الروبل الروسي يتهاوى أمام التوترات الجيوسياسية... والخسائر تمتد لأوكرانيا

27 يناير 2022
مكتب صرافة في موسكو (فرانس برس)
+ الخط -

تتعرض الأسواق الروسية لضغوط متزايدة، تحت وطأة التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين روسيا والغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية، إذ تتسبب التهديدات الأميركية والأوروبية بفرض عقوبات على موسكو تطاول الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا في تهاوي سوق الأسهم وسعر صرف الروبل.

واستهلت الأسواق الروسية، الأسواق الأسبوع الحالي بتعاملات عصيبة، إذ تجاوز سعر صرف الدولار حاجز الـ79 روبلاً، يوم الاثنين الماضي، لأول مرة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بينما لا تزال الأسعار تتحرك في هذا النطاق رغم تحسنها قليلا أمس الأربعاء، ليسجل سعر صرف الدولار نحو 78.7 روبلاً.

كما خسر مؤشرا بورصة موسكو و"أر تي إس" للأسهم الممتازة، المكاسب التي حققاها في عام 2021 بأسره بعد تعافي الاقتصاد الروسي من تداعيات جائحة فيروس كورونا.

سلاح العقوبات

وأشهرت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى سلاح العقوبات في وجه روسيا. إذ قال الرئيس الأميركي جو بادين، يوم الثلاثاء الماضي، إنه مستعد لفرض عقوبات على نظيره الروسي شخصياً إذا هاجمت روسيا أوكرانيا، محذرا من أن هذه الخطوة تترتب عليها "نتائج هائلة" حتى أنها قد "تغير العالم".

ومنسوب التوتر في هذه الأزمة آخذ في التصاعد، مع تأكيد البيت الأبيض أن خطر الغزو الروسي لأوكرانيا "لا يزال وشيكا"، بينما تنفي موسكو ذلك.

وحذر مسؤول أميركي رفيع من أن بلاده لن تتوانى عن فرض عقوبات قاسية على روسيا، تشمل قيوداً على صادرات معدّات التكنولوجيا المتقدّمة الأميركية، مطمئناً حلفاء واشنطن الأوروبيين إلى أن أي استخدام من جانب موسكو لصادراتها من النفط والغاز كـ"سلاح" ستأتي بنتائج عكسية.

ولفت المسؤول الأميركي، قبل يومين، إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يبحثون في الأسواق العالمية عن مصادر بديلة للطاقة للتخفيف من تداعيات أي نزاع، في وقت تعاني فيه أوروبا في الأساس من ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير خلال الشتاء.

وبالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية، فإن الولايات المتحدة تعتزم فرض عقوبات مالية على روسيا من خلال منع المصارف الروسية من استخدام الدولار.

ومن شأن مثل هذا القرار أن يسدّد ضربة قاسية جداً لاقتصاد روسيا، لاسيّما وأنه منذ مطلع السنة تواجه بورصة موسكو وأسعار صرف الروبل صعوبات بسبب حالة انعدام اليقين.

صدمة مزدوجة

ومع ذلك، اتفق خبيران ماليان روسيان استطلع "العربي الجديد" على أن الاضطرابات بالأسواق الروسية وغيرها من أسواق الدول الناشئة ليست ناجمة عن التوترات الجيوسياسية وحدها، وإنما باتت أيضا رهينة تحركات مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي (البنك المركزي) حيال أسعار الفائدة والتي يتوقع رفعها بضع مرات في العام الحالي.

وتعتبر ناتاليا ميلتشاكوفا، نائبة رئيس مركز "ألباري" للتحليل والمعلومات، أن الأسواق الروسية واجهت مطلع الأسبوع الجاري صدمة مزدوجة.

وأوضحت ميلتشاكوفا في حديث لـ"العربي الجديد" أن "السبب الأول لتهاوي الروبل واضح، وهو المخاطر الجيوسياسية والمخاوف من فرض عقوبات جديدة على روسيا وحظر الاستثمار في سنداتها وحتى فصلها عن منظومة سويفت للتحويلات المالية العالمية، أما السبب الثاني، فهو ترقب الأسواق لنتائج لجنة السوق المفتوحة التابعة للاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وهو ما سيترتب عليها تعزيز سعر صرف الدولار وتراجع عملات الأسواق الناشئة".

وتتوقع تحسنا لأداء الروبل في حال تراجع المخاطر الجيوسياسية، مضيفة أن فرض عقوبات قاسية مثل فصل روسيا عن منظومة "سويفت" غير واقعي، كونه سيكبد المنظومة خسائر مالية فادحة وأعباء فسخ العقود مع المصارف الروسية الكبرى، وليس من الواضح من سيكون الخاسر الأكبر جراء ذلك.

وتقول ميلتشاكوفا إنه "في حال تراجع المخاطر، قد ينخفض الدولار إلى مستوى 72 - 73 روبلا، شأنه في ذلك شأن أي أصول بعد الطفرة في الطلب عليها، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة على الودائع والأصول المدرجة بالروبل يجعل العملة الروسية مغرية للمستثمرين".

ومن اللافت أن الموجة الأخيرة من التوتر الجيوسياسي شرق أوكرانيا، تزامنت مع تراجع احتياطات الغاز بالمستودعات تحت سطح الأرض الأوروبية والأوكرانية إلى أدنى مستوى تاريخياً، مما زاد من التساؤلات حول إذا ما كان عملاق الغاز الروسي "غازبروم" سيستثمر هذا النقص لمعاونة الكرملين في ممارسة ضغوط سياسية على الغرب.

هيستريا مفبركة

إلا أن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، سارع مطلع الأسبوع الجاري، إلى وصف التقارير حول احتمال قيام روسيا بتقليص إمدادات الغاز إلى أوروبا في حالة فرض عقوبات، بأنها "نموذج للهيستريا المفبركة".

وشدد بيسكوف في تصريحات صحافية على أن روسيا حتى في أصعب اللحظات للعلاقات مع الغرب "كانت ضامنا يعتمد عليه لأمان الطاقة في أوروبا"، ومضيفا أن "روسيا كانت تؤدي التزاماتها التعاقدية على أكمل وجه".

وفي هذا السياق، تشير ميلتشاكوفا، إلى تباين المقاربتين الأميركية والأوروبية حيال مسألة العقوبات بحق روسيا، حيث لا تريد دول الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي-2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، إدراكا منها أن أسعار الغاز ستكون مبالغا فيها في حال تعطيل المشروع.

ويؤكد مارك غويخمان، كبير المحللين في مجموعة "تيلي تريد" للتداول في موسكو، أن المخاطر الجيوسياسية ليست العامل الوحيد الذي يخيم على الروبل، قائلا في تعليق لـ"العربي الجديد": "الخلفية الاقتصادية الخارجية غير مواتية أيضا".

ويلفت غويخمان إلى أن العامل الوحيد لدعم الروبل في المرحلة الحالية، هو فترة جني الضرائب عن العام الماضي، وقيام المصدرين ببيع العملات الأجنبية لدفع الضرائب بالعملة الروسية.

وفي مؤشر لعدم وجود رابحين من التوتر السياسي والعسكري الحالي، لم تسلم الأسواق الأوكرانية هي الأخرى من التراجع، إذ خسرت السندات الأوروبية الأوكرانية المدرجة بالدولار نحو 8% من قيمتها منذ بداية العام، فيما يعد ثاني أسوأ نتيجة بين الأسواق الناشئة بعد الأرجنتين، بينما تراجع سعر صرف الهريفنا الأوكرانية بنسبة 4.5%.

المساهمون