الحرب على غزة... وأرباح المستثمرين بالموت

16 يناير 2024
شركات السلاح الأميركيّة ترتبط بعقود توريد مع الجيش الإسرائيلي (فرانس برس)
+ الخط -

إذا كانت الحرب  على غزة عنوانًا لمآسي مفجعة بالنسبة لضحاياها، وخصوصًا المدنيين، فهي في الوقت نفسه فرصة ثمينة للمستثمرين في كبرى شركات السلاح العالميّة

أهميّة الحرب بالنسبة لهؤلاء المستثمرين لا تنحصر بارتفاع الطلب على الأسلحة التي تنتجها شركاتهم، بل إنّ الحرب هي أيضًا فرصة لتجرُبة فعاليّة التقنيّات العسكريّة الجديدة، واستعراضها على أرض الواقع. 

وبذلك، تصبح المعارك أو الغزوات العسكريّة مناسبة لتسويق هذه المنتجات الدمويّة أمام أسواق الأسلحة العالميّة، من أجل كسب عقود تسليح جديدة في دول أخرى.

لم يكن العدوان الإسرائيلي الراهن على قطاع غزة استثناءً، خصوصًا بالنسبة لشركات السلاح الأميركيّة والفرنسيّة والألمانيّة التي ترتبط بعقود توريد مع الجيش الإسرائيلي. فغزارة النيران الإسرائيليّة التي تستهدف قطاع غزة يوميًا، وبشكل غير مسبوق، أنعشت خطوط إنتاج هذه الشركات منذ بداية الحرب.

كما وجدت هذه الشركات في القطاع المُحاصر مساحة لعرض ما طوّرته خلال العقد الماضي من مسيّرات متطوّرة وصواريخ ذكيّة، بالإضافة إلى سائر تقنيّات التجسّس والتتبّع والتدريع وتوجيه القذائف.

على هذا النحو، كان من الطبيعي أن تنعكس تطوّرات العدوان على غزّة على أرباح المستثمرين في أسهم شركات التسليح المعنيّة بالحرب.

وكما كان واضحًا، كانت القفزات في أسعار أسهم هذه الشركات تجري على وقع طلبيّات الأسلحة الطارئة التي كان يرسلها الجيش الإسرائيلي، لتغذية مخزوناته واستكمال عمليّة التدمير الممنهجة التي يقوم بها في غزّة. وكانت هذه الطلبيّات تبشّر الشركات طبعًا بارتفاع مبيعاتها هذا العام، على حساب الدمار الذي تخلّفه منتجاتها.

تُعتبر شركة "لوكهيد مارتين" الأميركيّة النموذج الأكثر تعبيرًا عن حجم الأرباح التي حققها المستثمرون في شركات السلاح منذ بداية العدوان على غزة.

فقبل يوم واحد من اندلاع الحرب، أي في 6 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، كان سعر سهم الشركة يقارب حدود الـ 400 دولار، قبل أن يسجّل سلسلة من الارتفاعات غير المسبوقة بعد اندلاع الحرب، لينهي الأسبوع الثاني من العام 2024 عند مستوى 463 دولار.

بهذا الشكل، حقق المستثمرون في الشركة أرباحًا تصل نسبها إلى حدود الـ 16% من قيمة أسهمهم، خلال فترة تقارب الثلاثة أشهر وأسبوع من الزمن.

خلال هذه الفترة الزمنيّة، ارتفعت القيمة السوقيّة لأسهم شركة "لوكهيد مارتين" بنحو 16 مليار دولار، وهو ما يمثّل إجمالي قيمة الأرباح التي حققها المستثمرون في أسهم الشركة، منذ بداية الحرب.

وتجدر الإشارة إلى أنّ نحو نصف هذه الأرباح تحقّق للمستثمرين خلال الأيّام الثلاثة الأولى فقط من الحرب، أي بمجرّد اتضاح حجم العدوان المقبل على قطاع غزّة، بينما تحقق النصف الآخر من الأرباح للمستثمرين خلال أسابيع الحرب اللاحقة.

على أي حال، ولفهم ارتباط الشركة بالعدوان الحاصل، تكفي الإشارة إلى أنّها تتميّز بإنتاج الطائرات الحربيّة الأميركيّة الأكثر شهرة، أي أف 16 وأف 35، التي تستخدمها إسرائيل في عمليّاتها.

كما تُنتج الشركة قطع الغيار والمعدّات التي يحتاجها تشغيل هذه الطائرات بشكل يومي. وتُعتبر الشركة المزوّد الأساسي للعديد من التجهيزات القتاليّة الأخرى التي تستعملها إسرائيل خلال عمليّاتها، مثل صواريخ هيلفاير الموجّهة وأنظمة الرادار وبرامج توجيه وإدارة الطائرات العاموديّة وتقنيّات توجيه القذائف الذكيّة.

بالشكل نفسه، ارتفع تدريجيًا سعر سهم شركة "أر. تي. أكس. كورب" الأميركيّة من 69.77 دولارا قبل يوم واحد من اندلاع الحرب على غزة، إلى 86.33 دولارا بحلول نهاية الأسبوع الثاني من العام 2024.

