بورصة طهران تواصل النزيف رغم تحسن صرف الريال الإيراني

19 يناير 2021
متعاملون في بورصة طهران
+ الخط -

تشهد الأسواق الإيرانية هذه الأيام تطورات في اتجاهات متباينة؛ فمن جهة، يسجل الريال الإيراني ارتفاعاً ملحوظاً ومستمراً، ومن جهة أخرى تواصل بورصة طهران نزيفها الحاد المستمر منذ ستة أشهر تقريباً.

وتراجعت أسعار العملات الأجنبية مقابل الريال الإيراني، وكذلك أسعار الذهب يوم الإثنين الماضي متأثرة بانخفاض سعر الدولار الأميركي. فبعد أن كان سعر صرف الدولار الأميركي نحو 250 ألف ريال في السوق الحر خلال الأسبوع الماضي، تراجع إلى 210 آلاف ريال وسط توقعات بأن يستمر ارتفاع الريال مقابل العملات الأجنبية خلال الأيام المقبلة.

ورصد "العربي الجديد" في سوق العملات الصعبة في شارع "فردوسي" وسط العاصمة طهران، أن عدد البائعين للعملات الأجنبية وبالذات الدولار الأميركي واليورو أكبر من المشترين، وأن الطلب على هذه العملات يسجل تراجعاً ملحوظاً، ما تسبب بانخفاض مستمر لأسعارها مقابل الريال. 

ويعود تحسن الريال الإيراني إلى "أسباب سياسية ونفسية أكثر من أن تكون هناك أسباب اقتصادية حقيقية"، حسب الخبير الاقتصادي الإيراني، إيرج يوسفي لـ"العربي الجديد"، الذي قال إن البنك المركزي الإيراني من جهة "يسعى إلى خفض أسعار العملات الأجنبية إلى أقل ما يمكن"، ومن جهة أخرى، "قد تركت التطورات السياسية في الولايات المتحدة وقرب تولي الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن السلطة أثرها النفسي" على أسواق العملات الأجنبية في إيران.

ويشير يوسفي إلى بعض الأسباب الاقتصادية، منها "السوق المالي المشكّل خلال الخريف من قبل البنوك الإيرانية لتحديد أسعار العملات بعيداً عن مؤثرات الأسواق"، واحتمال انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي الدولية FATF بعدما عاود مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران أخيراً مناقشة اتفاقيتين مرتبطتين بالمجموعة سبق أن رفض إقرارهما.

وأضاف يوسفي أن هناك توقعات بأن يتم الانضمام إلى "فاتف" لإخراج إيران من قائمتها السوداء، مما يسهل معاملاتها المالية مع الخارج. أما السبب الاقتصادي الآخر، حسب الخبير الإيراني، فهو ضخ البنك المركزي كميات من الدولار في السوق خلال الأيام الأخيرة، قائلاً إن جزءاً منها يعود إلى "الحصول على أرصدة إيرانية مجمدة من الخارج وتحديداً في العراق". 

وفي السياق، أكد يوسفي أن التوقعات باحتمال تحرير الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج، في الصين والهند وكوريا الجنوبية والعراق ودول أخرى خلال الفترة المقبلة، أيضا يعلب دورها في تحسين قيمة الريال وخفض أسعار العملات الأجنبية ولاسيما الدولار.  

وعن مدى إمكانية تحقق وعود الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أخيرا، بتراجع سعر صرف الدولار إلى 150 ألف ريال اذا تم تحرير الأرصدة الإيرانية المجمدة، قال يوسفي إن ذلك مرتبط بجملة عوامل، مؤكدا أنها تتمثل "أولا في إلغاء العقوبات المفروضة على إيران، أو على الأقل رفع الحظر عن تعامل الشركات التجارية الأجنبية مع طهران، وثانيا تحرير الأموال الإيرانية في الصين والعراق والهند وكوريا الجنوبية، وثالثا إمكانية التعاملات المصرفية بين البنوك الإيرانية والبنوك الأجنبية والأوروبية والتحويلات الماليية بين الطرفين، ورابعا ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي". 

أسباب نزيف البورصة

على صعيد سوق الأسهم، استمر نزيف البورصة الإيرانية في بداية الأسبوع الجاري وخسرت خلال معاملات الاثنين أكثر من 36 ألف نقطة، وذلك في تراجع مستمر حاد منذ 6 أشهر، ما أثار قلق المستثمرين الإيرانيين ودفع بعضهم إلى التجمع، أمام مقر بورصة طهران احتجاجاً على الوضع وتوجيه اتهامات للحكومة وإدارة البورصة بالتسبب بسقوطها إلى هذا المستوى القياسي.

وكانت البورصة الإيرانية قد سجلت نموا كبيرا خلال العامين 2019 والنصف الأول من العام 2020، حيث ارتفعت مؤشراتها إلى مليونين و100 ألف نقطة، قبل أن يدخل في مسار تراجعي مستمر منذ أغسطس/ آب الماضي إلى أن فقدت نحو 50 في المائة من قيمتها، وتراجعت إلى المليون و149 ألف نقطة خلال معاملات الإثنين.  

