الحرب في أوكرانيا تهدد إمدادات الغذاء في العالم العربي

28 مارس 2022
السلع أصبحت أكثر غلاء وندرة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

أنهكت الأوضاع الاقتصادية المتردية في لبنان، على مدار العامين الماضيين، المواطنة ليال أسود، وفي ظل الاجتياح الروسي لأوكرانيا، الذي رفع أسعار الأغذية والطاقة بشكل أكبر، باتت تجد صعوبة بالغة في توفير الطعام لأسرتها المكونة من أربعة أفراد.

تقول ليال، ربة منزل في الثامنة والأربعين، بعد زيارة للمتجر وقفت فيها مندهشة أمام غالونات من زيوت الطهي التي ارتفعت أسعارها إلى معدلات قياسية: "حتى الخبز لم يعد شيئا مضمونا بعد اليوم".

من لبنان والعراق وسورية، وصولا إلى السودان واليمن، يتساءل الملايين في الشرق الأوسط، الذين انقلبت حياتهم رأسا على عقب بسبب الصراعات والنزوح والفقر، عما إذا كانوا سيجدون شيئا يأكلونه على مائدتهم في الوجبة التالية.

توفر كل من روسيا وأوكرانيا ثلث صادرات العالم من القمح والشعير، وهما العنصران اللذان تعتمد عليهما بلدان الشرق الأوسط في إطعام ملايين الأشخاص الذين يعتبر الخبز المدعم والمعكرونة الرخيصة دعائم غذائهم. وهما أيضا من أكبر مصدري الحبوب وزيت بذرة دوار الشمس المستخدم في الطهي.

حتى قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، عانى الأشخاص عبر أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من نقص الغذاء. أما الآن، ومع اضطراب حركة التجارة بسبب النزاع الدائر، فإن المزيد من البضائع أصبحت أكثر غلاء أو غير متاحة بالمرة.

مناطق الأزمات الأكثر تأثراً

وتقول لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": "ببساطة، لم يعد في مقدور الأشخاص شراء الغذاء بنفس الجودة أو الكمية التي يحتاجون إليها، ويعتبر الأشخاص في المناطق التي يدور فيها الصراع والمناطق المتأثرة بالأزمات الأكثر عرضة للخطر".

أما كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، فترى أن مجموعة مماثلة من الظروف قادت إلى سلسلة من الانتفاضات في أواخر عام 2010، في ما عرف بالربيع العربي. 

وأضافت غورغييفا، خلال مشاركتها في منتدى الدوحة أمس الأحد، أنه "حين تقفز الأسعار ولا يجد الفقراء ما يطعمونه لأسرهم، فإنهم يخرجون إلى الشوارع".

وفي العراق والسودان، أدت حالة الإحباط العامة إزاء أسعار الأغذية ونقص الخدمات الحكومية إلى خروج الناس إلى الشوارع في عدة مناسبات، خلال الأسابيع الماضية.

وتضيف فقيه: "للناس حق في الغذاء، وعلى الحكومات أن تفعل كل ما في وسعها من أجل حماية هذا الحق، وإلا فإننا لن نواجه فقط خطر انعدام الأمن الغذائي، ولكن أيضا حالة أكبر من انعدام الأمن والاستقرار تحدث نتيجة لحالة الحرمان الجسيم على هذا النطاق الواسع".

وقد أثارت الحرب في أوكرانيا مخاوف من أن الكثير من المساعدات الدولية التي يعتمد عليها الكثيرون في العالم العربي سيجرى توجيهها إلى أوكرانيا، التي فرّ منها أكثر من 3.7 ملايين شخص، في أكبر حركة نزوح تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

ووفق تحليل نشره خبراء مركز كارنيغي للشرق الأوسط الأسبوع الماضي، فإنه "بالنسبة لملايين الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والسوريين وغيرهم، ممن يعيشون في بلاد تشهد صراعات وانهيارات اقتصادية كارثية واحتياجات إنسانية متزايدة، فإن هذا سيمثل إغلاقا لمصدر حيوي لدعم الحياة هناك".

وحذرت جويس مسويا، الأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شهر فبراير/شباط: "في سورية، سيعتمد 14.6 مليون شخص على المساعدات هذا العام، بزيادة 9 بالمائة عن عام 2021، و32 بالمائة عن عام 2020".

أما في اليمن، فأصبح توفير الاحتياجات الأساسية أكثر صعوبة بالنسبة لملايين الأشخاص الذين أصابهم الفقر بعد سبع سنوات من الحرب.

وأشار تقرير حديث للأمم المتحدة ومجموعات للإغاثة الدولية إلى أن ما يقدر بنحو 160 ألف شخص في اليمن يحتمل أن يشهدوا ظروفا تشبه المجاعة في عام 2022.

وربما زاد هذا الرقم كثيرا بسبب الحرب في أوكرانيا. ولم ينجح نداء أطلقته الأمم المتحدة لإغاثة اليمن أوائل الشهر في جمع أكثر من 1.3 مليار دولار، وهو أقل من ثلث المبلغ المستهدف.

ويقول غالب النجار، أب يمني لسبعة أبناء ويبلغ من العمر 48 عاما وتعيش أسرته في مخيم للاجئين خارج صنعاء، التي سقطت في قبضة المتمردين بعد أن اندلع الصراع في حيهم الذي تسكنه الطبقة المتوسطة منذ أكثر من أربع سنوات: "لا أملك شيئا. أحتاج إلى الدقيق، كيس واحد من الدقيق. أحتاج إلى الأرز والسكر. أحتاج إلى ما يلزم الناس ليعيشوا".

