الدولار الجمركي كابوس جديد في حياة اللبنانيين

30 سبتمبر 2022
تهاوي الليرة يفاقم معيشة المواطنين (الأناضول)
+ الخط -

أقرّ البرلمان اللبناني في ختام سبتمبر/أيلول، موازنة العام 2022، ملبياً بذلك أحد مطالب صندوق النقد الدولي لدعم لبنان، ضارباً في المقابل، معيشة المواطنين الذين دخل إلى حياتهم كابوس جديد يُعرف بالدولار الجمركي الذي تقرّر رفعه إلى 15 ألف ليرة، ما من شأنه أن يشكل ضربة قاضية لقدراتهم الشرائية، بعكس حال التجار المحتكرين و"المخزنين" والمهربين باعتبارهم أكبر المستفيدين من الإجراءات الترقيعية التي تتخذها السلطات بلا أي برنامج أو خطة إصلاحية شاملة.
وإلى جانب احتساب الدولار الجمركي على 15 ألف ليرة، وزيادة سعر صرف جديد إلى القائمة، بلغت قيمة النفقات في موازنة 2022، 40.873 مليار ليرة، فيما بلغت الإيرادات 29.986 مليار ليرة، بينما تضمّنت زيادة رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين والمتعاقدين ضعفين على الراتب الأساسي، على أن لا تقل الزيادة عن 5 ملايين ليرة لبنانية ولا تزيد عن 12 مليون ليرة، في زيادة استثنائية محدودة الزمن ريثما تجري المعالجة النهائية لموضوع الرواتب، ولا تحتسب في تعويضات نهاية الخدمة أو المعاش التقاعدي.

مطلوب سلة من الشروط
بداية، يقول نائب رئيس جمعية الصناعيين في لبنان، زياد بكداش، لـ"العربي الجديد" إنه يدعم قرار رفع الدولار الجمركي ليس فقط إلى 15 ألف ليرة، بل أن يكون طبيعياً أيضاً، لكن شرط أن يترافق مع سلّةٍ من الشروط، وهي خطوة لم تلحظها بنود الموازنة التي أقرت، إذ إنه من ناحية أولى، لا يجوز فرض رسوم جمركية تتراوح بين 5 و10 في المائة على المواد الأولية الأساسية والتي تشكل حوالي 20 في المائة من المواد الأولية المستخدمة في الصناعات المحلية، لذلك طالبنا برفعها وإلغائها، خصوصاً أن التصنيع يستوجب تنافسا وسعرا مناسبا للاستهلاك ولا سيما في ظل الأوضاع الراهنة.

ويضيف بكداش: "طالبنا أيضاً بعدم فرض رسوم جمركية على المواد الأساسية التي لا تصنّع في لبنان، وهو مطلبٌ لم يتحقق".
أما المشكلة الكبرى بحسب بكداش فتتصل بقطاع السيارات، إذ بظل غياب تام لأي خطة نقل في لبنان، وعدم وجود خطوط ثابتة منظمة على صعيد المناطق، للتنقل بالوسائل العامة من وإلى مكان العمل، يصبح الموظف مضطراً لشراء سيارة، من هنا، لا يجوز فرض الضرائب والرسوم نفسها على جميع أنواع السيارات، بل يجب اعتماد كوتا معيّنة مثلاً للسيارات الفاخرة وتلك التي يقلّ سعرها عن 15 أو 10 آلاف دولار والمستعملة، وبالتالي، يجب إلغاء الجمرك على الفئة الثانية أو تخفيضه.
تبعاً لذلك، يشدد نائب رئيس جمعية الصناعيين في لبنان، على أنه يجب ألا تشمل الرسوم الجمركية المواد الاستهلاكية والغذائية والطبية التي لا تصنّع في لبنان ويدخل تصنيفها ضمن الأساسيات لا الكماليات.
كذلك، يرى بكداش أن الموضوع الأساسي الذي يجب التوقف عنده، وحلّه يعدّ شرطاً يترافق مع رفع الدولار الجمركي، يتصل بالتهرب والتهريب عبر المعابر الحدودية ومرافئ الدولة الشرعية أقلّه، إذ لا يمكن فرض ضرائب في ظل الغياب الكامل للدولة وأجهزتها الرقابية على صعيد التهرّب والتهريب، من دون أن ننسى قول مدير وزارة المال عام 2019 إن الاقتصاد غير الشرعي يشكل بين 60 و70 في المائة، من الاقتصاد ككلّ، عدا عن أن الاستيراد الذي يتم من الخارج ولا سيما الصين يصل إلى لبنان بفواتير مخفضة بحدود الخمسين في المائة، وذلك بعد التلاعب بالفواتير.
انطلاقاً مما تقدم، يقول بكداش إن الرسوم الجمركية بالأساس تصبّ في صالح الصناعة المحلية، لكن بغياب الشروط المذكورة، وعدم وجود دولة وأجهزة رقابية، فإنها ستضرب القطاع الشرعي ولن تدخل إلى الدولة أي مال أو ربح، وتعزز وتشجع في المقابل الاقتصاد غير الشرعي.