ويتهم مستثمرون إيرانيون حكومة الرئيس حسن روحاني بأنها تعويضا لعجز الموازنة شجعتهم على الاستثمار في البورصة وباعت أسهم شركات كبرى لها بأسعار عالية، لكنها بسياساتها الخاطئة تركت البورصة وحدها منذ الصيف لتنزف بشكل مستمر، حسب قول هؤلاء المستثمرين المحتجين. 

لكن هناك آراء تعزو هذا النزيف إلى الأجواء المشحونة بين طهران وواشنطن خلال الشهور الأخيرة وسط توقعات باحتمال نشوء مواجهة عسكرية في أي لحظة، وخاصة بعد خسارة  الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب الانتخابات الأخيرة.  

غير أن هناك أسبابا اقتصادية أيضا، إذ يقول المدير التنفيذي السابق لبورصة طهران، علي رحماني، لـ"العربي الجديد"، أن أحد هذه الأسباب يعود إلى تصحيح الأسعار بعد قفزة شهدتها أسعار الأسهم في البورصة، من مطلع مايو/ أيار إلى أغسطس/آب الماضي، مشيرا إلى أن دخول مستثمرين جدد واستثماراتهم الكبيرة في البورصة تسبب في ارتفاع أسعار الأسهم. 

وقال إن "ارتفاع أسعار الكثير من الأسهم لم يكن مبنيا على عوامل اقتصادية وشركاتها لم تحظ بأسس اقتصادية قوية"، عازيا السبب الآخر إلى عرض كميات كبيرة من الأسهم الحكومية وأسهم شركات كبرى خصصتها الحكومة سابقا للأسر الإيرانية محدودة الدخل، تحت عنوان "أسهم العدالة". 

وأضاف رحماني أن الحكومة بعد بيعها هذه الأسهم أعادت سيولة كبيرة إلى الخزانة وأخرجتها من البورصة التي فقدت هذه السيولة فتراجع الطلب على شراء الأسهم، معتبرا أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة أثر أيضا بشكل سلبي على البورصة. 

كما ربط المدير التنفيذي السابق لبورصة طهران نزيفها الحاد خلال الأيام الأخيرة بتأثيرات إيجابية قد يتركها تولي الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن السلطة على عملة الريال الإيرانية، متوقعا حدوث انفراجات في موضوع العقوبات وخفضها، وقال إن هذه التوقعات أدت إلى تراجع أسعار العملات الأجنبية وارتفاع الريال، مما أثار مخاوف بشأن إيرادات الشركات الكبرى مثل البتروكيماويات والفولاذ والمعادن، والتي تعتمد على أسعار العملات الأجنبية.  

ورغم هذه المخاوف لدى المستثمرين الإيرانيين من تأثير تراجع قيمة العملات الأجنبية على البورصة سلبا، يتوقع رحماني أن تترك أي انفراجات اقتصادية محتملة في إيران بعد وصول بايدن إلى السلطة، تأثيرات إيجابية على البورصة الإيرانية على المدى المتوسط والبعيد، وذلك من خلال ارتفاع مستوى الصادرات وتراجع أسعار السلع المستوردة، ما يساهم في توقف النزيف وعودة البورصة إلى المسار التصاعدي، حسب قوله. 

إلى ذلك، تحدث الآكاديمي الإيراني عن أسباب أخرى لاستمرار تراجع البورصة مثل الاستقطابات السياسية والخلافات الاقتصادية بين البرلمان والحكومة في إيران، سواء فيما يرتبط بتسعير العملات الأجنبية أو ما يتعلق بالموازنة الجديدة.

استقالة رئيس منظمة البورصة

هذا وقدّم رئيس منظمة بورصة طهران، حسن قاليباف، استقالته أمس، لوزير الاقتصاد الإيراني، فرهاد دجبسند، منتقدا في رسالة الاستقالة "التدخلات السياسية والتناول غير المهني لقضايا البورصة من قبل المسؤولين".

من جهته، أكد رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، أمس، خلال جلسة البرلمان أن "البورصة شهدت سقوطا حادا"، معتبرا أن هذا الوضع "غير مقبول"، وداعيا الحكومة إلى تحمل المسؤولية. 

إلى ذلك، كشف البرلماني الإيراني، أحمد نادري، في تغريدة عبر "تويتر" عن توقيع 102 نائب على ورقة لاستجواب وزير الاقتصاد في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان).

وقال نادري إن الاستجواب يشمل 11 محورا اقتصاديا في مقدمته "فضية البورصة"، داعيا الحكومة والرئيس حسن روحاني إلى تحمل المسؤولية تجاه وضع البورصة، حيث قال إن "اولئك الذين شجعوا المواطنين على الاسثتمار في البورصة وأبادوا أرصدتهم فعليهم تحمل المسؤولية اليوم".  

المساهمون