الحرب والتضخم يخنقان العالم: الاقتصادات في غرفة الطوارئ

24 سبتمبر 2022
الاقتصاد الألماني الأكثر هشاشة في أوروبا (Getty)
+ الخط -

الاقتصاد العالمي يتداعى والأسواق المالية تومض باللون الأحمر، مما يعكس إحساساً في وول ستريت بأن تباطؤاً حاداً في النشاط الاقتصادي العالمي أمر لا مفرّ منه.

يشرح تقرير موسع نشرته "وول ستريت" اليوم السبت أن التضخم يرتفع والبنك المركزي يستجيب بقوة، فيما يزيد قلق المستثمرين وسط تأثيرات العدوان الروسي على أوكرانيا. وفي حين نجا الاقتصاد الأميركي إلى حد كبير من أسوأ هذه الآفات، لكن ارتفاع الدولار يعاقب بقية العالم، في وقت يفوق فيه ارتفاع الأسعار في العديد من الأماكن المداخيل.

تنتشر علامات الإجهاد. أظهرت بيانات يوم الجمعة أن النشاط الاقتصادي في أوروبا انخفض بشكل حاد في سبتمبر/ أيلول، مما يزيد من مخاطر الركود، في الوقت الذي تصارع فيه الحكومات الاضطرابات المرتبطة بالحرب. في المملكة المتحدة، انخفض الجنيه إلى أدنى مستوى له منذ عام 1985 بعد أن اقترحت الحكومة تخفيضات ضريبية في محاولة لاستئناف النمو، مما زاد من مخاوف التضخم. استأنف الين الياباني يوم الجمعة انخفاضه مقابل الدولار، بعد يوم واحد فقط من تدخل البلاد لتعزيز قيمته لأول مرة منذ عام 1998.

يضيف التقرير أنه في جميع أنحاء العالم تتلاشى أحجام التجارة ويقضي التضخم على ثقة الأسر والشركات. يشهد سوق الإسكان في الصين تصدعاً، في حين أن أزمة الطاقة في أوروبا تقوض إنتاج المصانع. ويسلط تنصل السوق من خطة خفض الضرائب في المملكة المتحدة الضوء على الخيارات الضيقة التي تواجهها الحكومات وهي تحاول إعادة التوازن في مواجهة النمو الضعيف والتضخم المرتفع.

ضعف النشاط الاقتصادي

البنوك المركزية بقيادة بنك الاحتياطي الفيدرالي، بعد عامين فقط من صرف حوافز ضخمة، تعطي الأولوية لمكافحة التضخم، وزيادة أسعار الفائدة بوتيرة لم نشهدها منذ عقود. والنتيجة هي ضعف واضح في النشاط الاقتصادي في العديد من المناطق، تضخّمه تقلبات السوق التي تعود في بعض الحالات إلى المستويات التي شوهدت آخر مرة في الأزمة المالية، بحسب التقرير ذاته.

يوم الجمعة، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي إلى ما دون 30000، مسجلاً أدنى مستوى جديد في عام 2022، وأخذ مؤشرات الأسهم الرئيسية إلى رابع انخفاض أسبوعي بنسبة 3%. تراجعت العقود الآجلة للخام الأميركي بنسبة 6 % لتصل إلى أول إغلاق لها دون 80 دولاراً للبرميل منذ 11 يناير/ كانون الثاني. بلغت عائدات السندات الحكومية أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

قال جينس ماجنوسون، كبير الاقتصاديين في SEB، وهو بنك مقره السويد: "إنها تجربة نوعاً ما، مدى السرعة والصعوبة التي يمكنك بها رفع أسعار الفائدة دون تدمير الاقتصاد الحقيقي".

وخفض "غولدمان ساكس" هذا الأسبوع هدفه لمؤشر S&P 500 لنهاية عام 2022 بنسبة 16% إلى 3600. تم تداول المؤشر يوم الجمعة عند 3663. وقال ديفيد كوستين من بنك غولدمان ساكس إن الأسعار "تغيرت بشكل كبير". نتيجة لذلك، فإن النظرة المستقبلية للأسواق "غامضة بشكل غير عادي".