رفع تكلفة المعيشة
حول تداعيات هذا الإجراء الحكومي على المواطنين، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الباحث القانوني صادق علوية لـ"العربي الجديد" إنه بظل الخلل القائم بالميزان التجاري، فإن رفع الدولار الجمركي سيؤدي حتماً إلى رفع تكلفة العيش على اللبنانيين.
ويتوقف علوية عند بعض البنود الأساسية، إذ إن هناك رسم أو ضريبة 3 في المائة على عددٍ من السلع، فرض سابقاً بحجة أنه على المستوردات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، وتم اليوم تمديد مفعوله. كذلك، هناك نسبة 10% فرضت على السلع والبضائع الأجنبية التي يتم استيرادها إذا كان يصنّع لها مثيل في لبنان، وعلى السلع التي صنفت فاخرة، من دون تعدادها حالياً، على أن تُحدد من قبل الوزارات المعنية، المال، الصناعة، والزراعة، هذه أيضاً سيؤدي إلى رفع تكلفة العيش على المقيمين على الأراضي اللبنانية.

ويشير علوية إلى فرض رسوم على المغتربين التي سيدفعها هؤلاء بالقنصليات بالدولار أو اليورو لا بالليرة اللبنانية.
وتضمنت موازنة 2022 بحسب علوية حسما ضريبيا بنسبة 75 في المائة لخمس سنوات عن أرباح الصادرات الصناعية في حال تحويلها إلى المصارف العاملة في لبنان أو إثبات استخدامها لغايات النشاط الصناعي في لبنان، وحسما ضريبيا لخمس سنوات بنسبة 100% للشركات الناشئة، وحسما ضريبيا 100% للشركات التي تمارس نشاطها في مناطق تعينها الحكومة.
ويرى علوية أن هذه الموازنة تمكن تسميتها بموازنة "اللاقرار" إذ إنها لم تتخذ أي قرار يتعلق بالقطاع العام أو النفقات حتى أنه في أماكن عدة لاحظنا اعتمادات "صفر" مثل أشغال مائية وكهربائية وأشغال وزارة التربية، من هنا نحن أمام غياب تام للقرار الحكومي.
أما الإيرادات المتوقعة، فإنها بحسب عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تشبه "الخيال العلمي"، "فمن قال إن الحكومة ستجبي أصلاً، أو أن أصحاب أو رواد الأعمال سيكونون فعلاً أمام تعهد الحكومة لهم بتطبيق إعفاءات عليهم في حال عدم التسديد خلال فترة معينة؟".
ويضيف علوية "لم يتبقَ من السنة إلا 3 أشهر، وبالتالي فإن الموازنة هذه لن تصنع العجائب أو تحدث فرقاً على مستوى الإيرادات بل ستشكل ثقلاً بالتكاليف الإضافية على المواطن".

أكبر المتضررين
أما أكبر المتضررين بحسب علوية فهم أولاً محدودو الدخل، الذين سينتقل العبء عليهم من المستوردين والتجار الذين يوجد جزء كبير من بضائعهم أصلاً على الأراضي اللبنانية، وفي ظل غياب الرقابة ستزيد النسبة على الأسعار وسيتحملها محدودو الدخل، مشيراً إلى أنه على صعيد القطاعات فإنه نتيجة ضعف القدرة الشرائية وانكماش الاقتصاد، فإن الضرر سيلحق الأدوات الكهربائية، المفروشات، الأثاث وغيرها، في حين أن السيارات باتت أصلاً في خبر كان.
وهنا اللافت بحسب علوية، أنه ببلد يعاني من أزمة كهرباء وعتمة شاملة، فقد تضمنت الموازنة إعفاء للسيارات الكهربائية، من الرسم الجمركي والاستهلاك، و50 في المائة من رسم التسجيل ورسوم السير.

