أسواق السودان (أشرف شاذلي/فرانس برس)
15 ديسمبر 2020
+ الخط -

فتح إقرار مجلس الوزراء السوداني، بتبعية وإشراف وزارة المالية على جميع الشركات المملوكة للقوات النظامية المختلفة، بما فيها الجيش والشركات الحكومية، في موازنة العام المالي المقبل 2021، باب التكهنات أمام إعادة إنتاج الأزمة المكتومة بين جناحي الحكومة الانتقالية في السودان (المدني والعسكري).

ويصر الجناح المدني على إخلاء طرف نظيره العسكري من كافة الشركات التي يسيطر عليها والتي تتحكم بقوة في مفاصل الاقتصاد من دون مردود على الخزينة العامة وإلحاقها بمثيلاتها من الشركات التي تتبع للحكومة، بينما يرفض الجناح العسكري بقوة التوجه ويصر على تمسّكه بها ووضعها تحت بند "الخطوط الحمراء"، بحجة أن الشركات والمؤسسات العسكرية "قطاع عام". وبالتالي، فإن إدارة هذه الشركات لا تتناقض مع فهم الحكومة وإلحاحها على إعادتها للقطاع العام نفسه، حسب الجناح العسكري.

وأوضحت تصريحات سابقة لرئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، ولرئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، موقف كل منهما من هذه القضية؛ حيث اعتبر حمدوك استعادة الشركات الاقتصادية للقطاعين الأمني والعسكري أولوية لدى الحكومة الانتقالية تحتم إخضاعها لوزارة المالية.

في المقابل، قال البرهان، في لقاء سابق بضباط وجنود في المنطقة العسكرية، إن الجيش السوداني حصر 450 شركة حكومية غير تابعة له، فوجد أن ما يعمل منها بصورة رسمية نحو 200 شركة فقط، بينما يتبع المتبقي منها لمؤسسات ووزارات من دون أساس، وقد طرحنا هذا الأمر على مجلس الوزراء.

وقال إن شركات الجيش لم تحتكر تصدير السمسم أو المواشي أو الذهب، والفاشلين هم من يريدون تعليق شماعة إخفاقاتهم الاقتصادية على القوات المسلحة.

وأقر مجلس الوزراء السوداني، في جلسة 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أهمية إجراء تقييم أداء موازنة عام 2020 ضمن مشروع موازنة عام 2021، والتأكيد على ولاية وزارة المالية على المال العام، وإشراف وزارة المالية على جميع الشركات الحكومية والمملوكة للقوات النظامية المختلفة.
وانقسم، في المقابل، المحللون الاقتصاديون والأمنيون ما بين مؤيدين ومعارضين لإمكانية تبعية مؤسسات القوات النظامية لوزارة المالية، حيث أكد بعضهم أهمية الخطوة، بينما يرى آخرون أن تطبيق ذلك سيتسبب في "موتها إكلينيكيا" ويضيف أعباء ضخمة على وزارة المالية بتمويل الجيش ومؤسساته.

وقال الرئيس السابق للجنة حصر ومراجعة الشركات الحكومية، رئيس الإدارة القانونية في مجلس الوزراء، مولانا محمد الغالي، لـ"العربي الجديد"، إن ضم شركات المؤسسات الحكومية والعسكرية للمالية غير وارد، لأن هذه الخطوة محكومة بقانون الشركات وهي مسجلة وتملك شخصيات اعتبارية، مشيرا إلى فرضية امتلاك الحكومة السودانية أعلى نسبة في الشركات الحكومية البالغ عددها 431 شركة، والتي تعتبر مصدرا للفساد وتبديدا للمال العام ونزيفا للخزينة العامة بدلاً عن دعمها، وذلك بسبب ضعف الرقابة الحكومية عليها.
ووصف الغالي شركات الجيش بالأكثر انضباطا في سداد الضرائب والالتزامات الأخرى مقارنة بنظيراتها الحكومية، ولذلك فإن تبعيتها لوزارة المالية ستجعلها غير منضبطة، وستتحمل وزارة المالية مسؤولية تمويل هذه المؤسسات بشكل كامل.
ومن جانبه، دعا وزير الصناعة السابق، موسى كرامة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة التمييز بين الشركات الحكومية المملوكة لحكومة السودان بحكم القانون ومسجلة في سجل الشركات وبين الشركات الرمادية المملوكة للحكومة واقعا لكنها مسجلة قانونيا بأسماء أفراد وغير مرئية للمراجع العام.
وأقر كرامة بصعوبة حصر "الشركات الرمادية". وقد أوصى الحوار الوطني مؤخرا بحصر وتصفية الشركات الرمادية واسترداد المال العام. ووصلت هذه التوصية إلى مجلس الوزراء ووجّه وزارة المالية بتنفيذها، غير أن ذلك لم يحدث.