أي بصورة أوضح، حقق المستثمرون في الشركة ربحًا سريعًا بنسبة 24% من قيمة أسهمهم، خلال فترة ثلاثة أشهر وأسبوع واحد. أمّا قيمة الزيادة في قيمة الشركة السوقيّة، أي قيمة أرباح المستثمرين، فبلغت خلال هذه المدّة نحو 24 مليار دولار.

مجددًا، يمكن فهم اتصال هذه الشركة بالعدوان على قطاع غزّة من خلال النظر إلى طبيعة منتجاتها العسكريّة. فشركة "أر. تي. أكس. كورب" هي المزوّد الأساسي لصواريخ القبّة الحديديّة الاعتراضيّة، التي تستخدمها إسرائيل اليوم لصد هجمات المقاومة الفلسطينيّة الصاروخيّة.

كما تتعاون الشركة مع شركة "رافائيل" الإسرائيليّة في إنتاج منظومات دفاعيّة أخرى، مثل منظومة "مقلاع داوود" التي تستعين بها إسرائيل لاعتراض الصواريخ المتوسّطة والطويلة المدى.

ثالث أبرز شركات السلاح الأميركيّة المستفيدة من العدوان على قطاع غزّة هي "نورثروب غرومان كورب"، التي قفز سعر سهمها من 423.24 دولارا قبل يوم واحد من اندلاع الحرب، إلى 481.08 دولارا في نهاية الأسبوع الثاني من العام 2024. وبهذا الشكل، حقق المستثمرون في الشركة ربحًا بنسبة 14% خلال فترة الحرب. أمّا قيمة الأرباح الإجماليّة التي حققها هؤلاء المستثمرون، جرّاء ارتفاع القيمة السوقيّة للشركة، فقاربت حدود الـ 8.69 مليار دولار.

بطبيعة الحال، كان اتصال عمل الشركة بالعدوان على قطاع غزّة نابع من تخصصها في إنتاج الذخائر وأنظمة الرادار التي تستخدمها مروحيّات الأباتشي، التي تستخدمها إسرائيل في هذا العدوان. كما تزوّد الشركة إسرائيل بالصواريخ الذكيّة التي يتم استخدامها في الطائرات الحربيّة والطرّادات البحريّة، بالإضافة إلى أنظمة التجسّس عبر الأقمار الاصطناعيّة.

أما شركة "جنرال ديناميكس" الأميركيّة، فحققت خلال الحرب على غزّة زيادة في سعر سهمها بنسبة 16%، لغاية أواخر الأسبوع الثاني من 2024. وبذلك، كانت الشركة تستفيد من تخصصها في إنتاج القذائف الضخمة أم.كاي. 82 و83 و84، التي تستعملها إسرائيل في تدمير المباني السكنيّة في قطاع غزّة. مع الإشارة إلى أنّ الشركة اضطرّت منذ بداية الحرب إلى اتخاذ إجراءات استثنائيّة، لمضاعفة إنتاجها الحربي وتلبية طلب الجيش الإسرائيلي على هذا النوع من القذائف الضخمة.

في أوروبا، تبرز شركة "رينميتال" الألمانيّة كأحد كبار المستفيدين، بعدما ارتفع سعر سهمها من 233.8 يورو قبل الحرب بيوم واحد، إلى 315.8 يورو في نهاية الأسبوع الثاني من 2024، ما عكس ربحًا للمستثمرين بنسبة 35% من قيمة أسهمهم. وكانت الشركة تستفيد بذلك من تصنيعها لقذائف الدبابات التي تستخدمها إسرائيل في عدوانها على غزّة، بالإضافة إلى قذائف "هاوتزر" المدفعيّة.

وفي أوروبا أيضًا، برزت شركة "داسو" للطيران الفرنسيّة كأبرز المستفيدين، بعدما ارتفع سعر سهمها بنسبة 9% خلال فترة الحرب، لغاية نهاية الأسبوع الثاني من 2024. وبذلك، استفادت الشركة من تزويدها الجيش الإسرائيلي بأنظمة الصواريخ الذكيّة والموجهة والطائرات المسيّرة، إلى جانب العديد من المعدات المستخدمة في الطيران الحربي.

في النتيجة، وطوال الفترة الماضية، كانت الشركات الأميركيّة والأوروبيّة تساهم في تأمين الإمدادات العسكريّة للجيش الإسرائيلي، فيما كان المستثمرون في هذه الشركات ينعمون بأرباح هذه الحرب.

ومن المعلوم أنّ سوق السلاح العالمي كان قد شهد أساسًا منذ عام 2022 انتعاشة كبيرة، جرّاء اندلاع الحرب في أوكرانيا، فيما جاء العدوان على غزّة ليرفع أرباح شركات السلاح إلى مستويات قياسيّة. أمّا المدنيون في قطاع غزّة، فليسوا في هذه الحالة سوى حقل تجارب للتقنيات العسكريّة الحديثة، ذات القدرة التدميريّة الهائلة.

المساهمون