تعزيز التهرب الضريبي
تقول الباحثة اللبنانية بالجرائم المالية والاقتصادية، محاسن مرسل، لـ"العربي الجديد" إن رفع الدولار الجمركي سيؤدي إلى تعزيز التهرب الضريبي والتهريب وانكماش البلد ولن يكون عادلاً.

وتلفت إلى أنه عام 2021، بلغ حجم الاستيراد 13 مليار دولار في بلد الفقر فيه يتجاوز نسبة 82%، ويعاني من انهيار في القدرة الشرائية وارتفاع سعر الصرف، ومن أبسط الأمور أن تصحح العجوزات في ميزان المدفوعات الأمر الذي لم يحصل في ظل التسريب المستمر لرفع الدولار الجمركي، والذي بنتيجته أصبح الاستيراد 10 مليارات دولار، والعام لم ينتهِ بعد، وكله ناتج عن عمليات التجار في استيراد البضائع وتخزينها لبيعها لاحقاً عند رفع الدولار الجمركي بأسعار أعلى وتحقيق مكاسب كبيرة.
وتشدد مرسل على أنه "في ظل تفلت الحدود والمرافئ الشرعية والمعابر غير الشرعية، فإن رفع الدولار الجمركي من شأنه أن يعزز الاقتصاد الأسود، من هنا فإن كل تقديرات الدولة لاستفادة خزينتها من هذه الخطوة ضربت بالكامل".
وتردف مرسل: "صحيح أنه من غير المنطقي الاستمرار على سعر 1500 ليرة في وقت الدولار يتخطى 37 ألف ليرة ولكن الإقدام على هذه الخطوة يستوجب سلة من الإصلاحات المتكاملة، وخطة تعاف، تقوم على سعر صرف عائم وموحد، وتصحيح الأجور على أن يكون ناتجاً عن النمو وتحريك الدولة للعجلة الاقتصادية لا عبر زيادة الأعباء الجمركية والضرائب التي تطاول فئة دون غيرها".
وتشير مرسل إلى أنه رغم تذرع المسؤولين بأن الرفع يطاول الكماليات فإنّنا سنكون أمام فوضى أسعار وغلاء كبير يشمل كل السلع في ظل غياب الدولة وأجهزتها الرقابية وجشع التجار الذين يسرحون ويمرحون بلا رقيب أو مساءلة، الأمر الذي سيفقد أيضاً قيمة المساعدات التي تقرّر منحها للقطاع العام.

تقول الباحثة اللبنانية بالجرائم المالية والاقتصادية، محاسن مرسل، لـ"العربي الجديد" إن رفع الدولار الجمركي سيؤدي إلى تعزيز التهرب الضريبي والتهريب


كذلك، تلفت مرسل إلى أنه "طالما أن الأموال ليست ناتجة عن نمو وحركة اقتصادية صحيحة فإننا سنكون أمام زيادة الكتلة النقدية عبر طبع الليرات، ومزيد من انهيار القدرة الشرائية وارتفاع نسب التضخم، أي سنبقى بالدوامة نفسها. من هنا فإن الحلول الترقيعية تعمّق الأزمة بدل أن تعالجها، خصوصاً أنه إلى جانب كل ما ذكر، هناك مخالفات دستورية فاضحة في الموازنة التي أقرت قبل 3 أشهر من انتهاء السنة المالية، والتي لم تحل معضلة قطع الحساب، إذ لا يمكن إجراء تصحيح مالي إذا لم نقم كل سنة بعملية قطع الحساب".
وأعلن المكتب الإعلامي في وزارة المالية اللبنانية في بيان، أمس الخميس، أن رفع سعر الدولار رسمياً إلى 15000 ليرة "يعتبر خطوة أساسية باتجاه توحيد سعر الصرف، وهذا مشروط بإقرار خطة التعافي التي تعمل عليها الحكومة والتي من شأنها أن تواكب تلك الخطوة". وعلق رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبد الله، على قرار وزارة المالية رفع سعر الدولار قائلا: "كيف يحتسب للمودع دولاره عند السحب من المصرف على سعر 8000 ليرة، أما أصحاب القروض السكنية وغيرها فسيسددون الأقساط على سعر 15000 ليرة ابتداء من أول نوفمبر/ تشرين الثاني والضرائب ستصبح على سعر 15000 ليرة للدولار، بينما المحروقات والمواد الغذائية وباقي الاحتياجات المعيشية وقطع غيار السيارات والشاحنات وسواهما ومستلزمات المواطن الحياتية كافة على سعر السوق السوداء أي ما يقارب 39000 ألف ليرة للدولار الواحد؟".

المساهمون