يطوي اليمنيون العام السابع للحرب الدائرة في البلاد منذ 26 من مارس/ آذار 2015، وهم يواجهون تدهوراً معيشياً لم يكن أي أحد يتصور الوصول إليه، بعدما بات الملايين منهم لا يجدون قوت يومهم وبحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، فيما أكثر من 5 ملايين عامل يقفون على رصيف البطالة، مع تعطّل ما يناهز 80 في المائة من أنشطة الأعمال الاقتصادية.
وارتقى الملف الاقتصادي ليهيمن على دائرة الصراع الطاحن الذي تشهده البلاد منذ مطلع العام 2020، وليتسبب في تفجير أكبر أزمة إنسانية في العالم وفق تصنيف الأمم المتحدة.
وبنت المؤسسات والمنظمات الدولية مؤشراتها خلال السنوات الماضية على توقعات انتهاء الحرب في العام الحالي، إذ أجمعت كل التقارير الاقتصادية الصادرة عن البنك الدولي والمنظمات الأممية، أن تصل الخسائر التراكمية في الاقتصاد اليمني إلى 181 مليار دولار في حال استمرار الحرب حتى 2022، وأن يرتفع الانكماش الاقتصادي إلى ما يقارب 40 في المائة.
ورصدت "العربي الجديد"، ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنحو 150 في المائة حتى مارس الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وخسارة العملة المحلية حوالي 180 في المائة من قيمتها، خاصة في مناطق الحكومة اليمنية، في أكبر انهيار تشهده العملة منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد.
انكشاف اقتصادي
يقول أحمد الصبري وهو مستشار سابق في وزارة المالية اليمنية، إن تفكك المؤسسات المالية العامة سرع عملية الانهيار الاقتصادي خلال العامين الماضيين، في حين كان الاقتصاد الوطني أكثر انكشافاً بعدما ساهم الكثير من منافذ الفساد والكسب غير المشروع في تسرب الإيرادات العامة ورؤوس الأموال.
وزاد الأمر سوءاً تهاوي منظومة عمل البنك المركزي اليمني وعجز المؤسسات المالية عن وضع خطط احتواء فاعلة، وهو ما تجسد بشكل واضح في الانهيارات الواسعة طوال العام الماضي في العملة المحلية وحجم الاقتصاد الوطني.
ويرى الصبري في حديثه مع "العربي الجديد"، أن اليمن بحاجة ماسة في الوقت الراهن إلى هدنة اقتصادية وليس فقط عسكرية، كما أكد المبعوث الأممي إلى اليمن الأسبوع الماضي، فالصراع الاقتصادي أصبح أكثر حدةً وبطشاً باليمنيين من المعارك العسكرية.
وترجح مؤشرات اقتصادية أن يسجل قطاع النفط والغاز في اليمن أعلى انكماش تراكمي بنحو 80.5 في المائة نتيجة استمرار توقف صادراته حيث يغطي ما نسبته 50 إلى 60 في المائة من الإيرادات العامة للدولة، ويعتبر المورد الأساس في النفقات العامة.
بدوره، يلفت نائب رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية في اليمن أبوبكر باعبيد، وهو أيضاً رئيس غرفة عدن التجارية والصناعية خلال حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن القطاع الخاص يتحمل تبعات قاسية بسبب تفاقم أزمات الوقود وانهيار العملة، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن التجاري وصعوبات الاستيراد واللتين يعتبرهما أهم أزمتين واجههما تجار اليمن إلى جانب تبعات فيروس كورونا والحرب الدائرة في أوكرانيا.
واقع يستدعي، وفق باعبيد، تغيير استراتيجية التفكير في التعامل مع الأزمات لبناء شراكة متماسكة بين القطاعين العام والخاص بما ينعكس بشكل فعلي في استقرار الأسواق المحلية والوضع الاقتصادي بشكل عام.
ويكتوي معظم السكان في اليمن منذ العام الماضي، في أقسى أزمة اقتصادية ومعيشية بعدما فتك الصراع الاقتصادي، الذي يتركز في أزمة الوقود وانعكاساتها على مختلف الخدمات العامة وانهيار الأمن الغذائي، بما لا يقل عن 20 مليون شخص بحاجة عاجلة للمساعدات الإنسانية، أكثر من نصفهم يعيشون على وجبة غذائية واحدة.
