الحكومة المصرية وصندوق النقد وبينهما مواطن

20 نوفمبر 2024
تراجع مستوى المعيشة وسط خفض قيمة الجنيه وزيادة الأسعار والضرائب (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الإصلاحات الاقتصادية والتحديات: تسعى الحكومة المصرية لتحقيق تقدم اقتصادي مع تعافي الاقتصاد وارتفاع احتياطي النقد الأجنبي، رغم الضغوط على المواطنين بسبب خفض قيمة العملة وارتفاع الأسعار.
- السياسات الاقتصادية والنقد الدولي: تواجه مصر تحديات مع صندوق النقد الدولي، حيث أصبحت من أكبر المقترضين، مما أدى إلى خفض قيمة العملة وارتفاع التضخم، مع دعوات لمراجعة السياسات الاقتصادية.
- التحديات المستقبلية والسياسات الحكومية: تعتمد الحكومة على القروض الخارجية لمشاريع ضخمة، مما يزيد الأعباء الاقتصادية، مع تساؤلات حول قدرتها على تطوير سياسات تلبي احتياجات الشعب وتقلل الاعتماد على القروض.

مازالت الحكومة المصرية تصر على أنها حققت خطوات رائعة في طريق الإصلاح الاقتصادي، حيث بدأ  الاقتصاد في التعافي، وبدأت معدلات التضخم في التراجع، وارتفع احتياطي النقد الأجنبي لأعلى مستوياته على الإطلاق، بينما تراجعت الديون الخارجية مقارنة بمستواها عند بداية العام.

ومازال صندوق النقد الدولي يصر على تنفيذ عدة نقاط تم الاتفاق عليها عند التوقيع على اتفاق القرض الأخير في مارس 2024، والمقدرة قيمته بثمانية مليارات دولار، وفي مقدمتها السماح بالمزيد من المرونة في تحديد سعر صرف العملة المصرية، وتخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد، وبيع المزيد من الأصول المملوكة للدولة، مع إزالة الكثير مما تبقى من الدعم الحكومي لتكلفة الخدمات الأساسية في البلاد.

ومازال المواطن المصري "محشوراً" بين سندان الحكومة ومطرقة الصندوق، تتوالى عليه دورات متسارعة من خفض قيمة العملة، وارتفاع الأسعار، وزيادة الضرائب، ما ترتب عليه تراجع مستوى معيشته، حيث ارتفعت أسعار كل الخدمات الأساسية وغير الأساسية، بعدما فُتح الباب على مصراعيه لدخول المستثمرين الأجانب إلى السوق، واندفعت الحكومة المصرية نحو التخلي عن العديد من الشركات، أو حصص فيها، في تجسيد حزين لما يطلق عليه بيع المضطر!

ودخلت الحكومة المصرية في علاقة معقدة مع صندوق النقد الدولي، حيث أصبحت من أكبر المقترضين من المؤسسة الدولية، وتأتي في المرتبة الثانية، فلا يسبقها إلا الأرجنتين. ونتج من هذه العلاقة عدة اتفاقيات تمويلية تمت بين الطرفين على مدار سنوات، خاصة بعد ثورة 2011 التي أدت إلى تغييرات جذرية في النظام الاقتصادي والسياسي في البلاد. وخلال السنوات العشر الأخيرة (قبل 2024)، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي، الحاكم الأوحد للبلاد هو المسؤول الأول عن السياسات الاقتصادية، وكان منغمساً في كل تفاصيلها، على نحو لم يظهره أي من أسلافه.

وفي حين أن الحكومة المصرية والرئيس والصندوق يقولون إن هذه الاتفاقيات تهدف إلى دعم استقرار الاقتصاد المصري وتحفيز النمو، خفضت مصر الجنيه أربع مرات في عامين، كان آخرها في مارس الماضي، لتفقد العملة المصرية ما يقرب من ثلثي قيمتها مقابل الدولار. وتسبب انخفاض قيمة العملة المصرية في ارتفاع التضخم، مقترباً من 40% في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، مما أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر ذات الدخل المحدود.

