الدواء في السودان: المرضى يعانون في المشافي والصيدليات

17 ابريل 2021
مواطن ينتظر الحصول على دوائه (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

تشغل ندرة الأدوية وارتفاع أسعارها الرأي العام السوداني، إثر تحرير الدولار المخصص لاستيراد الدواء بعد تعويم الجنيه. وتترافق هذه الأزمة مع تهريب الأدوية من دون أي رقابة على الصلاحية وآليات النقل والتخزين، وسط إجراءات غير منضبطة تسيطر على عمليات الاستيراد، ما فاقم من معاناة المواطنين والمرضى.

قامت "العربي الجديد" بجولة على عدد من الصيدليات الكبيرة في العاصمة الخرطوم، للسؤال عن سبب ندرة الدواء وارتفاع سعره. خلال ربع ساعة رصْد في إحدى الصيدليات الكبرى، خرج عشرة مرضى صفر اليدين، إذ إن الأدوية التي يحتاجونها غير متوافرة. إلا أن الحال في الصيدليات الصغيرة مرعب، فعدد كبير من المرضى لا يستطيعون الحصول على أدويتهم، بعضهم يحتاج إلى جرعة منقذة للحياة، وآخرون تعبوا من البحث من دون جدوى...

الصيدلي محمد عبد القادر القاسم قال لـ"العربي الجديد"، إن هنالك بعض التجار يستوردون الدواء بطرق غير رسمية، حيث يتعرض فيها لدرجات حرارة عالية، لتراوح معاناة المواطن ما بين الندرة والغلاء وصولاً إلى الأدوية الفاقدة لفاعليتها بسبب سوء التخزين والنقل، خاصة بالنسبة لبخاخات الربو وأدوية القلب.

ولفت إلى أن هذه المشكلة لا تتوقف عند المهربين، إذ حتى نقل الأدوية بين الولايات غير مطابق للشروط الصحية، ولا يخضع لرقابة فعلية من الجهات المختصة. وأشار إلى اختلاف التسعيرة ما بين صيدلية وأخرى، في حين ترتبط ندرة الدواء ببعض المصانع المحلية التي توقفت عن التصنيع، مؤكداً على ضرورة دعم الدولة للدواء وتشديد الرقابة لإنقاذ حياة المواطنين.

وقال رئيس شعبة الصيدليات الدكتور نصري مرقص إن أزمة الدواء بدأت مع النظام السابق وورثتها حكومة الثورة. ولفت إلى أن الواقع في منتهى السوء، إذ تتشعب المشكلات ما بين ارتفاع الأسعار وندرة الأدوية المنقذة للحياة خاصة، ما دفع إلى تعاظم التهريب مع ما لذلك من تأثير على فاعلية الأدوية.

ولفت إلى أن الحكومة وظفت 300 مليون دولار في مجال الدواء، جزء من المبلغ صرف على الإمدادات الطبية باعتبارها القطاع المعني باستيراد الدواء للمستشفيات والمراكز الطبية والصحية، وجزء ذهب لمصانع الدواء السودانية، التي شرعت في فتح اعتمادات لاستيراد المواد الخام. ودعا مرقص إلى برمجة استيراد الدواء بطريقة علمية، بحيث يكون هنالك 20 في المائة من المخزون المتوافر لتغطية الفترة الفاصلة ما بين طلب الشحنات ووصول الكمية المستوردة إلى السودان.

بدوره، ربط عضو اللجنة الاقتصادية في قوى الحرية والتغيير كمال كرار أزمة الدواء بتعويم الجنيه، وانتقد بشدة، في حديث مع "العربي الجديد"، متخذي القرار تبعاً لسياسات صندوق النقد الدولي، مبينا أن 90 في المائة من الغذاء والدواء مستورد من الخارج، وبالتالي التضخم مرتبط مباشرة بسياسة التعويم.

وأكد أن الدواء خدمة وليس سلعة، وأن انفلات أسعار الدواء هو نتيجة لسياسة الدولة الخاطئة في إدارة الاقتصاد. أما عضو جمعية حماية المستهلك السودانية حسين القوني، فطالب خلال حديث مع "العربي الجديد"، إما بدعم الدواء بشكل كامل، أو تعديل سعر دولار الأدوية، أو أن تتحمل الدولة مباشرة تغطية الأسعار الجديدة.

لكن الاقتصادي عبد الله الرمادي قال إن الندرة والانفلات في الأسعار مرده الانصياع لسياسة صندوق النقد والبنك الدوليين، باعتبارها من الاشتراطات التي بموجبها يمكن أن تُشطب ديون السودان. وقال لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة لم تتدرج في اتخاذ القرارات، وفرضتها دفعة واحدة، ما خلق أزمة كبيرة في الأسواق، فارتفع مستوى الأسعار والتضخم.

وأشار إلى ندرة حادة في الأدوية مع نزيف يتمثل بتهريب الدواء عبر الحدود إلى دول الجوار. وشرح الاقتصادي عادل عبد المنعم أنه من الواضح أن تحرير سعر دولار الدواء خلق أزمة كبيرة للمواطنين، حيث إن مداخيل 80 في المائة من الشعب السوداني محدودة.

واعتبر أن اعتماد سعر الصرف المحرر بالنسبة للدواء "خطأ"، إذ كان بالإمكان تحرير دولار القمح والوقود واستثناء الدواء باعتباره حاجة ترتبط بالحياة والموت بالنسبة للمواطنين. وطالب بأن تضع الدولة سياسات دوائية خاصة، إذ بإمكانها أن تعمل على إعادة 10 في المائة من حصائل الصادرات للدواء كما كان سائداً في السابق.

وحث الدولة على دعم الدواء بنسبة لا تقل عن 75 في المائة وإغلاق باب استيراد السلع الكمالية حتى تستطيع أن تجلب الدواء والسلع الأساسية.

ووصف الصيدلي محمد إبراهيم تحرير سعر دولار الدواء في ظل هذه الأوضاع بأنه بمثابة الحكم بالموت على الكثير من الناس، وقال إن العلاج والدواء يجب أن يكونا مجاناً في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي يعاني منها المواطن، أو بالحد الأدنى دعم سعر الدواء. ولفت إلى أن البلاد تشهد ارتفاعا غير مسبوق في سعر الدواء، بحيث يعجز معظم المواطنين عن اقتنائه. وأشار إلى أن الحكومة حولت شعارات مجانية الصحة والتعليم إلى آلية من أجل مخاطبة عواطف الناس لا أكثر.

المساهمون