الحضور الصيني في قلب القمة الخليجية

11 ديسمبر 2022
الصادرات البترولية للدول الخليجية لا تزال تمثل المصدر الأهم للسوق الصيني (فرانس برس)
+ الخط -

جاء الحضور الصيني لافتا بشدة في قلب قمة مجلس التعاون الخليجي الحالية، لا سيما في ظل التحولات العالمية والإقليمية العميقة والشاملة، وكذلك في ظل مشاكل اقتصادية كبيرة يمر بها الاقتصاد العالمي تسببت في اندلاع موجات من الاحتجاجات لم تقتصر على الدول الفقيرة فقط، بل امتدت للعديد من دول العالم الأول. 

وقد انعقدت في العاصمة السعودية الرياض أعمال القمة 43 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، والقمة الخليجية الصينية والقمة العربية الصينية بحضور عدد من القادة العرب والرئيس الصيني شي جين بينغ، وجاء الجمع زمنيا بين هذه القمم للتأكيد على الرغبة في تعزيز التعاون المشترك بين الأطراف، خاصة في ظل الأقاويل المتداولة عن توتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية خاصة بعد مواقف أوبك بلس ضد رغبة الإدارة الأميركية. 

ولا شك أن الحضور الصيني للقمة الخليجية لن يقف عند حدود تعزير المشتركات السياسية، بل من المؤكد أن يمتد للجوانب الاقتصادية، وهو الأمر الذي أكدته الكلمة الافتتاحية للأمير محمد بن سلمان أن القمة تؤسس لما وصفها "بانطلاقة تاريخية جديدة لعلاقات الصين بدول الخليج"، كما أكد أن "دول مجلس التعاون تولي أهمية قصوى للرفع من مستوى الشراكة الاستراتيجية مع بكين". 

علاقات اقتصادية خليجية صينية قوية 

وعلى الرغم من محاولات الصين تنويع مصادر وارداتها النفطية بالإضافة إلى محاولاتها لإحلال الطاقة النظيفة محل الوقود الأحفوري، إلا أن الصادرات البترولية للدول الخليجية لا تزال تمثل المصدر الأهم للسوق الصيني الشره لاستهلاك الطاقة، خاصة في ظل اضطراب الإمداد النفطي من بعض الدول الآسيوية كنتيجة للاحتجاجات الشعبية، ومن المتوقع أن تتعزز الصادرات البترولية الخليجية بصورة أكبر خلال الأعوام القادمة، حيث تشير الدراسات إلى أن الصين ستعتمد على الأسواق الخارجية لتوفير نحو 80% من احتياجاتها النفطية بحلول عام 2030. 

وفي نوفمبر الماضي، وقعت قطر أطول عقد في تاريخ صفقات الغاز الطبيعي مع الصين، حيث وقعت "قطر للغاز" اتفاقية بيع وشراء مع مؤسسة الصين للبترول والكيماويات "سينوبك" لتوريد 4 ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين لمدة 27 عاماً، بداية من عام 2026، وهذه هي الاتفاقية الثانية من نوعها منذ مارس/ آذار 2021 عندما وقعت "قطر للطاقة" اتفاقية مع "سينوبك" لتوريد مليوني طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين لمدة 10 سنوات. 

ولم تتوقف العلاقات الاقتصادية بين الصين والخليج عند حدود الطاقة، بل نجح الطرفان في تطوير علاقتهما المصرفية عبر إدراج "البنك الصناعي والتجاري الصيني" ICBC إصدارين في سندات بورصة "ناسداك دبي" بقيمة إجمالية 1.4 مليار دولار (700 مليون دولار لكل منهما)، لتبلغ بذلك القيمة الإجمالية لتلك الإصدارات 4.56 مليارات دولار عبر تسعة إصدارات. 