وفي حديثه إلى "حابي بودكاست" قبل أقل من شهرين، وفي عدة مقالات لاحقة كتبها، أكد زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولي الأسبق، ورئيس هيئة الاستثمار وهيئة الرقابة المالية الأسبق، أن النظر إلى الإجراءات التي تم اتخاذها في الماضي يجب ألا يأتي من منطلق العتاب واللوم بقدر ما يجب أن يكون نابعًا من المراجعة وتصحيح الأخطاء.

وقال بهاء الدين: "اليوم، لدينا فرصة لنراجع السياسات الخاطئة التي وضعتنا في هذا الوضع الصعب، وليس مجرد الاعتماد على الأزمات العالمية بما هي أسباب وحيدة للمشكلات التي نواجهها". وأضاف: "المشكلة كانت ولا تزال تكمن في الإدارة الاقتصادية والسياسات التي أوصلتنا إلى هذا الوضع. ما يجب أن ننشغل به الآن هو كيفية معالجة المشكلات المزمنة التي دفعتنا إلى الأزمة الأخيرة، حتى لا تتكرر وربما تكون أكثر حدة".

رفض بهاء الدين تحميل الأسباب الخارجية وحدها المسؤولية عن أزماتنا الاقتصادية، مشيراً إلى أن السياسات الداخلية ساهمت بشكل كبير في تعظيم تأثير الأحداث الخارجية، سواء كانت الغزو الروسي لأوكرانيا، أو الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية ولبنان. وقال: "تلك السياسات ضاعفت من تأثير الأزمات علينا وجعلت اقتصادنا أكثر هشاشة وأقل استعدادًا للتكيف".

وقال بهاء الدين إن السياسات التي ارتكزت على التوسع في تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وزيادة الاقتراض الخارجي والمحلي، وتنفيذ عدد كبير من المشروعات الوطنية بشكل متزامن، كانت من بين الأسباب الرئيسية للمشكلات الاقتصادية الحالية.

وتختلف آراء بهاء الدين، وأغلب المحللين الاقتصاديين المصريين غير الموالين، مع ما روجت له الحكومة المصرية ورئيسها، من تسبب الأزمات الخارجية، وبصورة حصرية، في أزمات مصر الاقتصادية. وتأكيداً على ذلك، استمرت الحكومة في تنفيذ مشاريعها الضخمة، اعتماداً على القروض الخارجية، بينما شبه السيسي أحوال الدولة المصرية بالظروف التي أعقبت هزيمة 1967، فيما اعتبره البعض تمهيداً للمزيد من الصعوبات الاقتصادية التي يتعين على المصريين انتظارها، وذلك بعد رفع أسعار الوقود ثلاث مرات العام الحالي، ورفع أسعار الكهرباء عدة مرات، لم يتمكن المصريون من حصرها.

ويوم الاثنين، وافق الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر على زيادة أسعار خدمات المحمول والإنترنت للشركات الأربعة العاملة في السوق المحلية، للمرة الثانية هذا العام، بحجة ارتفاع تكاليف التشغيل. وقال الجهاز إنه يدرس التوقيت الأنسب لتطبيق الزيادات الجديدة.

وكانت شركات الاتصالات المصرية قد رفعت أسعار خدماتها، في بدايات العام الحالي، بنسب تتراوح بين 10% و17% على المكالمات والبيانات، كما حصلت شركات المحمول على موافقة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات على مراجعة أسعار خدمات المحمول والإنترنت كل عدة أشهر. وتقدمت النائبة في البرلمان المصري مها عبد الناصر وقتها بطلب إحاطة، قالت فيه إن زيادة أسعار الإنترنت أثارت حالة من الغضب والاحتقان، لغياب الأسباب المقنعة لتلك الزيادة وتوقيتها، إذ "مارست الحكومة هوايتها المفضلة في زيادة الأعباء على المواطنين، سواء برفع أسعار بطاقات مترو الأنفاق والقطارات مع بداية العام، أو زيادة أسعار كروت الشحن الخاصة بالمحمول، وشرائح استهلاك الكهرباء".

وبينما يلح سؤال عن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الحكومة المصرية، بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، في التضييق على المواطن المصري، تعتمد الإجابة بشكل كبير على مدى صدق رغبة "أولي الأمر" في تطوير سياسات اقتصادية تتماشى مع احتياجات الشعب وتقلل من الاعتماد على القروض الدولية، وتوفر لمواطنيها حياة كريمة، بعيداً عن شروط الديون والتبعية المالية.

المساهمون