تتالى هزات اقتصادية ارتدادية في تركيا بالتوازي مع تبعات زلزالين وأكثر من 2700 هزة ارتدادية، نالت من قطاع العقارات في الولايات العشر المنكوبة ورفعت من عدد القتلى إلى أكثر من 35 ألفاً، في مأساة وصفها المختصون بالأقوى منذ 100 عام، وتفوق آثار زلزال "كهرمان مرعش" ربما ضعفي خسائر زلزال "ازميت بولاية قوجي ايلي" عام 1999 الذي تأخذ منه أنقرة مقياساً من حيث عدد القتلى أو الخسائر الاقتصادية.
فحلم نمو الاقتصاد التركي للعام الجاري بنحو 5.2% كما كانت التوقعات بدأ يتراجع بعد ملامح الخسائر الاقتصادية التي لم تتكشف بدقة بعد، لكن ما قدره اتحاد الشركات والأعمال في تركيا عن وصول حجم خسائر الزلزال لنحو 84 مليار دولار، وارتفاع عجز الموازنة من 3.5% إلى 5.4% على الأقل، دفع الجميع لإعادة النظر في اقتصاد كان يتطلع العام الجاري باهتمام بالغ، كونه عام انتخابات البرلمان والرئاسة وذكرى مئوية تأسيس الجمهورية، لدخول نادي العشرة الكبار.
يرى الخبير الاقتصادي التركي أوزجان أويصال أنه من "الخطأ" النظر فقط إلى خسائر قطاع العقارات وتدمير نحو 13 ألف مبنى، كما قال وزير التطوير العمراني، مراد قوروم، لأن ما طاول الولايات العشر المنكوبة "هائل" وعلى مستويات عدة، إذ إن "أكثر من 60% من سكان المنطقة نزحوا إلى ولايات آمنة، فعندها يمكننا تصوّر الخسائر على الزراعة والصناعة والتصدير والسياحة". ويقطن الولايات المنكوبة العشر نحو 13 مليون نسمة.
ويضيف أويصال لـ"العربي الجديد" أن الخدمات في معظم الولايات المنكوبة، من غاز وكهرباء، لا تزال متوقفة بعد أضرار الخطوط وأنابيب النقل، ما زاد من نزوح السكان. وأدى ذلك إلى وقف الإنتاج الزراعي بمناطق توصف بخزان تركيا الزراعي نظراً لإنتاج الخضر والفواكه والفستق الحلبي والقمح، كما تعتبر ولايات جنوبي تركيا مصدر الإنتاج الحيواني للبلاد.
وحول الصناعة، يرى الاقتصادي التركي أن "الولايات المنكوبة تشتهر بصناعة الصلب والصناعات الزراعية والجلدية والألبسة وهناك مدناً صناعية كبرى بولايتي غازي عنتاب وأضنة".
من جهته، يقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بإسطنبول، محمد كامل ديميريل لـ"العربي الجديد" إن مساهمة الولايات العشر تمثل 14% من الناتج الزراعي و11% من الناتج الصناعي و1% من القطاع السياحي، لذا لا يمكن إنكار الآثار الاقتصادية المباشرة أو حتى غير المباشرة التي ستنعكس لاحقاً على السياحة والصادرات أو التي ستأتي من التعويض وإعادة الإعمار.
وفي حين يركز ديميريل على أضرار اليد العالمة في تركيا، جراء الموت والإصابات والنزوح، يرى أن "الاقتصاد التركي وجراء المساعدات الدولية وتنوعه وما تمتلك بلاده من علاقات واحتياط أجنبي وذهب، سيبدأ بالتعافي نهاية العام الجاري". متوقعاً أن "تؤجل بلاده الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى حين انتهاء فترة الطوارئ" وقد تمدد الطوارئ لثلاثة أشهر أخرى".
وبحسب المتحدث، لا بد من الإشارة إلى "الجهود الهائلة" التي قامت بها بلاده، مثل الانتهاء من تأهيل وإعادة تشغيل مطار هاتاي و"بدء رحلات الطيران ذهاباً وإياباً منذ اليوم الثلاثاء"، كما فتحت جميع الطرق السريعة من وإلى الولايات المنكوبة، وتم إخماد الحرائق في ميناء إسكندرون وتأهيل الميناء لإعادة تشغيله والبدء باستقبال حاويات التصدير والاستيراد والبدء بعمليات الترميم لشركات التصدير.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي التركي، خليل أوزون، إن كل مصانع الصلب في الجنوب "إسكندرون وعثمانية" ما سيعيق الصناعة التركية برمتها. وكانت مصادر متخصصة قد توقعت أن تظل مصانع الصلب العملاقة في جنوب تركيا مغلقة لأسابيع، مع توقف خطوط الإنتاج في وقت يحاول العمال التعايش مع تداعيات الزلزالين المدمرين اللذين هزّا المنطقة.
وتُعتبر تركيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة ومصدِّرة للصلب في العالم، كما تُعد تلك الصناعة من بين أول القطاعات التي تصدر تقييماً لخسائر أكثر الزلازل المدمرة التي تضرب البلاد خلال نحو قرن من الزمان. إذ هناك أكثر من 10 منشآت وتمثل ثلث إنتاج الصلب على مستوى البلاد، وفقاً لما قاله فيسيل يايان، الأمين العام لاتحاد منتجي الصلب الأتراك لوكالة بلومبيرغ الأميركية، موضحاً أن "كل مصانع الصلب في المنطقة مغلقة. وربما تظل مغلقة حتى نهاية الشهر الجاري على الأقل، أو ربما حتى منتصف مارس/ آذار المقبل".
لكن أوزون المنحدر من مناطق الزلزال يرى أن الصناعات الزراعية "بشقيها النباتي والحيواني" ستكون متضررة أكثر وستؤثر على الأسواق والصادرات، مضيفاً أن "تعافي الولايات العشر يحتاج نحو 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد البالغ نحو 850 مليار دولار، علماً أن حصة المناطق المنكوبة من الناتج المحلي الإجمالي نحو 9.3%، أي ما يعادل 76 مليار دولار".
ويشير أوزون إلى أن كبرى المنشآت المتخصصة في النسيج والغذاء والجلديات، تأخذ من الجنوب مقراً لها، فرغم تدني مساهمة الولايات المنكوبة بالصناعة إلى نحو 11% فقط، لكنها تحتوي على 151 شركة من بين أكبر 500 شركة صناعية في تركيا.
وتعتبر ولايتا الجنوب "عنتاب، عثمانية" من أكثر مناطق تركيا شهرة بصناعة الألبسة الجاهزة التي بلغت عائدات تركيا من صادراتها العام الماضي نحو 21.2 مليار دولار، بحسب بيانات مجلس المصدرين الأتراك.
من جانبه يقول الباحث التركي باكير أتاكجان لـ"العربي الجديد" إن أربعاً من الولايات المنكوبة تأتي ضمن أهم عشر ولايات تركية بالزراعة، كما أن الإنتاج الحيواني الذي يمثل نحو 25% من المنتجات الزراعية التركية جلّه في مناطق الزلزال.