قبل سنوات، كانت الحروب الاقتصادية تتم على نطاق ضيق، مثلا تندلع حرب عملات بين الولايات المتحدة والصين تتهم خلالها واشنطن بكين بتعمّد خفض عملتها اليوان بهدف تحفيز اقتصادها وزيادة الصادرات الصينية على حساب الاقتصاد والصادرات الأميركية والتجارة الدولية.
أو فرض عقوبات اقتصادية ومالية من قبل الولايات المتحدة على إحدى الدول بهدف هز اقتصادها وإثارة حنق مواطنيها على النظام الحاكم، كما حدث مع العراق وسورية وإيران وفنزويلا وغيرها من الأنظمة التي ناصبها البيت الأبيض العداء. أو فرض حظر على صادرات دولة نفطية، كما حدث من واشنطن مع نظام نيكولاس مادورو في فنزويلا بهدف إسقاطه.
أو فرض عقوبات على أفراد وشركات لها علاقة بتمويل جماعات إرهابية مثل داعش وغيرها. أو فرض حظر أو قيود على احتياطيات بعض الدول أو أرصدتها في البنوك الغربية والتحفظ على أموال ومدخرات بعض رموز الحكم والأثرياء فيها. وفي أغلب الأحيان، تم توظيف هذه الحروب الاقتصادية لأسباب سياسية.
الآن ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، بات العالم يعيش حربا اقتصادية شرسة واسعة النطاق والأهداف، فعقب اندلاع الحرب فرض الغرب عقوبات مكثفة وشاملة ومتواصلة وغير مسبوقة تستهدف كل مفاصل الاقتصاد الروسي، لإحداث انهيار شامل به، وشل مصادر تمويل الحرب الروسية، وتجفيف إيرادات البلاد الأجنبية، خاصة من قطاع الطاقة الحيوي.
عقوبات لم تقف عند حد التحفظ على أموال بوتين والنخبة الحاكمة في روسيا، ولم تقتصر على نشاط أو قطاع اقتصادي، كما كان في الحروب الاقتصادية السابقة.
بل امتدت إلى كل القطاعات الروسية وفي توقيت واحد، البنوك والبورصة وأسواق المال والطيران والاستثمارات الأجنبية وأنشطة التعدين.
مثلا تم حظر الصادرات النفطية والغاز، التحفظ على ما يقرب من نصف احتياطي روسيا من النقد الأجنبي المودع لدى البنوك الغربية وبما يعادل 300 مليار دولار.
حظر الطيران وغلق المجال الجوي أمام الطائرات، التضييق على استخدام أنظمة التحويلات الدولية والأصول المشفرة رقميا وشل القطاع المصرفي، قيود على الواردات وأخرى على تصدير السلع.
منع استيراد منتجات وسلع استراتيجية، منع شركات عالمية كبرى من التعامل مع السوق الروسية، مصادرة أملاك الأوليغارشية، وفرض عقوبات مباشرة على الأثرياء والدائرة المحيطة بالكرملين، وصولاً إلى أموال بوتين شخصياً.
كما يبحث الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع التحالف الغربي إلغاء وضع "الدولة الأولى بالرعاية" الذي تتمتع به روسيا، والذي يفتح الطريق أمام حظر البضائع الروسية أو فرض تعريفات جمركية عقابية عليها، ويضع روسيا على قدم المساواة مع كوريا الشمالية أو إيران.
على الجانب الآخر، تستعد موسكو لفرض عقوبات على الغرب والتلويح بإمكانية استخدام سلاح الطاقة وحظر تصدير الغاز والنفط الروسي، ومصادرة أملاك الشركات الأجنبية المنسحبة من السوق الروسي والتي تجاوز عددها 250 شركة.
لكن الملفت أن روسيا تقدم رجلا وتؤخر أخرى في فرض العقوبات، لأنها ستكتوي بنارها أولا في صورة فقدان مئات المليارات، فقطاع الطاقة يدر وحده أكثر من 100 مليار دولار سنويا على الخزانة الروسية.
في الحرب الاقتصادية الحالية كل فريق أشهر كل أسلحته واستخدم أساليب وأدوات غير متعارف عليها في الحروب السابقة، والخاسر الأكبر هنا ليس الأنظمة، بل اقتصادات الدول وقبلها المواطن الذي يتحمل تكلفة الحروب من موارده في شكل قفزات في الأسعار واختفاء سلع وتأزم الوضع المعيشي.