ تطبيق تعديلات جديدة على نظام الشركات السعودية، عبر نظام يمنح مرونة كبيرة للشركات من خلال إزالة القيود في جميع مراحل التأسيس، والممارسة والتخارج، كما يمنح مرونة كبيرة على أسماء الشركات، وتداول الأسهم.
وحسب وكيل هيئة السوق المالية في السعودية، يزيد صالح الرميحي، فإن البحث جار في المملكة عن إطار قانوني للسماح لما سماها "شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة" بالإدراج في المملكة، حسبما أوردت وكالة بلومبيرغ.
ولم يحدد الرميحي إطارا زمنيا لوضع الإطار القانوني، لكنه أشار إلى أن إدراج هكذا شركات في البورصة السعودية يهدف إلى "الاستحواذ على شركات خاصة".
سوق المنطقة البكر
لا تزال سوق شركات الشيك على بياض صغيرة في منطقة الشرق الأوسط، وكانت شركة "شيميرا للاستثمار"، المدعومة من قبل صندوق أبوظبي السيادي القابضة "ADQ"، أول شركة من هذا النوع تُدرج في المنطقة، العام الماضي.
وجمعت شركات الشيكات على بياض مبلغا قياسيا عام 2020 بأكثر من 100 مليار دولار نتيجة طرحها في الأسواق العالمية، لكن هذا الازدهار لم يدم، إذ تحوّلت هذه الشركات سريعاً من كونها واحدة من أحدث صيحات وول ستريت، إلى قطاع محاصر بعائدات ضعيفة، وإلغاء صفقات وتلاشي حماس المستثمرين.
وبينما تلاشى شغف المستثمرين حول العالم بهذا النوع من الشركات، بعد وضعها تحت مزيد من التدقيق وارتفاع أسعار الفائدة، تبدو سوقها في المنطقة العربية لاتزال بكرا، خاصة في ظل طرح العديد من الأصول الحكومية للبيع في دول تعاني أزمات اقتصادية طاحنة.