وقال كرامة إن المشكلة المثارة الآن لدى الرأي العام حول هذه القضية ذات شقين: الأول يطالب بأيلولة كل هذه الشركات لوزارة المالية بحكم ولايتها على المال العام، وشق آخر سياسي له أهداف أخرى مرتبطة بمصالح بعض بيوت الأعمال، والتي لديها الرغبة في الاستحواذ على بعض هذه الشركات المهمة العاملة في مجال الاتصالات والزراعة.
وأشار إلى عدم ضرورة أن يكون مفهوم ولاية المالية على المال العام على هذه الشركات أن تكون الوزارة المشرف الفعلي عليها، حيث يمكن أن تتحقق ولايتها على المال العام بعد حصر هذه الشركات وتحديدها من حيث التخصص ومجال العمل، عبر تبعية الشركات الزراعية مثلا لوزارة الزراعة والصناعية لوزارة الصناعة والمرتبطة بتخصص عمل القوات النظامية بإخضاعها للجهات النظامية، وأن تلتزم جميعها بضوابط وزارة المالية وتراجع من قبل المراجع العام.

وأكد على إمكانية تحقيق هذه الشركات ربطا ماليا شهريا أو سنويا تسهم به في الميزانية العامة، على أن يتم تسوية هذه المدفوعات مع الأرباح الفعلية بنهاية العام، أسوة بالنظام المعمول به في شركة السكر السودانية.

وقال إن المدخل لمعالجة هذا الخلاف مهني بحت، وليس سياسيا، بالاستعانة بالمراجع العام وفريق فني ولجنة قومية لمراجعة وحصر هذه الشركات وأوجه صرفها.
وأوضح آخر تقرير للجنة حصر الشركات الحكومية أهمية تصفية 105 شركات من أصل 431 شركة حكومية، لعدم إيداعها أي أموال في الخزينة العامة منذ تأسيسها، ورصد 43 شركة منها لا تساهم في الموازنة، و12 شركة تساهم في دعم الخزينة العامة عبر فوائدها وأرباحها، وأكثر من 80% لا تدعم الخزينة العامة للدولة، فضلا عن رصد 26 شركة تتبع للأمن والحكومة خارجة عن سيطرة المالية.

ورفض الرئيس السابق للجمارك السودانية، صلاح الدين الشيخ، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أي توجه لتسليم مؤسسات الجيش والقوات النظامية لوزارة المالية.

وقال الشيخ: لا يمكن تمليك هذه المؤسسات للجناح المدني، لأنها تصنع أدوات التصنيع الحربي كالأسلحة والذخائر وغيرها، ولديها تعامل مع مؤسسات نظيرة في الدول الأخرى، وإفشاء هذه الأنشطة يضر بالأمن الوطني. وزاد: لا يوجد جيش في العالم لا يملك شركات ومؤسسات خاصة به.

وأشار الشيخ إلى أن وزارة المالية أثبتت عدم كفاءتها في إدارة الشركات التابعة للحكومة، ولا يمكن تمليكها شركات القوات النظامية والجيش.

وقال الخبير الضريبي عادل عبدالمنعم لـ"العربي الجديد" إن الشركات النظامية من أنجح الشركات وأكثرها التزاما بسداد الضرائب، وتورد سنويا إيرادات بمبلغ ملياري جنيه سوداني (الدولار = 55 جنيها) في شكل ضريبة أرباح أعمال ورسوم دمغة وقيمة مضافة ودخل شخصي، مشيرا إلى أن تبعيتها للمالية يعود بمردود سالب، وقد تضطر إلى خصخصتها لتوفير موارد أو بيعها بالخسارة، لعدم قدرتها على الصرف على القوات المسلحة والنظامية والتي توفر أموالا من أنشطتها الاقتصادية والتجارية تنفق بها على نفسها وتدعم بها السوق المحلي بصناعات الأقمشة والملبوسات والأحذية ومدخلات الإنتاج والسلع الغذائية، بدلا من الاعتماد على الخزينة العامة.

وأضاف عبد المنعم أن شركات الجيش موجودة في كل دول العالم، حيث تسيطر في مصر مثلا على نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي.

المساهمون