الحرب تهدّد موازنة تونس: قفزة مرتقبة في فاتورة الطاقة

03 نوفمبر 2023
الحكومة رفعت أسعار المحروقات عدة مرات بضغوط من صندوق النقد (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

باتت الموازنة التونسية الجديدة في مهب الحرب الإسرائيلية على غزة، وسط توقعات بقفزة في فاتورة استيراد الطاقة في حال توسُّع الحرب، الأمر الذي سيتحول إلى أعباء مالية إضافية لتونس التي تعاني من أزمة مالية خانقة.

ويأتي ذلك في وقت تلجأ الحكومة التونسية سنويا إلى إعداد موازنات تكميلية لضبط نفقاتها النهائية بسبب ارتباك التقديرات، وسط انتقادات في الأوساط الاقتصادية لضعف الحوكمة المالية.

وشدد خبراء اقتصاد تونسيون في حديثهم لـ"العربي الجديد" على ضرورة بناء موازنة العام القادم على فرضيات واقعية لسعر النفط على ضوء التطورات التي تعيشها السوق العالمية، تزامنا مع تواصل الحرب الإسرائيلية على غزة تجنّبا لإرباك الإنفاق العام وتكبد فاتورة عالية لواردات الطاقة.

تعثر مشاريع الطاقة
تمثل الفرضيات المعتمدة لسعر النفط في الموازنة العامة عاملا مهما في تحديد حجم الإنفاق المخصص لدعم المحروقات، والجباية المتعلقة بالقطاع الطاقي. وبسبب تعثر مشاريعها الطاقية تلجأ تونس إلى استيراد ما يزيد عن 50 بالمائة من حاجياتها من المحروقات بينما تمثل الجزائر السوق الرئيسية للتزود بالغاز الطبيعي بكميات كبيرة جدا، وفق أحدث البيانات التي نشرها المرصد الوطني للطاقة في أغسطس/ آب الماضي.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وبسبب ارتباك التقديرات في الموازنات، تلجأ تونس سنويا إلى إعداد موازنات تكميلية لضبط نفقاتها النهائية وسط انتقادات لضعف الحوكمة المالية وعدم قدرة السلطات على استشراف تأثير الأوضاع العالمية والإقليمية على الحاجيات التمويلية للبلاد. ويقول الخبير الطاقي حامد الماطري، إن استشراف الوضع الطاقي دوليا مهم جدا في تحديد فرضيات الموازنة، مؤكدا أن حكومات تونس لا تأخذ هذا المعطى بالجدية اللازمة وهو ما يدفعها إلى مراجعة الموازنات عن طريق قوانين المالية التعديلية سنويا.

ارتدادات الحرب
أوضح الماطري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن النزاعات والحروب الدولية أو الإقليمية لها ارتدادات مباشرة على أسواق النفط، مشيرا إلى أن سوء التقديرات أدى إلى عدم تمكن حكومات تونس من غلق ميزانيّتي 2021 و2022. وأشار الخبير في الطاقة إلى أن الحرب على غزة لم تؤد حتى الآن إلى ارتفاع كبير في سعر النفط عالميا، غير أن إمكانية تحول المواجهات إلى حرب إقليمية بالتدخل الإيراني يمكن أن يؤدي إلى تعطيل إمدادات النفط من الخليج عبر مضيق هرمز وهو ما ستكون له أبعاد أخرى وتداعيات واسعة النطاق تشمل جميع الدول خارج منطقة الجوار. وأفاد المتحدث بأن التقديرات الخاطئة لأسعار النفط المعتمدة في موازنات تونس تدفع سنويا نحو اللجوء إلى الجزائر لتغطية حاجيات البلاد من الغاز والكهرباء عبر الدفع المؤجل، إضافة إلى اللجوء إلى ليبيا لتوريد المحروقات.

وكشفت بيانات رسمية صادرة عن معهد الإحصاء الحكومي عن ارتفاع الواردات من الجزائر بنسبة 588 بالمائة بفعل شراء الطاقة الكهربائية، ومن روسيا بنسبة 64 بالمائة جراء استيراد منتجات البترول.

