الدولار الأميركي في أقوى حالاته منذ ثمانينيات القرن الماضي

05 يونيو 2024
الدولار استفاد من قوة الاقتصاد الأميركي في العقد الأخير، 29 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الدولار الأميركي حافظ على هيمنته في أسواق العملات العالمية لعقد من الزمن، مستفيدًا من قوة الاقتصاد الأميركي وارتفاع معدلات الفائدة، وصل إلى أعلى مستوياته منذ الثمانينيات.
- تاريخيًا، تم التدخل لخفض قيمة الدولار في الثمانينيات لدعم المصنعين المحليين، وهناك توقعات بإمكانية حدوث تخفيض مماثل في قيمته، خصوصًا مع إمكانية فوز دونالد ترامب بالانتخابات ودعوات لإضعاف الدولار لتقليل العجز التجاري.
- النمو الاقتصادي العالمي يتسارع خارج الولايات المتحدة، مما يساهم في توفير بيئة مناسبة لإضعاف الدولار، الأمر الذي يعود بالفائدة على النمو العالمي ويدعم الأسواق الدولية والاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصاد الأميركي.

سيطر الدولار الأميركي بقوته، على مدى عقد من الزمان، على أسواق العملات، مستفيداً من ارتفاع الفائدة عليه تاريخياً، وقوة الاقتصاد الأميركي، لتسجل العملة الخضراء أقوى حالاتها منذ ثمانينيات القرن الماضي. وعلى عكس ما توقعه الكثيرون في وول ستريت، حصل الدولار الأميركي على دَفعة جديدة هذا العام، حيث تسببت بيانات التضخم العنيد في تراجع المستثمرين عن رهاناتهم التي انتظرت تخفيض أسعار الفائدة.

وقياساً على العملات الأخرى، لا يزال الدولار أقل من ذروته الأخيرة التي بلغها في عام 2022، عندما كان مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) يرفع أسعار الفائدة، إلا أنه يظل مرتفع التكلفة من حيث القيمة المعدلة، وفقاً للتضخم. وعلى سبيل المثال، يقول الاقتصاديون إن القيمة المعدلة للدولار حالياً تقل بنسبة 10% فقط عن المستوى الذي أنهى عنده ريتشارد نيكسون قابلية تحويل الذهب في عام 1971، وفقاً لبيانات بنك التسويات الدولية. ولم يكن الدولار قوياً على هذا النحو المستمر منذ الثمانينيات، عندما كان مجلس الاحتياط الفيدرالي يرأسه بول فولكر، وهو نموذج لمحافظ البنك المركزي المتشدد.

وفي عام 1985، ارتفع الدولار أمام العملات الأخرى لدرجة أن المسؤولين الأميركيين أصبحوا قلقين بشأن تأثير ذلك على المصنعين المحليين. ويجمع المؤرخون الاقتصاديون على أن السلطات الأميركية اتفقت على تنسيق خفض قيمة العملة الخضراء في اجتماع مع مسؤولين من بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان في فندق بلازا في نيويورك. وبحلول عام 1988، كان الدولار قد فقد ثلث قيمته الحقيقية.

وفي تحليل حديث لـ"وول ستريت جورنال"، يقول جون سيندرو، المحلل الاقتصادي للصحيفة الأميركية، الثلاثاء، إنه من الممكن أن يحدث شيء مماثل مرة أخرى على نطاق أصغر، خاصة إذا فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث دعا مستشاروه الاقتصاديون في الماضي إلى إضعاف الدولار لتخفيض العجز التجاري الأميركي، وخاصة بالنسبة إلى اليوان الصيني، الذي يتعرض حالياً لضغوط مع هروب المستثمرين الأجانب من السندات الصينية ذات العائد المنخفض.

ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن النمو الاقتصادي يتسارع خارج حدود الولايات المتحدة، وهو ما وفر في أكثر من مناسبة سابقة الظروف اللازمة لإضعاف العملة الأميركية. وتشير البيانات الاقتصادية الأخيرة إلى أن منطقة اليورو واليابان بدأت تنهض أخيراً من الركود الذي أصابها خلال فترة الجائحة، ولفترات قصيرة من العام الماضي، ويبدو أن التعافي في الصين يكتسب الزخم، مع استمرار تدخل السلطات لتحفيز الاقتصاد، واجتذاب الاستثمارات، ورفع قيمة اليوان. وتحدث حالة مشابهة في اليابان أيضاً خلال الأسابيع الأخيرة.

وعادة ما يساعد انخفاض قيمة الدولار على تشحيم عجلات النمو العالمي، حيث إن ما يقرب من نصف الفواتير التجارية حول العالم، وثلاثة أرباع الديون غير المصرفية مقومة بالدولار، مما يعني أن الدول الناشئة على وجه الخصوص، التي تكافح من أجل الاقتراض بعملاتها الخاصة، تحصل على دعم غير مباشر كلما انخفضت قيمة العملة الأميركية.

وحتى لو كان ضعف الدولار نتيجة لتوسيع النمو الاقتصادي وليس سببا، فإنه يظل إشارة صعودية لأسواق الأسهم الدولية، التي لديها نسبة أكبر من الشركات الدورية، أو التي تزداد أرباحها وترتفع أسهمها في فترات محددة من كل عام، ومن أشهر أمثلتها البنوك الأوروبية.

ولم تشهد الأسهم خارج الولايات المتحدة هذه الرياح الصديقة كثيرا منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. ومع ارتفاع قيمة الدولار المعدلة حسب التضخم بنسبة 35% منذ نهاية عام 2009، فإن مؤشر MSCI EAFE، الذي يتتبع الأسواق المتقدمة خارج أميركا الشمالية، لم يحقق سوى نحو 200% فقط، مقارنة بنحو 500% لمؤشر ستاندرد آند بورز 500. وفي الفترة الأخيرة فقط عندما انخفض الدولار، بين عام 2020 ومنتصف عام 2021، تسارع ارتفاع الأسهم الأميركية بشكل محير، مدعوما بعمالقة شركات التكنولوجيا، التي كانت تجني مكاسب الجائحة.

وتسبب ذلك، بصورة أو بأخرى، في جعل المستثمرين يضطرون إلى التوقف عن العمل، ويضعون كل بيضهم في السلة الأميركية. وتقول "وول ستريت جورنال" إنه من المؤكد أن ارتفاع سعر الصرف الحقيقي للدولار مقارنة بالماضي قد يكون خادعا إلى حد ما، حيث إن التكيف مع التضخم أمر بالغ الصعوبة، لأن أغلب المنتجات لا يجري تداولها عبر الحدود. وحتى عندما يتعلق الأمر بالطاقة، التي لها تأثير كبير، فقد تحولت الولايات المتحدة من كونها مستوردا صافيا إلى مصدر خالص، وذلك بفضل ثورة الوقود الصخري في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وبالإضافة إلى ذلك، أدى تحول واشنطن الأخير باتجاه السياسة الصناعية إلى إثارة موجة من الاستثمار الأجنبي المباشر في النظرية الاقتصادية الأميركية، التي تتنبأ بأن التعريفات الجمركية الأخيرة التي فرضتها واشنطن من شأنها أن تدفع العملة إلى الارتفاع، وتدعم الأبحاث الحديثة هذا الأمر إلى حد ما.

وعلى الرغم أن التاريخ لا يكرر نفسه على الصورة نفسها، وأنه لا ينبغي للمستثمرين أن ينتظروا عمليات بيع الدولار الهائلة التي أعقبت اتفاق بلازا، فإنهم في الوقت نفسه لا ينبغي عليهم أن يفترضوا أن العملة الأميركية يمكن أن تواصل ارتفاعها إلى الأبد.