يواجه الجنيه المصري أوقاتا صعبة، عقب زيادة اكتناز الدولار من قبل المدخرين والامتناع عن بيع النقد الأجنبي على خلفية قفزة مرتقبة في سعر العملة الأميركية، وبالتالي تحقيق مزيد من الأرباح الراسمالية.
ودعم الضغوطَ على الجنيه المصري لجوءُ عدد من الشركات العقارية ذات رأس المال العربي والمصري إلى اعتماد الدولار عملةً للبيع والشراء بدلا من العملة المحلية. ويتعامل مستثمرون في مجالات الصناعة والاستيراد وتجار الجملة بالجنيه مقوماً بسعر الدولار في الأسواق الموازية، والذي يتراوح ما بين 22 جنيها للشراء و22.50 جنيها للبيع.
جاءت الضربات الموجعة للجنيه بعد توجه شركات عقارية كبرى نحو بيع وحداتها بالدولار وإعلان مجموعة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار "سوديك"، إحدى كبريات الشركات العقارية في مصر، الأسبوع الماضي، عن بيع وحدات فاخرة مقومة بالدولار. ورغم أن مسؤول بالشركة أكد أن الإعلان عن بيع بعض وحدات مشروعاتها في مصر بالدولار هو موجّه لغير المصريين، وبخاصة في الدول الأوروبية، إلا أن سوق العقارات اعتبر الإعلان مؤشراً عن تخلي الشركات العقارية الكبرى عن بيع وحداتها بالجنيه المصري بسبب تدحرجه المتواصل.
وفقد الجنيه نحو 20 قرشا من قيمته أمام الدولار الأسبوع الماضي، مع غموض المفاوضات التي تجريها الحكومة مع صندوق النقد الدولي، وعدم وضوح الرؤية حول سياسة البنك المركزي حول تعامله مع أزمة العملة خلال المرحلة المقبلة. كما زاد حجم تعاملات البيع الآجل بين التجار والمستثمرين بالدولار، مع انتشار مخاوف بأن ينزلق الجنيه إلى مزيد من التراجع.
قفزة الدولار
سجل متوسط سعر الدولار 19.42 جنيها في البنوك المحلية، بينما سجل 19.44 بالبنك المركزي، ما دفع عضو لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، آمال عبد الحميد، إلى تقديم سؤال عاجل لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، حول أدوات الحكومة لكبح جماح الارتفاع التدريجي لسعر الدولار أمام الجنيه.
وبينت النائبة البرلمانية أن التراجع المستمر للجنيه بشكل شبه يومي، يشير إلى أن البنك المركزي ينفي تعويما تدريجيا للجنيه ليصل إلى 20 جنيها مقابل الدولار، قبيل نهاية سبتمبر الحالي.
وتوقع اقتصاديون أن تلجأ الحكومة إلى تطبيق سياسة الخفض التدريجي للجنيه مقابل الدولار، في محاولة لتخفيف أثر الانخفاض في قيمة العملة على المواطنين دفعة واحدة، بينما يخشى خبراء من إطلاق العنان للطلب المتوقف قسريا على الدولار منذ مارس/ آذار الماضي، ما سيؤدي إلى تراجع كبير في الجنيه خلال فترة وجيزة.
حالة ذعر
يتهم اقتصاديون الحكومة بتسريب حالة من الذعر عن أحوال الجنيه، بكثرة الحديث عن حاجتها الضرورية لاستيراد السلع الغذائية والاستراتيجية، وضعف مصادر التمويل الخارجي، وحاجتها الماسة للدولار، في الآونة الأخيرة، لدفع المواطنين إلى التقشف القهري.
ويبدي مستثمرون مخاوف من رفع البنك الفدرالي الأميركي سعر الفائدة للمرة الرابعة على التوالي، بنحو 75 نقطة أساس في اجتماعه الخميس المقبل، إذ أكد مدير قطاع الممارسات العالمية للاقتصاد الكلي بالبنك الدولي، مارسيلو استيفاو، أن خطوة الفدرالي ستدفع إلى مزيد من صعود الدولار، وزيادة آلام اقتصادات الدول النامية، وزيادة تكلفة الواردات بالعملة المحلية والتضخم، وتقليص استثمارات الشركات.
وتجتمع لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري في 22 سبتمبر/ أيلول الجاري، لتقرير سعر الصرف للأشهر المقبلة، في ضوء تطورات الفائدة على الدولار، ونتائج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض تتراوح قيمته ما بين 3 و3.5 مليارات دولار، ومعدل تدفق تحويلات مالية من الاستثمارات العربية والمصريين بالخارج، والسياحة.
وفي هذا السياق، تشير العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، علياء المهدي، إلى مخاوفها من أن يكون سعر الصرف غير خاضع للقيمة الواقعية للجنيه، ما يؤدي إلى وجود سعري صرف بالبنوك والسوق الموازية.
فشل التسعيرة الجبرية
وفشلت الحكومة، خلال الفترة الماضية، في إجبار التجار على وضع تسعيرة جبرية للسلع الرئيسية، خارج منظومة الدعم، بعد أن تسبب قرار تحديد سعر الخبز والأرز والمعجنات، خارج دائرة الدعم، في انتشار السوق السوداء، وزيادة تخطت 30% في أسعار الأرز والسلع الغذائية.
يتهم اقتصاديون الحكومة بتسريب حالة من الذعر عن أحوال الجنيه، بكثرة الحديث عن حاجتها الضرورية لاستيراد السلع الغذائية والاستراتيجية
وواصل معدل التضخم مساره التصاعدي خلال شهر يوليو/ تموز الماضي، ليسجل التضخم السنوي، الذي يستبعد أسعار المواد غير المستقرة، نسبة 15.6%، وهو أعلى مستوى له منذ 4 أعوام ونصف، حسب بيانات رسمية.
أرجع تجار زيادة الأسعار إلى تراجع قيمة الجنيه بنحو 25% من قيمته أمام الدولار، وعدم التزام الحكومة بفتح أبواب الاستيراد من الخارج، ما أدى إلى تعطل العمل بالمصانع وشح السلع وبيعها وفقا لحالة الطلب وتوافر السيولة لدى الموزعين، بعد أن توقف العمل بنظام الائتمان، بين تجار الجملة والتجزئة.
وأشارت مصادر لـ"العربي الجديد" إلى عدم التزام الحكومة بتعليمات الرئاسة التي قضت بمساعدة المنتجين للمواد الأساسية، للحصول على احتياجاتهم من الواردات، ما رفع المخاوف من زيادة الأسعار، بينما الحكومة اختارت تطبيق سياسة التعامل المرن مع الدولار وخفض قيمته تدريجيا، ما سيؤدي حتما إلى غلاء السلع الأساسية في الأسواق خلال الفترة المقبلة.
وتأمل الحكومة حدوث انتعاش جديد في حركة السياحة، خاصة مع روسيا، بعد أن أوقفت دول الاتحاد الأوروبي منح الروس تأشيرة الدخول للسياحة، والسماح للروس باستخدام بطاقة الدفع المحلية في مصر، لتساهم المدفوعات بالروبل في توفير المنتجات التي تشتريها مصر من روسيا، وعلى رأسها القمح، لتخفيف الضغط على الاحتياطي النقدي من الدولار.