قال بنك أميركا يوم الجمعة إنه يتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة بنسبة 1% في الأرباع الأربعة المنتهية في الربع الأخير من عام 2023، وأن يرتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 5.6% في ديسمبر/ كانون الأول 2023.

ما هو حجم الازمة؟

تؤكد هذه التوقعات لغزاً مركزياً في هذه الدورة: ما مدى سوء الأخبار الاقتصادية، بعد أن ساعد التحفيز القياسي في تجنب كارثة اقتصادية خلال كوفيد؟

يجيب تقرير "وول ستريت" أنه في الوقت الحالي تتراجع بعض اختناقات العرض ولا تزال البطالة منخفضة في الاقتصادات المتقدمة. لقد انغمست الأسر في هذه البلدان في المدخرات التي تم جمعها خلال الوباء، مع زيادة إنفاقها بمعدل سنوي قدره 2.4% في الأشهر الستة حتى يونيو/ حزيران، وفقاً للمحللين في "جي بي مورغان"، كما ارتفعت العمالة العالمية بأكثر من ضعف ما كانت عليه في فترة ما قبل الجائحة.

وقد أدت عمليات الإغلاق الخاصة بفيروس كورونا والحملة ضد الفساد وغير ذلك إلى وضع الاقتصاد الصيني في مسار مكثف محتمل. يشرح ديون روبوين من وول ستريت جورنال كيف أن الانكماش الاقتصادي في الصين يمكن أن يضر بالولايات المتحدة وبقية العالم. 

وتحاول الولايات المتحدة حتى الآن التغلب على التضخم المرتفع، وتباطؤ الناتج الاقتصادي وتأثير الحرب الأوكرانية بشكل أفضل من بعض الأجزاء الأخرى من العالم. لا يزال الإنفاق الاستهلاكي ونمو الوظائف قويين ويقوم بعض المصنعين بتحويل الإنتاج من الخارج، مما يعزز الاستثمار.

وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يوم الأربعاء إن تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة من المرجح أن يتطلب بطالة أعلى إلى حد ما وفترة مستدامة من النمو المنخفض. أضاف: "سوف نستمر في ذلك حتى نتأكد من إنجاز المهمة".

ومع ذلك، فإن سوق الإسكان، التي غالباً ما تكون مؤشراً رئيسياً للضعف الاقتصادي، تتراجع مع ارتفاع معدلات الرهن العقاري. 

في منطقة اليورو، تراجعت مبيعات التجزئة في الأسابيع الأخيرة حيث وصلت ثقة المستهلك إلى أدنى مستوى لها منذ أن بدأت السجلات في عام 1985. وانكمش الإنتاج الصناعي للمنطقة بنسبة 2.4% في يوليو/ تموز مقارنة بالعام الذي سبقه حيث أدت تكاليف الطاقة الجامحة إلى خنق المصنعين. يعتقد دويتشه بنك أن اقتصاد المنطقة قد يتقلص بنسبة 2.2% العام المقبل، بقيادة انكماش بنسبة 3.5% في ألمانيا، بحسب وول ستريت جورنال.

ومع ذلك، فإن المحللين متفائلون بشكل متزايد بأن المنطقة سيكون لديها ما يكفي من الغاز لفصل الشتاء، بشرط ألا يكون الطقس شديد البرودة. أنفقت حكومات المنطقة أكثر من 500 مليار يورو لدعم الأسر والشركات خلال أزمة الطاقة، وفقاً لحسابات "بروغل"، وهي مؤسسة فكرية في بروكسل.

وقال جيروم هيغيلي، كبير الاقتصاديين في شركة إعادة التأمين Swiss Re والمسؤول السابق في البنك المركزي السويسري لـ "وول ستريت جورنال": "الاقتصاد العالمي في غرفة الطوارئ" .

المساهمون