كما كشف قانون الموازنة التكميلي لسنة 2023 الذي أقره البرلمان أخيرا أن مراجعة فرضية سعر برميل النفط أدت إلى تخصيص موارد مالية دون المستوى المقدر في قانون المالية الأصلي، إذ من المتوقع أن تصل النفقات بعنوان الدعم المحين (المبرمج) سنة 2023 إلى حدود 11.4 مليار دينار أي زيادة 2.6 مليار دينار مقارنة بقانون المالية الأصلي.
وتشمل هذه الزيادة دعم المحروقات بما يزيد عن 1.3 مليار دينار ما يعادل 420 مليون دولار ليصل المبلغ المبرمج بعنوان نفقات دعم المحروقات إلى 7 مليارات دينار مقابل 5.7 مليارات دينار مقدرة ضمن قانون الموازنة الأصلي. وفسرت الحكومة ذلك بالزيادة المسجلة في أسعار شراء المواد البترولية مقارنة بالأسعار المقدرة أوليا، حيث تم تسجيل ارتفاع في سعر شراء البنزين بـ 10 بالمائة خلال الثمانية أشهر الأولى من سنة 2023.

موازنة في مهب التقلبات
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف إن موازنة تونس في مهب تقلبات سعر النفط العالمية وسعر الصرف، مؤكدا أن هذين العنصرين سيكونان رئيسيين في تحديد عجز الموازنة وضمان التوازنات المالية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأكد الشريف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن التقديرات الخاطئة لأسعار النفط تجرّ تونس سنويا نحو مزيد من الاقتراض لسداد فواتير شراءات الطاقة فضلا عن التعديل المتواتر لسعر المحروقات عند البيع في السوق المحلية.

وتابع الخبير الاقتصادي: "يمنع الوضع المالي الصعب لتونس من اتخاذ أي إجراءات احترازية لتفادي تداعيات ارتفاع سعر النفط من ذلك الشراءات عبر العقود الآجلة وتفعيل خطة التحوّط النفطي التي جرى العمل بها سابقا".

وأفاد في سياق متصل بأن تونس قد تكون مجبرة العام القادم أيضا على اعتماد قانون موازنة تعديلي نظرا لاعتمادها على تقديرات سعر النفط بـ83 في إعداد الموازنة، وهو سعر مرجح للارتفاع وفق تطورات الأوضاع العالمية والإقليمية، حسب تقديره.

مواصلة الدعم
وكشفت وثيقة مشروع موازنة تونس لعام 2024 نية السلطات مواصلة دعم المحروقات والطاقة بمخصصات تبلغ 7.086 مليارات دينار (نحو 2.2 مليار دولار) مقابل نحو 7.030 مليارات دينار خلال العام الحالي الذي لم يشهد أي زيادة في سعر المحروقات والطاقة.

يقول الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف إن موازنة تونس في مهب تقلبات سعر النفط العالمية وسعر الصرف

وأبرزت وثيقة الموازنة المنشورة على الموقع الرسمي للبرلمان أن 4 مليارات دينار من نفقات دعم المحروقات والطاقة ستوجه لفائدة شركة الكهرباء والغاز الحكومية من أجل تحسين أدائها في خدمة توفير الكهرباء بينما سيوجه باقي الدعم لفائدة شركة صناعة التكرير. وكان يفترض أن تبدأ تونس هذا العام في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي يشمل خفض دعم سلع غذائية ودعم الطاقة، غير أنها لم تطبّق بعد أي زيادة جديدة في أسعار المحروقات منذ بداية العام 2023 بعد رفض الرئيس قيس سعيّد تنفيذ أي إصلاحات يطلبها صندوق النقد الدولي ترهق القدرة الشرائية للمواطنين.
وتعرضت تونس لضغوط من صندوق النقد الدولي ورفعت أسعار المحروقات عدة مرات وقامت بمأسسة الرفع الآلي للدعم من خلال التعديل الآلي الشهري للأسعار من أجل تقليص الفجوة بين سعر البيع في المضخة وسعر الشراء الدولي.

المساهمون