مع تراجع قيمة الدينار العراقي لأرقام قياسية، اخترقت مافيا العملة المزورة الأسواق المحلية، مما سبب حالة من الإرباك لدى المواطنين والتجار، فضلاً عن تزايد المخاوف من انهيار العملة الوطنية، مما يشكل حالة من التضخم المتفاقم الذي ينتج عنه مزيد من التهاوي للدينار أمام الدولار وانفجار موجات غلاء جديدة ترهق المواطنين.
وتشير أصابع الاتهام إلى عصابات منظمة في ضخ هذه الأموال للسوق العراقية من خلال تبادل السلع وشراء العملة الصعبة، ضمن ما يعرف بـ(الحشر) وهو وضع أوراق محدودة من العملة المزيفة داخل رزم كبيرة من الأموال الصحيحة.
وساد القلق الشارع العراقي من انتشار الدينار المزور وخاصة في ظل مواصلة تراجعه، رغم الإجراءات الحكومية الصارمة وأبرزها تعيين محافظ جديد للبنك المركزي الذي اتخذ عددا من القرارات العاجلة لوقف نزيف العملة المحلية والحد من أزمة الدولار المتصاعدة.
وكان المكتب الحكومي العراقي في العاصمة بغداد، أعلن يوم 23 يناير/ كانون الثاني الماضي، إعفاء محافظ البنك المركزي العراقي مصطفى غالب مخيف بناء على طلبه وفق بيان رسمي، وتعيين علي محسن العلاق بالوكالة بديلا عنه والذي اتخذ العديد من الإجراءات للحد من نزيف العملة.
ورغم ذلك شهد الدولار ارتفاعا قياسيا في بورصة بغداد خلال الأيام الماضية إلى أكثر من 1670 دينارا، في حين يبلغ السعر الرسمي 1460 دينارا، وما فاقم جراح العملة المحلية عمليات التزوير المنظمة للدينار التي تشهدها الأسواق.
انتشار العملة المزورة
تداول ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيديوهات أكدوا من خلالها وجود العملة المزورة في السوق، حيث اشتكى التجار في سوق الجملة في بغداد من تعرضه للنصب، وتبين أن المبلغ كان مزوراً.
وحذر التجار من حالات الشراء بالعملات المزورة التي انتشرت مؤخراً في العاصمة بغداد، وكشف عن وجود علامة يمكن من خلالها معرفة العملة المزورة والحقيقية.
وأكد أحد التجار في بغداد، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، تعرضه لعملية نصب واحتيال من قبل أحد الزبائن، بعد شرائه بضاعة بمبلغ 100 ألف دينار عراقي، تبين فيما بعد أن الأوراق النقدية من فئة 25 ألف دينار كان قسم منها مزورا.
عمليات منظمة
الباحث بالشأن الاقتصادي العراقي، عمر الحلبوسي، أشار إلى أن عمليات تزوير العملة منظمة وتستهدف الدفع بكميات كبيرة منها إلى السوق لإضعاف الثقة بالعملة الوطنية ورفع قيمة الدولار، بشكل رئيس.
وأضاف الحلبوسي، لـ"العربي الجديد"، أن عمليات التزوير على الأرجح تتم خارج العراق بسبب التقنية العالية التي تجري بها، وهناك ضحايا كثر وقعوا بالفترة الأخيرة ضحية للتزوير.
وبيّن الحلبوسي، أن الفئات المزورة التي تم تداولها هي فئة 25 ألفا و50 ألف دينار، إلا أن الفئة الأكثر انتشارا هي فئة 25 ألف دينار عراقي، التي انتشرت بشكل واسع في الأسواق العراقية، مشدداً على أن العملة المزورة شهدت تطورا كبيرا في عملية التزوير، إذ لا يمكن كشفها إلا من خلال أجهزة الحساب الالكترونية.
وعن تأثير تداول هذه العملة في السوق، أكد الحلبوسي، أن تأثيرها مباشر على الاقتصاد العراقي من خلال الخسائر الكبيرة التي سوف تلحق بالتجار، فضلا عن اختلال ثقة الناس والمستثمرين بالعملة العراقية، مما ينعكس سلبا على الدينار العراقي وهو ما سيؤدي إلى تراجع قيمته، مما ينذر بحدوث حالة من الكساد الاقتصادي.
عصابات على الحدود
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، أن تزوير العملة العراقية ليس حالة جديدة ولكنها ازدادت مؤخرا، ودائما ما تلقي السلطات الأمنية القبض على بعض العصابات على الحدود العراقية بتهمة إدخال العملات المزورة.
وأضاف المرسومي، لـ"العربي الجديد"، أن هناك أطرافا مستفيدة تعمل على ضخ العملات المزورة إلى السوق من أجل الضغط على الدينار العراقي، ورفع مستويات الأسعار، مما يفقد ثقة المواطن بالعملة الوطنية.
وطالب المرسومي السلطات الأمنية بأخذ دورها للحد من هذه الظاهرة لما لها من تداعيات خطيرة على حجم التداول النقدي العراقي، لأن المواطن سيضطر إلى التخلي عن العملة الوطنية والتوجه نحو ادخار وتداول الدولار الأميركي، مشدداً على أن المتضرر الوحيد هو المواطن العراقي.
إجراءات البنك المركزي
من جهته، علق البنك المركزي العراقي على انتشار أخبار تزوير العملة، موضحاً آلية التعرف على العملات المحلية الأصلية والمزورة.
وقال مستشار البنك المركزي، إحسان الياسري، إن الأوراق النقدية العراقية فئات (10 آلاف دينار و25 ألف دينار و50 ألف دينار) تتضمن نافذة شفافة والتي أصبحت من أقوى العملات الورقية التي أصدرها البنك المركزي، وهي ورقة محكمة فيها نافذة شفافة ومن خصائصها ظهور صورة "المئذنة الملوية" إذا كانت خلفيتها بيضاء، كما أنها تظهر رقم الفئة إذا كانت خلفيتها سوداء".
وأشار الياسري في تصريح صحافي، إلى أن تزييف العملة ضعيف ورديء، وغالباً ما يكتشفه الجمهور والقطاع المصرفي والبنك المركزي الذي نشر في وقتٍ سابق، صورة وضّح من خلالها العلامات الأمنية الموجودة في العملة العراقية لمختلف الفئات، وذلك بالتزامن مع انتشار المعلومات عن وجود موجة من فئة 25 ألف دينار المزورة غزت السوق المحلية العراقية.
ولفت البنك المركزي، من خلال صورة نشرها عن وجود علامات أمنية في العملات النقدية العراقية يمكن من خلالها معرفة العملات المزورة والحقيقية، لافتا المواطنين إلى الانتباه وملاحظة العلامات عند التعامل بها.