ارتفاع كلفة الخدمات
ويؤكد عبدالحكيم غانم، ناشط اجتماعي في مدينة عدن أن التدهور لا يقف عند حدود الاقتصاد، مع وجود عوامل آخرى تغذيه كما هو حاصل في عدن وبعض المحافظات جنوب اليمن، التي تعاني من تدهور أمني يتسبب في فزع وهجرة أنشطة الأعمال ورؤوس الأموال، ويعرقل عمل المنظمات الإغاثية في تقديم المساعدات.
وتشهد اليمن ارتفاعا متسارعا في تكاليف معظم الخدمات العامة التي عجزت الدوائر الحكومية عن توفيرها، وبالتالي تُركت لمبادرات خاصة كما هو حاصل في أجرة المواصلات التي أصبحت تشكل عبئاً كبيراً على اليمنيين بعدما زادت بنسبة 300 في المائة في معظم المناطق اليمن، في حين ارتفعت تكاليف الكهرباء التجارية بما يفوق قدرات الكثير من السكان وأنشطة الأعمال، بعدما قفز سعر الكيلوواط من 350 ريالاً إلى 600 ريال.
فيما يشير المواطن مصطفى العواضي، وهو من سكان صنعاء لـ"العربي الجديد"، إلى أن العام الثامن للحرب يحمل في جعبته كما سابقيه المزيد من الأزمات، إذ بدأت أولى مؤشراته بالظهور الأسبوع الماضي بوصول سعر صهريج الماء المحمول عبر الشاحنات إلى 16 ألف ريال، ارتفاعاً من 10 آلاف ريال.
من جانبه، يقول عائض الحداد، عضو المنظمة اليمنية للأعمال المهنية والحرفية، إن الكثير من الأعمال المشغلة للأيدي العاملة باتت تواجه تحديات جسيمة وضغوطا شديدة بسبب فوارق سعر صرف العملة وتكاليف الكهرباء ومعظم الخدمات العامة ونقص المواد الخام، الأمر الذي يهدد استمرارية أعمال مهنية وحرفية تكافح من أجل البقاء ليس في أنشطتها الإنتاجية فقط، وإنما أيضاً في مساعدة اليمنيين وتوفير السلع لهم في هذه الظروف الحرجة.
حياة تشبه الجحيم
يؤكد تقرير صادر حديثاً عن مجموعة الأزمات الدولية أن الاقتصاد اليمني أصبح جزءاً لا يتجزأ من جهود الأطراف لتعزيز مواقعهم وإضعاف خصومهم. وقد غذى الصراع الاقتصادي القتال على الجبهات وأعاق محاولات صنع السلام.
فقد ارتفعت وتيرة الصراع بين طرفي الحرب للسيطرة على موارد البلاد الطبيعية، والتدفقات التجارية، والأعمال والأسواق. وتلعب المؤسسات التابعة للدولة وغير التابعة لها التي تيسّر أو تعرقل التجارة، مثل المصارف، وسلطات الجمارك والهيئات الناظمة الأخرى، إضافة إلى الأجهزة الأمنية للطرفين، أدواراً داعمة ومغذية لهذا الصراع.
ويشدد الخبير الاقتصادي ياسين القاضي لـ"العربي الجديد"، على تسبب جميع أطراف الحرب في تحويل حياة اليمنيين إلى جحيم طوال هذه السنوات السبع من عمر الحرب، ولا يبدو أنها ستتوقف مع دخول عامها الثامن رغم ازدياد التحركات الدبلوماسية والسياسية والدولية لايجاد توافق بين الأطراف ووضع حد للحرب والصراع الدائر، مثل دعوة مجلس التعاون الخليجي، ولقاءات المبعوث الدولي مع أطراف سياسية وحزبية في العاصمة الأردنية عمان.
ويحذر القاضي من خطورة هذا الانكماش الاقتصادي والتضخم المتوسع والذي لن تستطيع اليمن لوحدها مواجهة تبعاته في حال وجود هدنة أو اتفاق لتهدئة الحرب ووتيرة الصراع، إضافة إلى ما فرضته جائحة كورونا ومن ثم الحرب في أوكرانيا من تأثيرات اقتصادية تطاول معظم الدول المانحة والتي عولت اليمن على دعمها كثيراً خلال السنوات الماضية.