الأسوأ قادم في لبنان

أما في لبنان الذي يعاني انهيارا اقتصاديا منذ أكثر من عامين، فإن السكان الذين يعانون بالفعل من نقص في إمدادات الكهرباء والدواء والبنزين يتملكهم الذعر. كانت مخازن الحبوب الرئيسية في البلاد قد دمرت في الانفجار الضخم الذي ضرب مرفأ بيروت في عام 2020.

وبالنظر إلى أن احتياطات القمح في البلاد يتوقع أن تنفد بعد ستة أسابيع، فإن الكثيرين يرون أن الأسوأ قادم. وكان الدقيق وزيت الذرة قد نفد من العديد من محلات البقالة هذا الأسبوع.

ويقول رئيس نقابة مستوردي الأغذية هاني بحصلي: "إن كل ما يوضع على الأرفف يشترى"، لافتا إلى أن "60 بالمائة من زيوت الطهي المستهلكة في لبنان تستورد من أوكرانيا، والباقي يأتي معظمه من روسيا".

واعتبر بحصلي أن :هذه ليست مشكلة صغيرة"، وكشف عن أن "البحث جار عن مصادر أخرى لاستيراد البضائع اللازمة"، غير أنه أوضح أن البلدان الأخرى اتجهت إلى حظر تصدير الأغذية أو رفع الأسعار بشكل لافت.

في الوقت نفسه، تبلغ تكلفة شراء 5 ليترات (غالون واحد) من زيت الطهي في لبنان نفس قيمة الحد الأدنى الشهري للأجور، وهو الذي ما زال ثابتا عند 675 ألف ليرة لبنانية (نحو 29 دولاراً)، رغم أن العملة اللبنانية فقدت نحو 90 بالمائة من قيمتها منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

وتنفق الأسر، مثل أسرة ليال، مبالغ أكبر من دخولها الشهرية على تشغيل مولدات الكهرباء التي تعتمد بيوتهم عليها معظم ساعات اليوم، في غياب إمدادات الكهرباء من الدولة. وحتى تلك المولدات باتت مهددة، فالأسر تقول إنها لم تعد تستطيع شراء الوقود في الأسواق.

تعلق ليال: "لقد عدنا إلى العصر الحجري، فنحن نشتري الشموع وأشياء مثل الخبز وبيكون (ماركة أجبان مصنعة) خوفا من نفاد كل شيء".

وفي سورية، تركت الحرب التي دارت على مدار 11 عاما أكثر من 90 بالمائة من السكان يعيشون في فقر، وتضاعف سعر منتجات مثل زيت الطهي خلال شهر نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي أحد الأيام الأخيرة في إحدى التعاونيات الحكومية في العاصمة دمشق، كانت الأرفف خالية إلا من أكياس السكر والمناديل الورقية.

مصر الأكثر هشاشة

أما الوضع في مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، فهو ضمن الأكثر هشاشة، فالضغوط الاقتصادية، بما فيها ارتفاع معدلات التضخم، تتزايد في البلاد التي يعيش نحو ثلث سكانها، البالغ عددهم 103 ملايين نسمة، تحت خط الفقر، وفق الأرقام الرسمية.

وفي جولة لـ"أسوشييتد برس" في عدة أسواق في ثلاثة أحياء تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في القاهرة أوائل الشهر الجاري، وجدت أن أسعار المواد الغذائية الأساسية، مثل الخبز، قد ارتفعت بما يصل إلى 50 بالمائة. ويتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر من ذلك بسبب قرب حلول شهر رمضان، الذي يرتفع فيه الطلب على المواد الغذائية.

ويرى المستهلكون أن الباعة يستغلون الحرب في أوكرانيا لرفع الأسعار رغم أنهم لم يتأثروا بتبعاتها حتى الآن.

تقول دعاء السيد، معلمة مصرية وأم لثلاثة أطفال: "يجنون الأرباح من آلامنا"، لافتة إلى أنه سيتعين عليها تخفيض استهلاكها من كل شيء.

وفي ليبيا، البلد الذي عانى ويلات الحرب الأهلية على مدار سنوات، فإن الزيادة الأخيرة في أسعار السلع الغذائية الأساسية "تقلق الشعب مما هو آت".

وفي غزة، تشهد الأسعار المرتفعة بالفعل قفزات بعد غزو أوكرانيا، ما يمثل تحديا جديدا لمليوني شخص يعانون من الفقر وسنوات من الحصار الإسرائيلي.

يستورد فايق أبو عكر، رجل أعمال من غزة، سلعا غذائية أساسية مثل الزيوت والعدس والمعكرونة من شركة تركية، ولكن حينما ألغت الشركة تعاقداتها بعد أن اندلعت الحرب الأوكرانية، لجأ الرجل إلى مصر، التي وجد أسعارها أكثر ارتفاعا رغم قربها من غزة. وتبلغ تكلفة صندوق فيه أربع زجاجات من زيت الطهي 26 دولارا، وهو ضعف السعر قبل الحرب. "خلال 40 عاما قضيتها في مجال الأعمال، لم أر أزمة كهذه"، يقول أبو عكر.

(أسوشييتد برس)

المساهمون