الربا وفوائد البنوك ... لِمَ كل هذا الخلاف الحاد؟

03 ابريل 2022
على جمعة يرى أن فوائد البنوك ليست ربا / Geety
+ الخط -

خلال الأيام الماضية خرجت على المصريين عشرات الفتاوي المتناقضة بشأن فوائد البنوك الممنوحة على الودائع والمدخرات.

فهناك من يرى وبشكل قاطع أنها جائزة شرعا ولا تعد ربا محرما، وهناك من يؤكد وبشكل قاطع أيضاً أنّها ربا محرم، بل وكبيرة من الكبائر مثل الشرك بالله، وأنّ من يحلل الربا يدخل في دائرة الكفر.

كلّ صاحب فتوى يسوق مبرراته وأسانيده التي يقول إنّها شرعية وتستند للكتاب والسنة، وهو ما أوقع الناس في حيرة شديدة وحالة من البلبلة وفقدان الثقة خاصة بعد تزايد الخلاف عقب طرح البنوك التابعة للدولة وعاء ادخارياً بسعر فائدة ثابت يصل إلى 18% سنوياً.

إذ كيف تصل الفتوى في موضوع واحد إلى حد هذا التناقض الصارخ، التحليل والتحريم، وكيف يصل خلاف ديني بشأن معاملة مالية حديثة وقضية فقهية علمية إلى حد التراشق اللفظي بين رجال دين وعلماء فقه كبار؟

كيف تصل الفتوى إلى حد التناقض الصارخ، التحليل والتحريم، وكيف يصل خلاف ديني بشأن معاملة حديثة وقضية فقهية إلى حد التراشق اللفظي بين رجال دين وعلماء كبار؟

وكيف يصل الأمر إلى حد تشكيك كلّ طرف في فتاوي ونوايا الآخر، بل والتندر عليها كما حدث قبل أيام، وكيف يتجرأ البعض على إلباس فتوى دينية بحتة ثوبا سياسيا بحتا بحيث ينطلق كل طرف من فتواه من رأي سياسي وأيديولوجية فكرية، وليس من ثوابت دينية بحتة وقواعد فقهية متعارف عليها؟

وكيف لصاحب فتوى أن يتهم معارضيه في فتوى معاملات البنوك بأنهم يتلقون فتاويهم من الخارج، وقول مرجعية دينية أخرى إنّ فوائد البنوك لا يحرمها إلّا أعداء مصر!!!، وإنّ من يتحدث عن الربا وربطها بفوائد البنوك فإنّهم يستهدفون توجيه ضربة للقيادة السياسية ومصر ومقدرات الوطن؟

أو قول عالم دين إنّ الفتاوي الخاصة بتحليل فوائد البنوك إنما هي صادرة عن مشايخ وعلماء سلطة يريدون التقرب بها إلى الحاكم، أو صادرة عن تجار دين يريدون التكسب بها والتربح منها؟

أليست هذه فوضى في الفتوى تحتاج إلى تدخل من مرجعيات دينية موثوق بها، وقبلها إلى حوار عاقل يأخذ في الاعتبار عدة أمور منها حداثة المعاملات المالية والنقدية وأنشطة البنوك والتعاملات الجديدة التي أفرزها النظام المالي العالمي، وفي نفس الوقت يرعي القواعد الفقهية الكلية التي تحافظ على المال العام وتشجع على تنمية المال لا احتكاره؟

في الأسابيع الماضية رأينا فريقان يصدران فتاوي متعارضة، وكل فريق يدافع عن وجهة نظره بشراهة، قاد الفريق الأول الذي أفتى بحلة معاملات البنوك مفتي الجمهورية د. شوقي علام، الذي رأى أنّه لا حرمة أو شبهة في فوائد البنوك، وأنّه لا حرمة في الإيداع ولا شبهة، لأنّ المعاملات البنكية استثمار في أموال الناس حسب قوله، والأمر يختلف عما كان قديماً، وهذا الأمر حكمه قانون شديد الوضوح، والتعامل مع البنك ليس له علاقة بالقرض وإنّما استثمار، والفتوى مستقرة على التعامل مع البنوك بكافة أنواع التعاملات.

بل هاجم علام من يرون غير ذلك بقوله إنّ الفتاوي التي تحرم فوائد البنوك، لم تقرأ الواقع قراءة صحيحة، مؤكداً أنّ الحرام هو القروض بين الأفراد.

الفريق الذي أفتى بحلة معاملات البنوك يقوده مفتي الجمهورية د. شوقي علام والمفتي السابق على جمعة وخالد الجندي

وخرجت عن د. علي جمعة المفتي السابق، وعضو هيئة كبار العلماء فتاوي مؤخراً لا تختلف كثيراً عن فتاويه السابقة، إذ قال إنّ فوائد البنوك حلال شرعاً، وهذا بإجماع الأئمة الأربعة باتفاق، والقرض اسمه تمويل، بل وذهب إلى ابعد من ذلك حيث أكد أنّ الأئمة الأربعة قد اتفقوا على أنّ "الربا ذهب محله، فالذهب الذي كان مناطاً للربا راح"، ومن الظلم البين ألّا يعطينا البنك فائدة في ظلّ ظروف التضخم الشديدة.

سار على هذا النهج خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي أفتى في أكثر من مناسبة أنّ فوائد البنوك حلال، ومن يحرمونها جهلاء وتجار دين على حد قوله، بل وزاد قائلاً بلهجة ساخرة إنّ هناك بعض الجماعات المضللة تحاول إقناع المصريين بأنّهم يتناولون أموالاً حراماً من فوائد البنوك.

واستشهد الجندي، المعروف بتأييده المطلق للسلطة الحاكمة، في فتواه بفتاوٍ سابقة صادرة عن شيخ الأزهر الأسبق محمد سيد طنطاوي والتي أكد فيها أنّ فوائد البنوك حلال.

لكن، في المقابل خرجت فتاوٍ ترى أنّ فوائد البنوك هي حرام بل وعين الربا، مستندة إلى فتاوٍ صادرة عن مجامع فقهية وعلمية مصرية وعربية وإسلامية مرموقة ولها ثقلها بين المسلمين منها مشيخة الأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء المصرية في سنوات سابقة، ومجمع الفقه الإسلامي بجدة ومكة المكرمة، ومجمع الفقه بالهند، وكذا فتاوي لرجال دين ثقات مثل الداعية المعروف الشيخ محمد متولي الشعراوي وشيخ الأزهر الأسبق الراحل عبد الحليم محمود وشيخ الأزهر السابق الشيخ جاد الحق علي جاد الحق والدكتور يوسف القرضاوي والشيخ عبد العزيز بن باز وغيرهم.

في المقابل خرجت فتاوٍ ترى أنّ فوائد البنوك ربا، مستندة إلى فتاوٍ صادرة عن مجامع فقهية وعلمية مرموقة ولها ثقلها منها مشيخة الأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية

بل واستند هذا الفريق إلى فتاوى سابقة للدكتور محمد سيد طنطاوي نفسه الذي حرّم فوائد البنوك والقروض باعتبارها ربا يحرّمه الإسلام عندما كان مفتي الديار المصرية في 20 فبراير/شباط 1989 قبل أن يحللها في وقت لاحق.

إذا، هناك خلاف شديد بشأن فوائد البنوك، هذا الخلاف لا يخيرنا بين درجات الحلال والحرام من مستحب ومكروه وجائز، بل يضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما وهما الحلال والحرام، والكل يؤكد أن رأيه صحيح، وهو ما يربك العامة خاصة مع تجدد هذا الخلاف من فترة لأخرى.

المساهمون