في الوقت الذي كان فيه الإعلام المصري يتوقع قبل أيام حدوث تراجع كبير في سعر الدولار، وتبشر مصادر رسمية مجهولة المصريين بحدوث مزيد من التراجع للعملة الأميركية أو الورقة الخضراء كما يسميها البعض، كان لشركة "إتش سي" المالية رأي أخر حيث توقعت وحدة البحوث بها تراجع سعر الجنيه أمام الدولار بنحو 9.5% بنهاية العام الجاري ليبلغ 19.6 جنيها للدولار.
وفي الوقت الذي كانت القنوات الفضائية تحذر المدخرين من حيازة النقد الأجنبي لتفادي خسائر متوقعة، كان لوزارة المالية رأي أخر حيث خفضت قيمة الجنيه المصري بنسبة 4.3% ورفعت تقديراتها المبدئية لسعر صرف الدولار في ميزانية السنة المالية الحالية 2018-2019، ليصل إلى 18 جنيها، بدلاً من 17.25 جنيها في التقدير السابق.
وفي الوقت الذي كان صندوق النقد الدولي يحول ملياري دولار إلى حساب البنك المركزي المصري في الخارج ويزيد التدفقات الأجنبية لمصر، كان سعر الدولار يواصل الارتفاع في البنوك والصرافات المصرية غير مكترث بالهجمة الإعلامية والحملة النفسية الشرسة التي تعرض لها المدخرون وأصحاب الأموال.
وفي الوقت الذي كان فيه البنك المركزي المصري يقترض أمس الأثنين 1.014 مليار دولار عبر طرح أذون خزانة لسداد ديون والتزامات خارجية مستحقة على الدولة، كان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، يؤكد في اللحظة نفسها، أن تدفقات النقد الأجنبي على مصر تجاوزت 163 مليار دولار في السنوات الثلاث الماضية، وهو مبلغ ضخم كفيل ليس فقط بدفع سعر الدولار للتراجع إلى أقل من عشرة جنيهات ولكن الوصول به إلى أربعة جنيهات كما توقع طارق عامر محافظ البنك المركزي في شهر مارس 2016، خلال لقاء تلفزيوني، ثم عاد وأكد في شهر فبراير 2017 أن ما قاله كان نكتة والمصريون يحبون النكتة!!
نظرياً، وحسب الأرقام الرسمية، من المفروض أن يتراجع سعر الدولار، فحسب مصادر حكومية فإن مليار دولار حصيلة استثمارات الأجانب في أذون الخزانة دخلت البلاد خلال يناير الماضي بعد فترة هروب للأموال الساخنة بدأت في مارس الماضي وكان حصيلتها هروب أكثر من 11 مليار دولار في فترة لا تتجاوز العشرة شهور.
كما أن الاحتياطي الأجنبي زاد ملياري دولار هي حصيلة الشريحة الخامسة وقبل الأخيرة من قرض صندوق النقد، وهناك تحسناً ملحوظاً في إيرادات النقد الأجنبي من أنشطة السياحة والصادرات وتحويلات العاملين في الخارج وقناة السويس.
إضافة إلى زيادة إيرادات الدولة من قطاع الطاقة سواء من الغاز أو البترول، وكذا التوقف عن استيراد الغاز بل وتصديره لبعض دول المنطقة ومنها الأردن.
والأهم من ذلك هو تلقي مصر حصيلة من النقد الأجنبي تبلغ 163 مليار دولار منذ عام 2016 وحتى الآن كما قال أمس رئيس الوزراء.
إذن، لماذا لا يحدث هذا التراجع المنشود لسعر الدولار، ويعود للارتفاع مرة أخرى، بل وتتوقع مؤسسات المالية استمرار هذه الزيادة خاصة مع عودة الموجة التضخمية وارتفاع الأسعار والعجز في صافي العملات الأجنبية لدى القطاع المصرفي بسبب سداد التزامات المستثمرين الأجانب؟
الأسباب منطقية، منها مثلا قفزة الدين الخارجي الذي قرب حاجز المائة مليار دولار، وزيادة حجم المستحقات الخارجية خلال العام الجاري والبالغ قيمتها 14.75 مليار دولار، إضافة لتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 40% خلال الربع الأول من العام الجاري.
الدولار يتراجع أمام الجنيه المصري عندما يشعر السوق أن هناك سيولة دولارية حقيقية بدأت تتدفق إليه وليست سيولة ناتجة عن التوسع في الاقتراض الخارجي، وأنه لا تأجيل لسداد ديون خارجية مستحقة لدول الخليج والصين، أو إعادة جدولة مستحقات خارجية لفترة جديدة، وأن الديون يتم سدادها من موارد ذاتية للدولة وليس عبر قروض خارجية، والأهم من ذلك هو أن يشعر المواطن أن الدولار متوافر في البنوك والصرافات ويحصل عليه وقتما يشاء وبلا تعقيدات.