يضاف إلى ذلك البروز المؤخر لدول الخليج في مبادرة الحزام والطريق الصينية، فعلى الرغم من تركيز المراحل الأولى للمبادرة على ربط منطقة غرب آسيا بالمبادرة عبر الممر الاقتصادي الصين-وسط آسيا-غرب آسيا، إلا أنه ومع انضمام بعض الدول الخليجية إلى "البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية AIIB، الذي يمثل إحدى الأذرع المالية المهمة للمبادرة، بدا واضحا اهتمام الدول الخليجية بالانخراط في المبادرة. 

ومنذ أيام قلائل صرحت وزارة الخارجية الصينية أن "الدول العربية تعد جزءا هاما من حضارة طريق الحرير وشريكا طبيعيا بمبادرة الحزام والطريق".

وأكدت أن "تعميق التعاون في مبادرة الحزام والطريق سيعود بمزيد من الفوائد على شعوب الدول العربية وبقية العالم". 

كما أن التعاون الاقتصادي بين الطرفين مرشح للتطور في مجالات الموانئ وسلاسل الإمداد والأمن الغذائي وغيرها العديد من الأنشطة الاقتصادية، ولعل ما أعلنته وزارة الخارجية الصينية عن تنفيذ الصين مع الدول العربية أكثر من 200 مشروع كبير في البنية التحتية والطاقة ومجالات أخرى، يستفيد منها نحو ملياري شخص من الجانبين يوضح تسارع وتطور وعمق العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. 

منطقة تجارة حرة خليجية صينية

عُقدت العديد من جولات المفاوضات بشأن إقامة منطقة تجارية حرة خليجية صينية، وقد بدأت تلك المفاوضات منذ عام 2004، وفي القمة الأخيرة أكد ولي العهد السعودي تطرق المباحثات إلى إنشاء منطقة تجارة حرة خليجية صينية، كما تداولت وسائل الإعلام إتمام الاتفاق على "ضرورة إتمام المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون والصين في أسرع وقت ممكن، وإقامة منطقة التجارة الحرة بين مجلس التعاون والصين في يوم مبكر، بغية رفع مستوى التحرير والتسهيل للتجارة وحوكمة المصالح التجارية والاقتصادية للطرفين". 

ويرى الجانبان أن إقامة منطقة التجارة الحرة بين الجانبين أمر يتفق مع مصالحهما المشتركة، لما لديهما من مقومات التكامل الاقتصادي القوية، وتجدر الإشارة إلى أنه حال تنفيذ هذه المنطقة، فإن ذلك ولا شك سيرفع مستوى التعاون الاقتصادي بين الطرفين ويدخل بهما نحو آفاق أكثر رحابة ليس فقط على المستوى التجاري، بل ربما نرى للمرة الأولى توطين العديد من الصناعات في المنطقة الخليجية. 

وأخيرا فمن المؤكد أن انفتاح الدول العربية بصفة عامة ودول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص على اقتصادات كبرى بخلاف الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية سيخفف من حدة التبعية الاقتصادية وتمركز القرار الاقتصادي حول تلك الدول، الأمر الذي سيعزز المكانة الاقتصادية لتلك الدول عبر تحقيق أهدافها المؤجلة في التنويع الاقتصادي والخروج من دوامة الاعتماد على صادرات الطاقة والبقاء تحت سيف الأسعار العالمية. 

تمتلك دول الخليج فوائض مالية ضخمة، علاوة على مخزوناتها الضخمة من البترول والغاز، الأمر الذي يجعلها ندا وشريكا رئيسيا لأي اقتصاد عالمي كبير، ولا شك أن الفرصة الحالية تاريخية للخروج من العباءة الأوروأميركية نحو بناء تحالفات جديدة تعمل على التوطين الصناعي والتكنولوجي والتحول من الاقتصاد الريعي نحو الإنتاج والنمو المتنوع والمستدام، وربما تكون الخطوات نحو الصين بداية تعقبها شراكات أخرى استراتيجية مع العديد من الدول المتقدمة.

المساهمون