رغم إطلاق مصرف سورية المركزي خدمة الدفع الإلكتروني عبر القطاع المصرفي منذ مطلع العام الجاري، إلا أنّ هذه الخدمة لم تُفعّل حتى الآن، نظراً لعدم اكتمال البنى التحتية المطلوبة، إضافة إلى عدم الثقة من جانب الشركات والزبائن، على حد سواء، بهذه الطريقة للتسوق، فضلاً عن ضعف السيولة بين أيدي المواطنين الذين يفضّلون إنفاق المبالغ القليلة التي بحوزتهم بالطرق التقليدية المألوفة.
ومنحت حكومة النظام السوري، في مايو/أيار الماضي، أول تصريح عمل لتطبيق متخصص في مجال خدمات الدفع الإلكتروني، يحمل اسم "إي ليرة - E-lira".
ووفق مديرة التنظيم والتراخيص في الهيئة الوطنية لخدمات الشبكة مادلين الشلي، فإنّ التطبيق "سيقدّم خدمات الدفع الإلكتروني، بما فيها تسديد الفواتير والرسوم والاشتراكات والأقساط، لكل المؤسسات ذات النشاط التجاري أو الصناعي أو الخدمي أو التعليمي في القطاعين العام والخاص"، مشيرة إلى وجود 3 شركات أخرى تقدمت للحصول على تصريح مماثل.
وكانت "الهيئة الوطنية لخدمات الشبكة" التابعة لحكومة النظام السوري قد دعت، في أغسطس/آب الماضي، أصحاب التطبيقات الإلكترونية العاملة على الشبكة للحصول على تصريح من الهيئة خلال 3 أشهر، وهددت بإيقاف عمل أي تطبيق لم يحصل على التصريح خلال المهلة الممنوحة.
وأوضح حاكم مصرف سورية المركزي التابع للنظام محمد عصام هزيمة، في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام المحلية، أنّ المرحلة الأولى في عملية الدفع الإلكتروني تمثلت في ربط منظومات الدفع الإلكتروني في 4 مصارف خاصة، هي "سورية الدولي الإسلامي" و"الشام" و"سورية والخليج" و"البركة سورية"، قبل أن تتوسع لتضم مصارف أخرى، بالتعاون مع المصرف المركزي وشركة "فاتورة" للدفع الإلكتروني التي أُعلن عن إنشائها العام الماضي، مشيراً إلى نشر 3500 نقطة بيع أو جهاز "بي أو إس" في قطاعات مختلفة، مثل المطاعم والمتاجر.
وأوضح هزيمة أنّ المدفوعات عن طريق البطاقة معفاة من تحديد السقف، خلافاً للسحب النقدي الذي له سقف محدد في اليوم الواحد.
ورغم هذا الترويج من جانب حكومة النظام السوري لـ"خطة التحوّل الرقمي" التي تتحدث عنها باستمرار، إلا أنّ طرق الدفع القديمة، أي عبر العملات النقدية، هي السائدة، ولا يستخدم المواطنون السوريون الخدمات الحكومية الإلكترونية سوى في تحديد كميات المواد التموينية التي يحصلون عليها عبر "البطاقة الذكية" التي تديرها شركة مقربة من أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام.
البيع على فيسبوك
وخلافاً للخطوات الحكومية المتعثرة بشأن الدفع الإلكتروني، ينتشر بشكل متسارع، في الآونة الأخيرة، البيع عبر موقع "فيسبوك" بمبادرات فردية من شركات صغيرة أو أفراد، عبر الإعلان عن سلع معينة عبر التطبيق، والاتفاق بين البائع والمشتري، على أن يتم الدفع نقداً عبر اللقاء المباشر عند استلام البضاعة.
وتنتشر على الشبكة العنكبوتية اليوم الكثير من المواقع المتخصصة بالبيع لمواد مختلفة، كالسلع الغذائية والمنظفات والألبسة والأجهزة الكهربائية والأثاث المنزلي، والتي تغري المستهلك من خلال عرض أجود أنواع البضائع بأسعار منافسة للسوق، إلا أنّه على أرض الواقع، كثيراً ما تكون السلعة بمواصفات أقل من المعلن عنها.
ونقلت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، عن مصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، قوله إنه جرى، في الآونة الأخيرة، ضبط إحدى الشركات التي تعمل عبر الإنترنت بناء على شكوى، نتيجة بيعها مواد مجهولة المصدر، وفي هذه الحالة، يجرى التعاون مع وزارة الاتصالات للتعرّف على عنوان صاحب المنتج، ويُحوّل إلى وزارة الداخلية ثم إلى القضاء.
وأوضح أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة، في تصريح للصحيفة، أنّ التوجه نحو التسوق الإلكتروني "جاء نتيجة الفرق السعري بين المواد المعروضة على صفحات فيسبوك وتلك الموجودة في الأسواق، إضافة إلى بعض المغريات والإعلانات التي قد تكون كاذبة في ضوء انخفاض القدرة الشرائية، ما يدفع البعض إلى الشراء بغض النظر عن الجودة"، مطالباً بالإسراع في "التحول الرقمي وشرعنة التجارة الإلكترونية بشروط ومعايير أفضل من الموجودة حالياً".
تخلّف الإجراءات الحكومية
ورأى الصحافي الاقتصادي فؤاد عبد العزيز أنّ "سورية، ورغم ما حلّ بها من خراب شامل، لا يمكنها أن تظل بعيدة عن ظاهرة التجارة الإلكترونية المنتشرة اليوم في كل العالم، رغم تخلف الإجراءات الحكومية، وضعف السيولة لدى المواطنين".
وأضاف عبد العزيز، في حديث مع "العربي الجديد" اليوم الجمعة، أنّ التكاليف المرتفعة للعمل التجاري التقليدي، أي شراء أو استئجار محل، والحصول على التراخيص، ودفع الضرائب، تدفع العديد من المنتجين إلى التجارة الإلكترونية التي هي بلا تكلفة تقريباً، لكن مع عدم وجود ضوابط حقيقية لهذه التجارة، بالرغم من صدور قوانين وقرارات سابقة لتنظيمها، ذلك أنّ أغلب عمليات البيع تجرى بين الطرفين من دون علم الجهات المكلفة بالرقابة، ما لم يحدث خلاف ويقدّم أحد الأطراف شكوى ضد الآخر.
ورأى عبد العزيز أنّ المصاعب التي تواجه الدفع الإلكتروني ليست تقنية بالدرجة الأولى، لكنها تتمثل بعدم الثقة من جانب الشركات والمستهلكين بهذا النظام، بسبب ضعف ثقافة التسوق الإلكتروني في البلاد، فضلاً عن ضعف السيولة النقدية بين أيدي المواطنين، حيث تكون الكتلة المالية التي بحوزتهم موزعة مسبقاً على نفقات محددة يدفعونها نقداً، وليس لديهم ترف الشراء الإلكتروني خارج إطار هذه الاحتياجات الأساسية.
ولفت إلى أنّ جزءاً من مخاوف التجار والمؤسسات يتعلّق أيضاً بالخشية من ملاحقتهم ضريبياً، حيث تنص القوانين السارية على دفع نسبة 30% من الأرباح لوزارة المالية، و"هذا غير منطقي بالنسبة لهم، ما يتطلب إصدار قوانين جديدة لإصلاح النظام الضريبي"، بحسب قوله.