تتعرّض العملة المصرية إلى ضغوط شديدة أدت إلى هبوطها بشكل متسارع أمام الدولار، لتسجل أدنى مستوياتها على الإطلاق. ويقوم المستثمرون بالمزايدة على الجنيه من خلال بيعه عند أدنى مستوى بتاريخه مقابل الدولار.
ويسير الجنيه المصري في طريقه للشهر السابع من التراجعات في سبتمبر/ أيلول، وهي أسوأ موجة هبوط منذ 2013، وفق وكالة "بلومبيرغ".
جرى تداول سعر صرف الجنيه عند 19.53 مقابل الدولار يوم الاثنين، متجاوزاً مستوى 19.51 الذي سُجل في ديسمبر/ كانون الأول 2016 بعد تخفيض قيمة العملة في ذلك العام، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، ليعود ويرتفع قليلاً مساء الثلاثاء إلى 19.50 أمام الدولار.
في السوق الخارجية، جرى تداول الجنيه أقل من 1% بعيداً عن المستوى القياسي المنخفض البالغ 19.6725 الذي جرى الوصول إليه أيضاً في عام 2016، بحسب "بلومبيرغ". في غضون ذلك، فقد الجنيه المصري أكثر من 22% من قيمته أمام الدولار منذ مارس/آذار.
وأدت الحرب في أوكرانيا إلى تعميق مشكلات مصر الاقتصادية، وسط ارتفاع فاتورة الدولة التي تعتمد على استيراد القمح والنفط ومعها الحاجة إلى الدولارات، وسحق السياحة من اثنين من أكبر أسواقها، أوكرانيا وروسيا، المصدر الرئيسي للعملة الصعبة.
الأنظار نحو صندوق النقد
وشجع ميل مصر نحو سعر صرف أكثر مرونة المشاركين في السوق على تكثيف الضغط على العملة التي لا تزال باهظة الثمن حتى بعد تخفيض قيمتها بنسبة 15% في مارس/ آذار.
كما أنها تتورط بشكل متزايد في عمليات بيع الأصول الخطرة التي تعمقت الأسبوع الماضي وأدت إلى ارتفاع الدولار، وسط مخاوف من أن يؤدي ارتفاع التضخم إلى صعود أسعار الفائدة وإشعال الركود.
وأشار تقرير "بلومبيرغ" إلى أن ارتفاع الدولار ألقى بثقله على عملات شركاء مصر التجاريين ونظرائهم من البلدان النامية. وتأمل مصر في أن تتمكن على الأقل من التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن مساعدة صندوق النقد الدولي في الربع الأخير من العام، بينما تكافح مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويفضل المقرض، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، سعر صرف أكثر مرونة، ويعمل تجار العملات على تصعيد رهاناتهم لمزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه. في الأسبوع الماضي، فاجأ البنك المركزي المصري معظم الاقتصاديين بالامتناع عن رفع أسعار الفائدة، وبدلاً من ذلك، اختار رفع نسب الاحتياطي للمقرضين، وهو شكل غير مباشر من التشديد.
ومن شأن قرض جديد من صندوق النقد الدولي أن يدعم الاحتياطيات الأجنبية المتضائلة في مصر، والتي هبطت إلى 33 مليار دولار من 41 مليار دولار في فبراير/ شباط.
ومع ذلك، فإن قرضا جديداً سيضيف إلى الدين الخارجي المتضخم لمصر، والذي قفز من 37 مليار دولار في عام 2010 إلى 158 مليار دولار اعتباراً من مارس/آذار، وفقاً لأرقام البنك المركزي المصري.
وأخذت الحكومة قرضاً قيمته 500 مليون دولار من البنك الدولي هذا الصيف، و221 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقي للمساعدة في شراء القمح. يغطي ذلك حوالي ستة أسابيع من برنامج دعم الخبز لصالح 70 مليون مصري من ذوي الدخل المنخفض، وفق وكالة "أسوشييتد برس".
وساعدت الصين في مقايضة عملة بقيمة 2.8 مليار دولار. وتدخلت السعودية والإمارات وقطر بتعهدات بقيمة 22 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات قصيرة الأجل.
تعمّق الأزمة النقدية
ويعتبر المحللون، وفق "بلومبيرغ"، أنه توجد احتمالية لسيناريو تخفيض حاد لقيمة العملة، بينما ساهم فقدان الثقة في ضعف الجنيه المصري، ونزوح المستثمرين المحليين والأجانب من الأوراق الحكومية قصيرة الأجل في نقص الدولار.
وأدت قواعد الاستيراد الجديدة التي وضعت في وقت سابق من هذا العام لوقف تقلص احتياطيات العملات الأجنبية ودعم الجنيه إلى نقص السلع، مما أدى إلى ارتفاع التضخم بالقرب من أعلى مستوياته في أربع سنوات. فقد صعد معدل التضخم السنوي إلى 15.3% في أغسطس/آب، مقارنة بما يزيد قليلاً عن 6% في الشهر نفسه من العام الماضي، بحسب وكالة "رويترز".
وهذا الأسبوع، خفّف البنك المركزي القيود بشكل طفيف، من خلال السماح للشركات باستخدام ودائع بالعملات الأجنبية، أو تحويلات لتأمين خطابات الاعتماد لدفع ثمن الواردات، وفقاً للوائح الجديدة التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية على نطاق واسع. لكن من المتوقع أن تستمر أزمة الاستيراد.
وانخفض صافي الأصول الأجنبية في الجهاز المصرفي إلى ما يعادل سالب 369 مليار جنيه مصري (19 مليار دولار) في يوليو/ تموز من 248 مليار في يوليو 2021، حيث سحبها البنك المركزي لدعم قيمة العملة مقابل الدولار، حسب بيانات البنك المركزي.
وتراجعت احتياطيات العملات الأجنبية إلى 33 مليار دولار من 41 مليار دولار، على الرغم من تدفق الأموال من حلفاء مصر الخليجيين وقواعد الاستيراد الجديدة.